رمي ورد فرنسي للمغرب

طويت صفحة الأزمة المغربية الفرنسية سريعاً، وحل محلها ود ومجاملة، وإشادة بالدور الأمني المغربي في محاربة الإرهاب.
فرنسا تقول إنها راضية عن أداء الرباط، إلى درجة أنها منحتها وساما من درجة ضابط، ناله المسؤول المغربي الأول عن الاستخبارات، عبد اللطيف الحموشي، وهو الرجل نفسه الذي كان مطلوبا للقضاء الفرنسي منذ سنة، وبسببه غضب القصر، وأدار ظهره للإليزيه.
جاء وزير الخارجية الفرنسي، أول من أمس، إلى الرباط، لينقل رسالة باريس الأمنية، ومفادها بأنه لا غنى عن المغرب في التصدي للموجة الجديدة من التطرف، التي تضرب أوروبا، بعد التحاق شباب مسلم من أصول عربية بتنظيم الدولة الإسلامية، داعش. فهناك فتوحات للمغرب في هذا المجال، منذ عمل على تفكيك الخلايا الإرهابية التي ضربت البلاد في 2003، ما أكسبه تشكيل أرشيف كبير يؤرخ للظاهرة ومحركيها في الداخل والخارج، بالإضافة إلى بنك معلومات ثمين، هو بالدرجة الأولى حصيلة سجلات الاستنطاقات ومحاضر التحقيق، تلك السجلات المكونة من آلاف الصفحات هي بالفعل كنز ثمين، لا شك أن بلداً، مثل فرنسا، يسعى إلى الاستفادة منه، ومن خبرات من أنجزوه.
لكن شيئا كبيراً ربما يكمن خلف كل مظاهر الإشادة التي حصلت، السبت الماضي، وفي التحليل، أن بلداً، مثل فرنسا، يعيش على أرضها أكثر من 4 ملايين مسلم، يشكلون العقيدة الدينية الثانية بعد المسيحية، يحتاج إلى تعاون مكثف من كل المتدخلين، وإلى تبادل سيال للمعلومات حول هذه المجموعات البشرية التي تعتنق الإسلام، وتمارس شعائر العبادة في أكثر 4 آلاف مسجد ومصلى.
وقياساً إلى الطريقة التي تعمل بها أجهزة الأمن، فإن ذلك يحتاج إلى موارد مالية كبيرة من جهة، ومن جهة ثانيةٍ، إلى لوجيستيك بشري وتقني، ولن يكون بلد واحد قادرا على إتيان معجزة أمنية بمفرده، ما لم يسع إلى تنسيق وثيق، ويومي، مع أجهزة الأمن في دول أخرى معنية بالموضوع، وعلى صلة وثيقة به.
جاء وزير الداخلية الفرنسي، برنارد كازانوف، إلى الرباط، ليعترف بأن الرباط كانت، دائما، الشريك الوفي، وأضاف فوق ذلك “تنقيطا” جيدا للمخابرات المغربية، عندما أشاد باحترافيتها ومنحها وساما، وهذا دليل قاطع على أن صلب العلاقات بين الدول وعمودها الفقري ليس الملف السياسي أو الاقتصادي، بل بؤرة التنسيق والتعاون تكمن في الملف الأمني، وعليه تبنى كل الملفات الأخرى أو تنهار.
لكن، ما لا يجري الانتباه إليه، في هذه الفترة التي تتميز بسيطرة نغمة “داعش”، والذي اتخذ فيه الخيار الدولي بمحاربته والقضاء عليه في سورية والعراق، أن المسلمين الذين يعيشون في الغرب يجدون أنفسهم محشورين في الزاوية، وليس أمامهم من خيار آخر، غير المضي في التعبير عن “اختلافهم” والتمسك بـ “هويتهم”، حتى ولو كانت قشورا بائدة أو أفكارا عنفية، ترد عنفا بعنف، فلم يعد أحد من العرب والمسلمين في أوروبا، يرضى أن يسير جنب الحائط، في دول تعلق يافطات الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة على أبواب جمهورياتها وملكياتها، وتقتطع الضرائب بنهم من رزق هؤلاء، ولا توفر لهم الحماية الكافية، ولا الأمان اللازم، لممارسة اختلافهم.
ظل مفكر عربي، مثل محمد أركون، يصرخ بأن هناك إسلاما أوروبيا يتخلق، مختلفا عن إسلام المشرق، وبأن أمام هذا الإسلام الجديد تحديات كبيرة. وبالتالي، على العرب الانتباه إلى هذه الخصوصية، التي تجعل الإسلام يعيش امتحانا كونيا جديدا، مثلما عاشه أيام الفتوح، وهو يتمدد خارج شبه الجزيرة العربية في الأصقاع الأخرى.
هذا هو الوضع الجديد اليوم، أمني لدى الدول، لكنه في العمق ثقافي وفكري وروحاني، ولن نعدم فيه، ويا للأسف، وجود معتدلين ومتطرفين وضحايا وتجار سوق الخردة!

*شاعر وصحافي مغربي/”العربي الجديد”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *