المتأمل في المشهد العربي الدامي يقع حتما في حبال سؤال كبير: لماذا تحترق دول عربية عدة في أتون الاقتتال الداخلي وفي نفس الوقت ينعم الصهاينة وهم قوة احتلال بالهدوء والسكينة ويتمادون في طبخ مخطط تهويد فلسطين المحتلة على نار هادئة؟
السؤال حارق ولا شك. والجواب عنه شائك بلا ريب. ولعله يبدأ من العلاقة الوطيدة القائمة بين طرفي المعادلة: الحريق الذي يلتهم دولا عربية ويشغل كل الرأي العام العربي من جهة والهدوء الذي ينعم به الصهاينة من جهة أخرى.
لا نجانب الصواب حين نقول إن الصهاينة أو وكلاءهم أو الطرفين معا، مورّطان في الفوضى العارمة التي تضرب دولا عربية عدة وعلى رأسها سوريا. ولا نجانب الحقيقة حين نقول بأن أطرافا فاعلة في الحرائق العربية تقاتل نيابة عن الكيان الصهيوني وتندفع في مخطط تدمير سوريا مثلا لحساب اسرائيل، ذلك ان سوريا وبعد انهيار العراق وسقوطه قد أضحت آخر قلاع العروبة وآخر حصون المقاومة والممانعة من لبنان الى فلسطين المحتلة وصولا الى العراق زمن كانت المقاومة نشطة ضد الاحتلال الأمريكي. وهذا الدور القومي حمّل سوريا أعباء وتبعات ثقيلة كان واضحا أنها لن تمرّ بلا مقابل.
والمقابل ما فتئت سوريا الوطن والشعب تدفعه منذ سنوات.. تقتيل لم يستثن أحدا وتخريب وتدمير لم يستثنيا منطقة بواسطة عصابات استقدمت من أكثر من 80 بلدا لتشكل وقودا لحرب عالمية تدور على الأرض السورية والعالم يتفرّج مع أن رائحة الموت باتت تنبعث من كل زاوية من الأرض السورية، عصابات لا تبخل عليها اسرائيل بالتمويل والتسليح… ولا تتخلف عن معالجة أفرادها واستقبالهم في مستشفياتها… ويصل الأمر حدّ التنسيق معها ميدانيا بقصف مواقع للجيش العربي السوري وللفصائل المقاتلة معه لتسهيل اختراقات لهذه العصابات أو تيسير إعادة تموقعها… وهو تكتيك لم يعد يخفى على أحد وقد اعتمد هذه الأيام لتسهيل إعادة سيطرة هذه العصابات على منطقة «جسر الشغور».
انها مفارقة عجيبة أن يمعن العرب في الاقتتال ويمعن بعض العرب في استهداف بعض العرب فيما ينعم الصهاينة بـ«احتلال مريح» وتصمت بنادق المقاومة في الساحة الصحيحة وضد العدو الحقيقي لكل زاعم انتماء للعروبة وللاسلام… مفارقة يفترض انها باتت مكشوفة وتكفي لتهزّ الضمائر وتعيد تعديل البوصلة في الاتجاه الصحيح.
*كاتب صحفي/”الشروق” التونسية