كان يمكن لهذا المقال أن ينشر في شعبان دون أن يكون مجافيا للحقيقة. بل وكان يمكن أن ينشر في كل شهر رمضان خلال العشر سنوات الماضية، وسيكون شديد التعبير عن حال الدراما الرمضانية في التلفزة المغربية بقنواتها المختلفة. وما نخشاه، أن يكون هذا المقال صالحا حتى للنشر في شهور رمضان التي سنعيشها خلال السنوات الخمس أو العشر المقبلة.
هذه “الشوهة” الرمضانية، كما يحلو للمغاربة تسميتها، أمر أصبح مفروضا على المغاربة خلال هذا الشهر الكريم، حيث “الرداءة” والارتجال والتهريج هي السمة الغالبة على الإنتاج الدرامي الذي تقترحه القنوات التلفزية الوطنية على مشاهديها المغاربة، لاسيما خلال ما يعتبرونه ساعات الذروة، دون أدنى اعتبار لتذمر الرأي العام مما تبثه هذه القنوات، والذي يشترك فيه المواطن العادي والناقد المتخصص والإعلامي المتابع، ونجد صداه في وسائل الإعلام و مواقع التواصل الإجتماعي.
ورغم ما تقوم به القنوات التلفزية من حيل، وما تمارسه من ألاعيب لتزييف الواقع، وما تهدره من أموال في الإشهار لبرامجها في الشوارع، فإن متابعة سريعة لخريطة البرامج التلفزية خلال رمضان لاسيما في القناتين العموميتين الأكثر مشاهدة (الأولى والثانية)، من شأنها أن تكشف إسفاف ما يتم بثه، وبؤس محاولات “إضحاك” المغاربة، والتي عادة ما تنتهي بالضحك عليهم، مع استثناء يكاد يكون وحيدا، يتمثل عموما فيما يقدمه المبدع حسن الفد، ومثاله الناجح “الكوبل” الذي حظي بمتابعة غير مسبوقة خلال العامين الماضيين.
إن الدرس الأبرز لهذه “الشوهة الرمضانية” السنوية، يكمن في أن بؤس الإنتاج الدرامي يكمن أساسا في عقلية المسؤولين عن إنتاج هذه البرامج في القنوات المختلفة، والذين يفسحون المجال واسعا لاستدامة شروط الرداءة لدى مختلف شركات الإنتاج التلفزيوني التي تنتج لرمضان. فغياب الرؤية- وفقرها إن وجدت- لدى قيادات التلفزيون، تنتج غيابا للمعايير المهنية المطبقة على الإنتاج الدرامي، الأمر الذي يجد فيه أصحاب “الشكارة” من شركات الإنتاج الرديئة فرصة لزيادة أرباحها من الموازنة العامة المخصصة للتلفزيون، مستفيدة من توظيف “أنصاف الموهوبين” من مخرجين وممثلين وكتاب سيناريو، وهو ما يجعل المواطن المغربي أمام حلقة جهنمية يمكن تسميتها “تحالف الرداءة” كفيلة بوأد حلمهم بمشاهدة أي شيء جميل في رمضان، وهو ما يصدق على الدراما التلفزيونية خلال ما تبقى من العام.
وليبقى أخيرا السؤال الحائر: ما السبيل لوقف هذا الاستهتار بعقول المغاربة وأذواقهم، وتقديم منتوج تلفزي يليق بهم ويناسب أجواء الشهر الكريم، متعة وترفيها وفائدة وذوقا وذكاء وموهبة؟