بالخداع والعنصرية والكذب والتحريض فاز نتنياهو

على عكس كل التوقعات، واستطلاعات الرأي العام من قبل جميع مراكز الدراسات والاستطلاعات الإسرائيلية، وقنوات التلفزة الإسرائيلية التي نشرت عينة لنتائج الانتخابات، كانت المفاجأة غير المتوقعة، والمخالفة لجميع الاستطلاعات، بفوز “بنيامين نتنياهو” وحزبه الليكود في الانتخابات بحصوله على أكبر عدد من المقاعد، بلغت (30) مقعداً من أصل (120) عدد مقاعد الكنيست، في الوقت الذي تراجع فيه عدد مقاعد أحزاب اليمين والأحزاب الدينية، لصالح الليكود، والتي أدت إلى فوزه، إضافة إلى أن الشارع الإسرائيلي، يواصل سيره نحو اليمين والتطرف، فقد كانت معركة انتخابية شرسة، خاصة بين معسكر اليمين والمعارضة الإسرائيلية، وللتوضيح فقد كانت الأحزاب اليمينية المتحالفة مع “نتنياهو” مثل البيت اليهودي، كان له في الكنيست المنتهية (12) مقعداً، انخفض عددهم في الانتخابات الحالية إلى (8) مقاعد، كذلك حزب إسرائيل بيتنا، انخفض من (12) مقعداً إلى (6) مقاعد، وحزب شاس الذي كان له (11) مقعداً، انخفض إلى (7) مقاعد، وحزب يهدوت هتوراه الذي كان له (7) مقاعد انخفض إلى (6)، وهكذا فإن “نتنياهو” نجح في خسارة هذه الأحزاب اليمينية الحليفة معه أصلا، لصالح حزبه الليكود.
السؤال الذي يتداول حالياً، كيف استطاع “نتنياهو” قلب طاولة خسارته إلى فوز في هذه الانتخابات، وحسب المعلومات المسربة، وقبل أسبوع من موعد إجراء الانتخابات، أدرك “نتنياهو” أنه سيمنى بهزيمة في هذه الانتخابات، فعقد في منزله اجتماعاً سرياً، ضم رؤساء المستوطنين، وبعض أقطاب ما يسمى بمجلس مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، وشخصيات يمينية اعتبارية، وقال لهم أنه معرض للهزيمة، فنزع القناع عن وجهه، مجاهراً في قوميته وتطرفه وعنصريته، واعداً الحضور بالتخلي عما سبق ووعد به بحل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية، وعدم الانسحاب من الضفة الغربية وتكثيف الاستيطان، ناصحاً المستوطنين البدء بجمع أمتعتهم، للرحيل من مستوطناتهم، في حال صعود اليسار في هذه الانتخابات واستلام الحكم، الأمر الذي سيؤدي إلى إخلاء المستوطنات، أو تجفيف الدعم عنها، وأن الطريق الوحيد للحفاظ على المشروع الاستيطاني، هو بقاؤه في الحكم، فتجاوب معه هؤلاء وتجندوا بقوة لدعمه والتصويت لليكود، والقيام بنشاط انتخابي لصالحه، فتوزع نشطاء المستوطنين للعمل ضمن حملة “نتنياهو” الانتخابية، متوزعين على المدن المختلفة، للمحافظة على ما يسمى بأرض إسرائيل، بعد تحذيرهم من معسكر اليسار، فأنقذوه من الخسارة التي كانت شبه مؤكدة.
إن نتائج الانتخابات كانت نصراً شخصياً لـ “نتنياهو”، الذي لجأ إلى الخداع والتسويف، بأنه الرجل المناسب القوي لصيانة أمن الإسرائيليين، والصمود في مواجهة الرئيس “أوباما”- رئيس أكبر دولة في العالم- في الموضوع الإيراني، بعد أن عمل على دب الرعب في نفوس الإسرائيليين بأن حزب الله، وحماس، وداعش تستهدف إسرائيل، مؤكداً أنه الأقدر من غيره على الحفاظ على أمنهم وأمن البلاد فـ “نتنياهو” متطرف أيديولوجياً، وارثا أيديولوجية اليمين والتطرف عن والده، معلناً أن لا تقام دولة فلسطينية وهو رئيساً للحكومة، ولن يجري أي انسحاب من الضفة الغربية، وأنه سيعزز الاستيطان، مدعياً بأن إقامة دولة فلسطينية، سيعرض إسرائيل إلى الانهيار، زاعماً أن مؤامرة يجري التخطيط لها ضد إسرائيل، فـ”نتنياهو” كان مرعوباً، ويعيش حالة من الفزع، من احتمال هزيمته، فقد كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية، والأجواء العامة تعمل ضده وضد حزبه فعمل على تخويف الإسرائيليين خاصة من مواطني إسرائيل العرب، بأنهم ينقلون ناخبيهم إلى صناديق الاقتراع بالحافلات بالآلاف، بعد تلقيهم الأموال من الخارج لحملتهم الانتخابية، لصرفها على الدعاية وللتحريض عليهم، وتخويف الإسرائيليين أيضاً، بأن عرب الداخل يعملون ليستولوا على الدولة.
في اليوم التالي للانتخابات، وبعد ظهور النتائج، أجرى “نتنياهو” سلسلة من المقابلات المتلفزة مع قنوات أميركية، في أعقاب غضب الرئيس “أوباما” من تراجع “نتنياهو” عن حل الدولتين، مؤكداً أنه سيجري إعادة جديدة للسياسة الأميركية مع إسرائيل، فهناك أزمة ثقة حقيقية لا نعرف إذا كانت ستتواصل، بين إسرائيل والإدارة الأميركية، فـ”نتنياهو” في هذه المقابلات التلفزيونية مستمر في الخداع، وهو لم يتخل عن حل الدولتين، لكنه حمّل الرئيس “محمود عباس” مسؤولية هروبه من استمرار المفاوضات، ورفضه الاعتراف بيهودية الدولة، مدعياً أنه لم يتخل ولم يغير موقفه من حل الدولتين لكن الوضع في المنطقة هو الذي تغير، لكن “أوباما” في محادثته الهاتفية ليلة الجمعة الماضية، لتهنئة “نتنياهو”، لم يقتنع من أقواله بالنسبة لحل الدولتين، وألمح “أوباما”، والمتحدثين الأميركيين الرسميين، بأن الولايات المتحدة ستغير موقفها في الأمم المتحدة، ولن تلجأ إلى حق “الفيتو” أوتوماتيكياً، كما كانت تفعل في الماضي، لحماية إسرائيل في الأمم المتحدة.
من جهة أخرى حصلت القائمة العربية الموحدة على(13) مقعداً، بينما كان لمكوناتها (11) مقعداً، في الكنيست السابقة، وهذا الرقم أقل مما كان متوقعاً، بأن يحصلوا على 14-15 مقعدا في هذه الانتخابات، ومع أن نسبة المصوتين العرب ارتفعت قليلاً إلى 65% من أصحاب حق التصويت، أي أقل من نسبة التصويت العامة التي وصلت إلى 72.3% ومع أن القائمة العربية حققت إنجازاً، وأصبحت الحزب الثالث من حيث الحجم في الكنيست، إلا أن دورها سيكون محدوداً، من خلال الكشف عن مواقف إسرائيل العنصرية، والعمل في لجان الكنيست المختلفة، عليها الاستفادة من الوقت، بإقامة مؤسسات عربية في الداخل، وتوحيد وتعبئة عرب الداخل ضد السياسة الإسرائيلية، التي تريد اقتلاعهم من وطنهم، ولتثبيت وجودهم، والنضال من أجل إزالة الإجحاف عن مواطنيهم، والدفع نحو المساواة في الحقوق، باستغلال المنافذ القانونية المتاحة، وهذا يتطلب التعاون مع أحزاب المعارضة وخاصة حزبي العمل والحركة وميرتس وغيرهم، إذ أن حكومة يمينية عنصرية ستتشكل من (67) نائباً، ومع أن هناك خلافات وصراعات حول توزيع الحقائب الوزارية، فحكومة “نتنياهو” الرابعة، ستكون أشد تصلباً في مواقفها وسياساتها المتنكرة للحقوق الفلسطينية المشروعة، بينما لو كانت النتائج مختلفة، للعبت القائمة العربية دوراً هاماً، بأن تكون القوة المانعة لحسم طريق اليمين، وتحقيق بعض المكاسب.
إن ما يلفت النظر، أن من بين أصحاب حق الاقتراع، (624) ألف ناخب مسجلين، لكنهم يقيمون في الخارج، يشكلون 10% من مجموع الناخبين، ولم يشاركوا في العملية الانتخابية، كما أن جنود الجيش الإسرائيلي شاركوا في هذه الانتخابات، دون الإعلان عن عددهم لأسباب أمنية، وأن من لهم حق المشاركة، نزلاء المستشفيات، في (21) مستشفى بلغ عددهم، (42.240) ناخباً، وفي السجون ومراكز التوقيف (11.758) ناخباً، إضافة إلى الدبلوماسيين في الخارج والبحارة والعاملين في الحركات الصهيونية في الخارج، وقد بلغت نسبة الحسم وهي 3.25% للدخول في توزيع المقاعد، (137) ألف صوت، وبذلك فإن (15) قائمة انتخابية، فشلت في الحصول على نسبة الحسم، وفي عملية حسابية، فإن الليكود الذي حصل على(30) مقعداً، حصل على معظمها من أحزاب اليمين والأحزاب الدينية، التي تهاوت، أما حزب العمل – الحركة (المعسكر الصهيوني)، فقد كان لهما في الكنيست الماضية (21) مقعداً، بينما في الانتخابات الحالية زاد عددها ووصل إلى (24) مقعداً.
لقد كان تأبين حكم “نتنياهو” عشية الانتخابات سابقاً لأوانه، لكن أحداً لا يستطيع التنبؤ عن دوام حكومته الجديدة، وهناك من يتنبأ في إسرائيل أنها ستواجه الحروب، فرئيسة المحكمة العليا السابقة، أدانت مظاهر التحريض والكراهية، التي قادها “نتنياهو” في حملته الانتخابية، الذي حرض على مواطني إسرائيل العرب، وكتب الصحفي “جدعون ليفي” في جريدة “هآرتس 18-3-2015″، أن نتائج الانتخابات، وانتصار اليمين يتطلب تغيير الشعب الإسرائيلي، لتغيير السياسة الإسرائيلية، وأخيراً .. المطلوب من القيادة الفلسطينية، اختبار الموقف الأميركي، في مجلس الأمن، الذي وعد “أوباما” بتغيير اللجوء إلى”الفيتو” أوتوماتيكياً، برفع قرار محكمة “لاهاي” بالنسبة لجدار الفصل العنصري، ووضعه للتنفيذ، كي نمتحن الموقف الأميركي من التغيير الذي أعلنوا عنه في المؤسسات الدولية.

*كاتب فلسطيني

اقرأ أيضا

غزة

غزة.. مجزرة برفح وبلينكن يبدأ جولة بالمنطقة ومحادثات لوقف إطلاق النار

في اليوم الـ206 من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ، كثف جيش الاحتلال استهدافه مدينتي رفح وخان يونس جنوبا بالقصف الجوي، مرتكبا مجزرة راح ضحيتها 20 فلسطينيا، بينهم 5 أطفال في رفح.

الملك يهنئ رئيس جمهورية سيراليون بمناسبة العيد الوطني لبلاده

بعث الملك محمد السادس برقية تهنئة إلى رئيس جمهورية سيراليون، جوليوس مادا بيو، بمناسبة العيد …

مجلس الأمن.. حركة عدم الانحياز تشيد بالجهود الملكية لفائدة القضية الفلسطينية

أشادت حركة عدم الانحياز، أمام مجلس الأمن الدولي، بالجهود التي يبذلها الملك محمد السادس، رئيس …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *