هل سيفاجأ أحد من متتبعي مشهد الانتخابات المحلية والجهوية المغربية فيما لو جاءت نتيجتها غير بعيدة عن تجارب انتخابية سابقة؟ الجواب قطعا لا، والسبب أن المواطنين لم يلمسوا أي تغيير في المقدمات حتى نتوقع التغيير في النتائج. قد يرى البعض أن التغييرات الطفيفة في الوجوه تبرر الحديث عن تغييرات متوقعة في النتائج، لكن الأكيد أن تغيير الوجوه، حتى لو سلمنا جدلا بوجوده، كان سطحيا ولم يمس مكانة أباطرة الانتخابات والوجهاء المحليين، بدرجة تتيح للمواطنين تلمس أي فارق جوهري.
لقد خاضت كل الأحزاب حملتها بنفس الآليات العقيمة، أوراق مطبوعة بالأطنان، توزع بمختلف السبل، ويلقى ما زاد منها في الطرقات، رغم يقين من كتب ومن وزع أن لا أحد من المواطنين قرأ ما هو مكتوب، وإن قرأ فقد صدق ما هو مكتوب، مما يطلق عليه أصحابه “برنامجا انتخابيا” زورا وبهتانا. ساعات في القنوات التلفزية العمومية، لا تقل هدرا عن سابقتها، إذا يصعب تخيل وجود مواطن يمكن له أن يتابع، وإن تابع، أن يصدق كل ما يتفوه به قيادات هذه الأحزاب من شعارات مكرورة حول قضايا نمطية لا تحمل في العمق أي اختلاف.
وحتى محاولات البعض لإحداث تغيير ما في أساليب التواصل مع الناخبين، كاستخدام الرسائل النصية ووسائل التواصل الاجتماعي والفرق الموسيقية ومكبرات الصوت والحملات “الكرنفالية” التي يدور خلالها المرشحون راجلين على الأحياء والأسواق، فهي لم تختلف في عمقها عما ألفه المغاربة سابقا، لأن الرسائل هي نفسها وإن اختلفت طرق إيصالها.
النتائج يا سادة محكومة بالمقدمات، وأحزاب تمارس السياسة بهذه الطريقة لن تستطيع إحداث تغيير عميق في مقاربات الناخبين للعملية برمتها، لتبقى محصورة بين أخصائيين في الاستشارات الانتخابية من أهل المال أو الوجهاء المحليين، والذين بمجرد فوزهم سيقومون بإدارة الشأن العام المحلي في دوائرهم وجهاتهم بنفس الطريقة التي تعودوا أن يديروا بها هذه الدوائر على مدى عقود.
إن رفع غالبية المرشحين والأحزاب راية وشعار “التغيير” ناهيك عن كونه فقد جاذبيته بسبب مخالفته للواقع، فإنه فقد مصداقيته لأنه لا يستند إلى أسس عملية وعلمية صلبة، إذ كيف يمكن أن تقوم بالتغيير، نفس الأحزاب، بنفس المرشحين، بنفس أساليب التواصل مع الناخبين، بنفس اللغة والخطاب، ونتوقع منها بعد نجاحها أن تقوم بممارسة الإدارة بطرق تختلف عما اعتادت عليه منذ عقود.
ومع ذلك، فمن الظلم والإجحاف أن نفترض أن لا شيء قد تغير مع هذه التجربة الانتخابية، فمع كل تجربة، تدخل أجيال جديدة من الناخبين الشباب، وتحتم على الأحزاب “بعض” التغيير في لغتها وأدواتها، ومع الوقت يفرض جيل شاب بأكمله نفسه على اللوائح الانتخابية، وهم لا شك سيضعون بصمتهم بنسب متفاوتة على إدارة الشأن المحلي لمناطقهم.
وقبل هذا وذاك، من المهم وضع كامل التجربة المغربية في سياقها العربي، حيث لا انتخابات ولا منتخبين، ولا منطق قديما أو جديدا يحكم إدارة شأنها العام، بل إن معظمها تراجع إلى أشكال الإدارة “ما قبل الدولة” وفشل فرقاؤه حتى في الجلوس سويا ناهيك عن التنافس لتقديم خدمات للمواطنين، ولا تزال دول عربية عديدة لا تعترف بالحاجة إلى وجود الأحزاب أصلا، وإن وجدت فهي صورية وهمية لا تعدو كونها ديكورا بلا محتوى.
ما نريده ويريده كل مواطن مغربي، هو مزيد من عقلنة وترشيد الفعل السياسي والارتقاء بإدارة الشأن العام. وعليه، فتجربة الانتخابات الحالية مع ما يشوبها من نواقص هي بلا أدنى شك خطوة مغربية للأمام، ستضاف إلى ما قطعه هذا البلد من خطوات على درب اللامركزية والإدارة المحلية بأساليب ديمقراطية، وستزيد من ترسيخ الأمن والاستقرار فيه، وتجلب مزيدا من الازدهار لمواطنيه.