على درب الحكيم.. حي على العمل

الموت لا يستأذن أحدا وهذه سنة الله في خلقه..
مات السي عبد الله بها بعدما اختاره الله ليكون في جواره ونحن في أمس الحاجة إليه لحكمة لا يعلمها إلا هو..إنها إرادة الله وقدره التي لا راد لها..
مات الرجل وحريّ بنا أن نذكره فنتذكر، وأن نقف عند جزء من أعماله عسى أن تكون لنا نبراسا يهدينا الطريق..
مات الرجل المفعم قلبه بالإيمان والتقوى..مات الرجل الذي كانت مجالسته تذكر بالله وخاصة في الأوقات التي يتسرب إلى أنفسنا شيء من الدنيا..مات الرجل الذي وهب حياته وعقله لخدمة البلاد والعباد..مات الرجل الذي لم يكن له هم في الدنيا سوى هم الدعوة والإصلاح..مات رجل من أهل الله الذي لم ينل المنصب من طيبوبته وتواضعه ولم يزده إلا إصرارا على التشبت بطبيعته الميالة إلى البساطة والتواضع..
مات الرجل الطيب الذي كان يخجلنا بتواضعه..مات الرجل الهادئ الذي كان يفاجئنا بسكينته في قلب النقاشات الكبرى والأحداث العظيمة..مات الرجل الحكيم الذي كان في الغالب آخر من يتكلم ليفصل القول في المدلهمات..
مات الرجل صاحب الرأي السديد والقول الدقيق مبدع العديد من القواعد الذهبية في العمل الجماعي: “الرأي حر والقرار ملزم” “الإصلاح في ظل الاستقرار” “الإصلاح وليس السلطة”…
مات الرجل الزاهد الذي لم يكن يهتم بحطام الدنيا ومتعها البالية، وكان قلبه معلق بالآخرة..وهمه الوحيد في الدنيا هو أن يرى فكرة الإصلاح تشق طريقها بنجاح..ولم يكن الأستاذ عبد الإله بنكيران مبالغا حينما كان يمازحه بقوله:”أنت رجل من عهد الصحابة تأخر بك الزمان بيننا”..
كان للراحل منظور واضح ومتميز في التعامل مع الأحداث والوقائع السياسية والظواهر الاجتماعية، هذا المنظور الذي راكمه من خلال ثقافته الإسلامية الواسعة وتدبره في سير الأنبياء والصالحين، ومن خلال قراءته لتاريخ المغرب الحديث، ومن خلال تجربته الكبيرة في العمل الإسلامي ونقاشاته التي لاتنتهي مع إخوانه في الحركة والحزب، ومن خلال خبرته الميدانية واحتكاكه اليومي بالمغاربة..
كان الأستاذ عبد الله بها مغربيا حتى النخاع وكان متابعا لما يجري في مختلف المجالات، وكثيرا ما كان يفاجئنا بأخبار جديدة من عالم الفن والرياضة..
كان منهجه في العمل السياسي قائما على ثلاثية الدين والديموقراطية والانفتاح: الدين هو الذي يقدم الإجابات على الوجود والمصير ويقدم المعنى لتضحياتنا في العمل السياسي، ويهذب النزوعات البشرية الميالة إلى حب الشهوات ويوفر لها القوالب المشروعة لتصريف هذه الشهوات..والديموقراطية هي تلك القيمة الحضارية التي أبدعتها البشرية للانتقال من حالة الصراع والفوضى إلى حالة التمدن والتحضر وهي القيمة التي تضفي طابع النسبية على اختياراتنا السياسية، خاصة بالنسبة لمن اختاروا المرجعية الإسلامية في عملهم السياسي..والانفتاح الذي بدونه لا يمكن لمشروع إصلاحي أن يكون له مستقبل..كان رحمه الله يحذر من الانغلاق والطائفية ويحذر من المواقف الحادة التي لا تترك مساحات للتفاهم والاختلاف بالتي هي أحسن..
كان الفقيد يكره الصراع والتنازع على المناصب والمسؤوليات، وكان شعاره الدائم الذي لا يكل منه ولا يمل من تكراره في المجالس، هو الآية الكريمة:”ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم..” الآية..
كان رحمه الله يعتبر بأن التنازع هو سبب الفشل وذهاب القوة..وهو السبب الذي جنى على التنظيمات والأحزاب وحتى على الدول والأنظمة..
مهما قلنا في حق الفقيد الشهيد لن نوفيه حقه..
أعزي نفسي وإخواني وأسرته الصغيرة والكبيرة في وفاة هذا الرجل الكبير..
وحسبنا أن الرجل لم يبدّل ولم يغير إلى أن لقي ربه شهيدا..
وعهدنا لك أن نستمر على الدرب إلى أن نلقى الله وهو راض عنا إن شاء الله..
رحمك الله يا سيدي عبد الله ..
على درب الحكيم ..حي على العمل..

* عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية/”جديد بريس”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *