لو كان أحد تحدث قبل عشر سنوات عن تفكك دول عربية رئيسة إلى أقاليم ومناطق، لبدا ذلك وكأنه نوع من «الفانتازيا» السياسية أو نظريات المؤامرات التي تصلح لنقاشات المقاهي أكثر منها أشياء جدية ترتقي إلى مستوى البحث السياسي، لكن يبدو أن الهدوء النسبي الظاهر يخفي غليانا تحت قشرة ثبت أنها كانت رقيقة للغاية وغير متماسكة على السطح.
الآن أصبح ذلك شيئا أقرب للواقع مع موجة التغيير التي شهدتها عدة جمهوريات عربية في 2011، وتظهر مخاطر ذلك بوضوح من سوريا المقسمة فعليا الآن بين مناطق للنظام وأخرى للمعارضة، واليمن الذي يبحث عن حل سياسي للنزعة المناطقية في إطار فيدرالي، وتبدو بشكل واضح للغاية في ليبيا التي تخلصت من نظام القذافي ذي السمات الغريبة وغير المنطقية، وكان العالم يظن أنها مرشحة لتكون أسهل نماذج موجة «الربيع العربي» في ضوء قدرات الثروة النفطية فيها، وعدد السكان المحدود، وهو وضع كان يتيح تجاوز عثرات المرحلة الانتقالية بسرعة والدخول في عملية تنمية تزيل السابقة. ويقال في هذا الصدد إن ليبيا قد تكون الحالة العربية الأبرز في موجة التغييرات التي كان عامل الافتقاد الشديد إلى الحريات فيها هو السبب في الثورة على النظام، بينما لعبت في الدول العربية الأخرى العوامل الاقتصادية والمعيشية الدور الأكبر.
ويجب الاعتراف بأن الآمال التي راجت في أعقاب موجة التغييرات في تلك الدول العربية بولادة سهلة خلال مدة قصيرة لأنظمة تعددية حديثة أكثر انفتاحا، كان فيها الكثير الذي يعتمد على تصورات أكثر من حقائق على أرض الواقع، ويعكس ذلك مقال في «فاينانشيال تايمز» في أواخر يناير (كانون الثاني) بعنوان: «ألم يحن الوقت لاعتراف الغرب بسرينايكا؟»، وهو الاسم الروماني القديم لإقليم برقة الليبي الغني، فموجة التغيير بدلا من أن تفرز تعددية سياسية وأنظمة حديثة بدأت تحدث تغييرا نحو تعددية مناطقية، وإعادة رسم خريطة الحدود التي استقرت في بداية القرن الماضي مع انهيار الإمبراطورية العثمانية على يد المنتصرين في الحرب العالمية الأولى.
الحديث عن الاعتراف بالأمر الواقع وبدء علاقات اقتصادية مباشرة يتعلق بالمنطقة الشرقية في ليبيا التي تتمتع بشبه حكم ذاتي وسيطرة طرابلس عليها ضعيفة، ويمكنها تصدير نحو مليون ونصف المليون برميل نفط يوميا، ويجب ألا يكون لدى أحد أوهام بأنه لو ترسخ هذا الواقع الجديد فإن العالم الذي ينسج علاقاته على أساس المصالح سيتعامل معه.
هذا الواقع الذي لا توجد فيه سيطرة مركزية ينسحب على بقية المناطق الليبية، التي أصبحت الميليشيات المستقلة تحكمها وتدير مناطقها، وتسيطر في بعضها على موانئ النفط، ويعتقد أنها تصدره لحسابها.
وهو واقع ليست مسؤولة عنه السنوات الثلاث الماضية، ولكن بدرجة أكبر حكم القذافي الذي لم يترك مؤسسات دولة قوية وتعمد إضعاف الجيش ليكون كتائب بأسماء أبناء أو مناصرين.
لكن الأطراف الليبية وهي تحتفل بمرور ثلاث سنوات من الثورة تستطيع تغيير هذا الواقع الفوضوي إذا كان هناك إدراك إلى أن المستقبل سيكون أفضل إذا كانت هناك صيغة سياسية ترضي الجميع في نظام يجمع ولا يفرّق، وأنه لا توجد دولة تستطيع أن تتقدم نحو المستقبل في ظل حكم الميليشيات، التي هي في النهاية وصفة خراب وعنف، فالسلاح يجب أن يكون في يد الدولة وحدها، ومؤسسات الدولة يجب أن تعكس رغبة الشارع الليبي ومصالحه وليس مَن يرفع السلاح ويروّع الناس.
“الشرق الاوسط”
اقرأ أيضا
مسؤولة أوروبية: الاتحاد الأوروبي “بوسعه الاعتماد على المغرب في تعزيز علاقاتنا طويلة الأمد ومواجهة التحديات معا”
و.م.ع أكدت الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، كاجا كالاس، أن الاتحاد الأوروبي …
وفاة غامضة لطيارة شابة في الهند تثير جدلاً واسعاً
فتحت شرطة مومباي في الهند تحقيقاً معمقاً في وفاة غامضة لطيارة شابة تُدعى سريشتي تولي، …
بوريطة: المغرب يؤكد ضرورة المحافظة على وحدة سوريا وسيادتها
أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، اليوم الاثنين، أن المملكة …