الاتحاد الدستوري.. عزف منفرد في جوق المعارضة!!

بقلم: ذ. محمد بوخزار
لم يشغل الطبقة السياسية المغربية كثيرا، انتخاب أمين عام جديد لحزب “الاتحاد الدستوري” خلفا لمحمد ابيض، الذي استفاد من فترات تأجيل متتابعة.
ولم يعد الحزب الذي يصنف نفسه ضمن العائلة الليبرالية، لافتا للأنظار، مثيرا للفضول الإعلامي، منذ وفاة مؤسسه الأستاذ، المعطي بوعبيد، الوزير الأول الأسبق، ثم التحق به، بعد مدة لم تكن طويلة، من خلفه في الرئاسة صديقه المحامي والوزير في حكومته:عبد اللطيف السملالي.
تراجع حضور، الاتحاد الدستوري، في الساحة السياسية قد يكون مبررا، بعد غياب كبار الراعين والداعمين له. نشأ الحزب وترعرع، في كنف وحضن السلطة عام 1983. استعانت لبناء هياكله بقطع غيار وأسماء استجلبتها من بقايا حزب “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية” ضمنهم الزعيم الجديد، المعطي بوعبيد.
راج في ذلك الوقت أن مخططي التنظيم السياسي الوليد، مارسوا تمويها على الرأي العام، قصد إغاظة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المسؤول، برأي السلطة، بخطابه المهيج،عن اضطرابات 1981.
تم اللعب على اسم “الاتحاد” لإحداث التباس لدى الرأي العام وأنصار الاتحاد الاشتراكي، ظنا منهم أنه سيصعب التمييز، وخاصة في البوادي، بين الاتحادين الدستوري والاشتراكي: من هو حليف السلطة ومن يعارضها؟
واعتمدت الحيلة الثانية على نفس تقنية اللعب على اللقب العائلي “بوعبيد” الذي يتقاسمه أمينا الاتحاد الدستوري المعطي بوعبيد، والاتحاد الاشتراكي، عبد الرحيم بوعبيد.
هل نجحت الحيلة؟ سؤال لا يأبه به المتصارعون فوق حلبة السياسة. الكثيرون اعتبروه مزحة سياسية ثقيلة؛ لكن الثابت أن الاتحاد الدستوري، الطري العود، حاز على الأغلبية في الانتخابات التشريعية عام 1984 ولما تمض سنة على تأسيسه، بل إنه أحرز على أعلى النتائج في البوادي حيث الأمية السياسية والتعليمية، على الرغم من أن التنظيم الجديد، تبنى مرجعية ليبرالية، تؤمن باقتصاد السوق. مفارقة سياسية بدت مثيرة بل مضحكة في مغرب الثمانينيات من القرن الماضي!!
في العقد الموالي، بدأت المعارضة الموحدة ضمن تحالف “الكتلة الديموقراطية” في الاقتراب من النظام لمصلحة الطرفين. كان طبيعيا أن يتم ذلك على حساب “الاتحاد الدستوري” إذ سيتقلص عدد ممثليه في برلمان 1997، كنتيجة منطقية لنزاهة نسبية ميزت استحقاقات تلك السنة بمقتضى دستور 96 المتوافق عليه. لم يكن بمقدور الاتحاد الدستوري، التشكيك في نتائج الاقتراع، ما دام الملك الراحل راغبا في إشراك المعارضة في الحكم وتدشين مرحلة سياسية جديدة بعد تشخيص السكتة القلبية.
كلف عبد الرحمن اليوسفي، بتشكيل حكومة “التناوب” ضمن لها الملك الأغلبية والاستقرار.
تموقع “الاتحاد الدستوري ” في المعارضة. ربما أوحي له أن يمارسها بهدوء، بشكل ينسجم مع حجمه الجديد، وبإيقاع لا يشوش على مخطط الملك الحسن الثاني.
اتبع الحزب ذات النهج، ونجح في الحفاظ على وجوده وإسماع صوته، ضمن الخارطة الحزبية. صحيح أن اعداد نوابه في البرلمان، لم تتغير إلا بنسبة محدودة (في حدود الثلاثين نائبا) لكن حضور الحزب كان أفضل في البلديات، متمكنا من تسيير حاضرتين مهمتين: مراكش والدار البيضاء، مستفيدا من مساندة أحزاب أخرى.
في يوم السبت (25 ابريل) الماضي، استكمل الاتحاد الدستوري، أجهزته القيادية، بانتخاب الأمين العام، في شخص عمدة مدينة الدار البيضاء: محمد ساجد، بحصوله على أغلبية مريحة، تجاوزت مجموع أصوات منافسيه على المنصب.
وصل، الاتحاد الدستوري، إلى محطة الاستقرار. لم يواجه عثرات في الطريق، بل أثبت أنه ما زال حيا، قادرا على التأقلم مع المناخ السياسي الجديد في المغرب، والعيش بدون منشطات وحليب السلطة.
ويعتقد متابعون أن نجاح الحزب، في إرساء هياكله دون جلبة، قد يخفي صعوبات داخلية تحد من انتشاره، في ظل أجواء سياسية مضطربة، ما يجعله في النهاية مضطرا للتحالف أو إكمال النصاب القانوني لأغلبية حكومية تفرزها الصناديق.
ويشعر الدستوريون، أنه لا يوجد تيار ليبرالي قوي في المغرب يمكن لمكوناته تشكيل قطب يوصلها إلى الحكم.
في هذا الصدد يستوقف النظر انتخاب العمدة ساجد: فهو ظاهريا، اختيار منطقي، فالأمين العام، ليبرالي، بالممارسة قبل الفكر. رجل أعمال ناجح، اكتسب دربة سياسية من خلال تدبير الشأن المحلي في أكبر مدن المغرب.
البعض سيرى في رئاسته للحزب هيمنة لممثلي المال والأعمال، على حساب الجيل الجديد من المنتسبين الدستوريين، خاصة وقد فشل مرشحهم، بفارق هائل من الأصوات. فما تكون الليبرالية إذن؟ قناعة فكرية أم ثراء مالي؟ وهل يجوز، في مغرب اليوم، رفع شعارات حرية السوق وتشجيع المنافسة الفردية وفتح الحدود على مصراعيها، لاستمالة ناخبين تستهويهم الأفكار الشعبوية؟
لم يستطع، الاتحاد الدستوري، في ظل الولاية التشريعية الحالية وحكومة يقودها حزب “العدالة والتنمية ” إيجاد مقعد مريح، في خندق المعارضة، يدافع من خلاله عن توجهه الليبرالي، وإنما ألفى نفسه وسط أحزاب سبق لها أن طعنت في شرعيته واستنكرت بضراوة، وفوده على ساحة الحياة الحزبية في عقد الثمانينيات! ولذلك مد حزب العدالة والتنمية، يده نحوه.
سبق أن هاجمه بعنف حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حليفاه الحاليان في خندق المعارضة.
سيفكر الأمين العام “ساجد ” كثيرا في مسألة الانتماء إلى المعسكر الليبرالي، وبالتالي سيبحث لحزبه عن تموقع مغاير في المعارضة. ربما يعيد النظر في صياغة هوية فكرية، ترفع عن الحزب تهمة الليبرالية المتوحشة، مع ما يترتب عن ذلك من الإبقاء على مسافة مع حلفائه في المعارضة تحت قبة البرلمان.
يمكن القول أن الأمين العام المنتخب، أعطى إشارات أولى بخصوص التوجه الجديد، بهدوء وسلاسة. تنصل من القاموس اللفظي للمعارضة، المعتمد على التراشق بالعبارات النارية المعيبة، بل إنه وجه نفس العتاب/ النصيحة، لزعيم الأغلبية الحكومية عبد الإله بنكيران.
يبدو أن “السي محمد ساجد” يتوزعه هدفان: إعادة بناء الحزب وحقنه بدماء جديدة وطاقات شبابية. وهذا رهان ممكن؛ فليس الاتحاد الدستوري، مرتعا لصراع طاحن بين الأجنحة والتيارات والتجاذبات.
أما الهدف الثاني، وقد يكون الأصعب، فيتمثل في الحسم بين الاحتفاظ بقلعة عمدية الدار البيضاء، أو تركها لحزبه أو لغيره؟
هو يعلم أن منصب “العمدة” ذو رنين خاص، داعم سياسي لترسيخ جدارته بزعامة “الاتحاد الدستوري”على الصعيد الوطني.
ربح “ساجد” رهان زعامة الحزب، دون مواجهة قوة رادعة. شرع في تمرير خطاب مهادن، لكن التحكم في العاصمة الاقتصادية للمملكة، إلى جانب زعامة الحزب، سيشكل أم المعارك. وحتما لن يخوضها بمفرده، دون غطاء جوي ودعم أرضي.
التاجر الحق يجري ألف حساب قبل عرض منتوجه في السوق. أي مستقبل سياسي وردي، ينتظر “حضرة العمدة ” ؟؟

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *