بلادي تحت البنج… صلواتكم!

غزلان جنان
وجهات نظر
غزلان جنان18 فبراير 2014آخر تحديث : منذ 10 سنوات
بلادي تحت البنج… صلواتكم!
بلادي تحت البنج… صلواتكم!
31fe0310ed4d0bed42f543c4122795e2 - مشاهد 24

في منتصف العام الماضي سافر صديق، غير صحافي وغير جزائري يقيم بباريس، في زيارة عمل إلى الجزائر. بعد عودته سألته: كيف وجدت بلادي. قال بالفرنسية: بلد تحت البنج (مخدَّر).
فهمتُ جيدا، ولم يفاجئني مضمون رده، لكنني سألت ثانية. اشرح لي أكثر: قال: بلد لا يستجيب للوخز. أخبار النهب، السرقات، الفضائح المالية، الكوارث الاقتصادية، الشلل السياسي، ولا من مجيب. أضاف: كل هذا لا يثير أيّة ردود فعل وكأن الجميع بدون استثناء تواطؤوا على قبول ذلك الوضع.
كانت عبارة اتحت البنجب من أفضل ما سمعت في وصف ما وصلت إليه الجزائر. ثم جاءت أحداث الأسبوع الماضي والذي قبله لتكرّس مقولة الرجل وربما أسوأ من وصفه.
في ذروة الإرباك الذي احدثه الهجوم الشديد للأمين العام لجبهة التحرير الوطني، عبد العزيز بن سعيداني، على مدير المخابرات، اللواء محمد مدين، أطل العميد المتقاعد من الجيش حسين بن حديد بتصريحات صحافية كان من شأنها أن تقلب الدنيا رأساً على عقب، لولا االبنج’!
قبل هذا جميعه، تنشر الصحافة الجزائرية باستمرار أخبارا لا آخر لها عن سرقات ونهب وفساد ورشاوى بالمليارات وفي كل المستويات، من موظف مكتب البريد في بلدية نائية الذي يستولي على أموال العمال الأجراء والشيوخ المتقاعدين، إلى رؤوس الدولة وما ينهبونه في صفقات النفط والطريق السيّار وواردات القهوة والطحين.
ومع ذلك، تمر تلك الأخبار بلا ردّة فعل. تـُقرأ كأخبار الجو أو إعلانات تعاز، وتـُطوى الجرائد.
مما قال العميد المتقاعد أن لدى إدارة المخابرات ملفات عن اختلاس 37 مليار دولار، ما يعادل الدين الخارجي للجزائر سنة 2000، منها 12 مليار دولار جرى تحويلها إلى الخارج.
ويشدد العميد بن حديد على أن هذه الملفات وما فيها من أرقام، تدين حاشية الرئيس بوتفليقة وعلى رأسهم شقيقه سعيد، بحسب كلامه.
في 1989 اجتهد الوزير الأول (اللاجئ حاليا في لندن) عبد الحميد الإبراهيمي، منطلقا من عمليات حسابية شخصية، فتوصل إلى أن ما سـُرق من أموال الجزائريين في شكل رشاوى وفساد مالي، منذ الاستقلال، بلغ 26 مليار دولار (ما يعادل مليار دولار في السنة).
لأن االبنجب لم يكن قد فعل مفعوله كاملا، قامت الدنيا على الإبراهيمي: تحرك جهاز العدالة، وتشكلت لجان تحقيق برلمانية، ونظمت مسيرات احتجاج على الفساد، وتحوّل الرقم إلى مرجع سياسي وإعلامي، وظلت القضية تلاحق الرجل ما لا يقل عن 15 سنة.
اليوم، المقصود بكلام العميد بن حديد أموالا نُهبت في عهد الرئيس بوتفليقة، وليس منذ الاستقلال. كلام مخيف يستوقف كل ذي ضمير، إما أن صاحبه يطلقه بلا أدنى شعور بالمسؤولية فيجب أن يُسأل عنه، وإما أن الملفات وأرقامها صحيحة ويجب مساءلة من ضلعوا فيها. ولماذا تحتفظ المخابرات بالملفات ولا تحرك ساكنا؟ وكم يجب أن ينهب هؤلاء من خزينة الدولة حتى تحيل المخابرات ملفاتهم للقضاء؟
لكن لا حياة لمن تنادي.
في ذات التصريحات التي أدلى بها لصحيفتي االوطنب وبالخبر’، قال العميد بن حديد كلاما بشعا بحق قائد أركان الجيش نائب وزير الدفاع، اللواء أحمد قايد صالح. ثم وصفه بنعوت قبيحة أقل ما فيها أنها تقلل الاحترام الواجب لزميل في المؤسسة ورتبته العسكرية ومنصبه، وتضر بقائلها وبالجيش ككل.
ومرة أخرى يفعل االبنجب مفعوله فلا حياة لمن تنادي. لا أحد يتحرك ولا أحد يجيب. بما في ذلك اللواء المتقاعد خالد نزار، العاجز الأزلي عن مقاومة نعمة السكوت كلما ذُكرت قيادات الجيش الجزائري. ولا وزارة الدفاع التي لا تصبر على الإساءة، مهما صغرت، لقياداتها واقتادت صحافيين للمحاكم على تـُهم لا مجال لمقارنتها بما بدر من العميد بن حديد، وكثيرا ما حملت افتتاحيات مطبوعتها االجيشب ردودا على مقال صحافي أو تصريح سياسي أو تعليق عابر من أي كان. لا شيء من هذا كله اليوم مع تصريحات العميد بن حديد وقبله هجوم سعداني الشرس على مدير المخابرات، وقبلهما مع ما قيل ونـُشر من فضائح فساد.
اليوم، بإمكان أي وزير جزائري الادعاء أن الحكومة قادرة على توزيع عشرة ملايين مسكن قبل حلول الخريف، وهو يعلم انها عاجزة عن توزيع ثلاثة آلاف مسكن. يقولها ويمشي ولا أحد يسائله أو يستوقفه.
بإمكان أي مسؤول أن يقول أي شيء ويعد بأي شيء، ثم يمضي لشأنه غير مكترث لأي محاسبة.
اغتمنت رئاسة الجمهورية مناسبة تحطم الطائرة العسكرية بشرق البلاد ومقتل 77 راكبا، لتنشر بيانا منسوبا للرئيس بوتفلقية يعزي في الضحايا، ثم يعرّج على ‘المتطاولين’ على ‘وحدة الجيش’.
صدر بيان الرئاسة قبيل نشر تصريحات العميد بن حديد، وعليه فهو موجه ربما لسعداني ومن ااشتغلواب لاحقا على كلامه عن اللواء مدين.
لكن البيان الرئاسي حمل عيوبا ‘من حيث الشكل’. فالرئيس (أو الرئاسة) انتظر سقوط الطائرة العسكرية ليخرج عن صمت طويل. ثم، لا الزمان ولا المكان ولا المناسبة تحتمل تسجيل موقف سياسي في ‘عركة’ بين أبناء نظام الحكم. هل يجب أن يحمد الجزائريون ربهم على الكارثة لأنها جعلت رئيسهم (رئاستهم) يخرج عن صمته؟ كم كان سيطول صمت الرئيس/الرئاسة لولا كارثة الطائرة؟ وكيف سمح صاحب البيان الرئاسي لنفسه بخلط موقفه السياسي من أزمة سياسية داخلية، بتعزية في حادث مأساوي أدمى قلوب الجزائريين؟
كما أن البيان منسوب للرئيس بوتفليقة، وزير الدفاع القائد الأعلى للقوات المسلحة، وموجّه إلى نائب وزير الدفاع. أليس من المفروض أن يوجه الرئيس تعازيه للشعب وعائلات الضحايا أولاً؟ أوليسَ من المفروض أن القائد الأعلى هو الذي يتلقى التعازي بدل من أن يصدرها لنائبه؟
هناك من قال، في تفسير هذه الملاحظات، إن لا صلة للرئيس بالبيان لأنه مهموم بوضعه الصحي، وإن فريقه في الرئاسة هو الذي تصرف في الشكل والمضمون فجاء البيان أقرب إلى موقف هواة سياسة.
يبدو أن االبنجب في الرئاسة مختلف عن الذي يـُحقن لعامة الناس، وعليه جاء ردّ فعل الرئيس، أو فريق الرئاسة، مختلفا.
الجزائر في حالة لا تبشّر بالخير. إفلاس شامل، رئيس في كوكب آخر بعضهم يريد إبقاءه ولو محنطا، ومسؤولون كبار يتبادلون الشتائم والإهانات. لا شيء أصبح ينفع غير الصلاة والدعاء.
“القدس العربي”

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق