إن قيام الحلف الأطلسي، تحت قرار مجلس الأمن رقم 1973، بإسقاط النظام في ليبيا بحجة حماية المدنيين أثار تساوﻻت كثيرة حول أبعاد هذا التدخل ودوافعه الحقيقية ومصداقية انحيازه للشعب الليبي، خاصة بعد أن تُركت ليبيا وبقصد إدخالها في فوضى عارمة منذ 2011 وحتى الآن، وغصت سجون المليشيات المسلحة الإسلامية والقبلية والمناطقية بآلاف المعتقلين، وبعد اغتيال مئات الضباط ونشطاء حقوق الإنسان، وبعد استخدام تلك المليشيات لكل أنواع الأسلحة، بما فيها المحرمة دوليا، لاجتياح مناطق مثلما حدث في بني وليد والعجيلات وورشفانة، ناهيك عن تدمير سرت وتهجير أكثر من 40 ألف مواطن من تاورغاء إلى جميع أصقاع ليبيا، هذا بالإضافة إلى اﻻقتتال الدائر، الآن، بين حلفاء الأمس وأعداء اليوم؛ مصراتة والزنتان.
إن مشروع إعادة بناء ليبيا وكل الأحلام الوردية تحولت إلى صراع على المال والسلطة، وأدى هذا التطاحن إلى تدمير البنية التحتية، وحرق مطار طرابلس، وتهجير 147 ألف مواطن إلى تونس، ومئات الآلاف من طرابلس إلى مناطق ليبية أخرى، كما أدى إلى تهديم آلاف المنازل وعشرات الضحايا، والأخطر من ذلك سيطرة “أنصار الشريعة” على درنة وبنغازي.
إن الأغرب من كل هذا، هو أنه، وفي ظل كل هذه الأعمال الوحشية، وتدفق كل أنواع الأسلحة والمرتزقة من قطر وتركيا والسودان إلى موانئ بنغازي ومصراتة، وإلى مطارات الكفرة ومعيتيقة ومصراتة، فإن المجتمع الدولي يقف مكتوف اليدين، ولم يصدر حتى إدانة واحدة لهذه النشاطات الإرهابية التي تدخل في إطار إرهاب الدولة، وهو يعرف أن هذه الأعمال، ستؤسس لظهور “دولة النيل وشمال أفريقيا” على غرار “دولة العراق والشام”، ويعلم أيضا أن أوروبا والولايات المتحدة الأميركية اللتين قامتا بإسقاط النظام، لن تكونا في مأمن من نتائج ما يجري في ليبيا اليوم، ويعرف أن هذا الصمت الدولي هو ضرب من ممارسة المكابرة اللا أخلاقية، وغض النظر عن كل الجرائم التي تقوم بها الميليشيات التي نمت وترعرعت تحت رعايتهما وفي كنفهما، إما مباشرة باحتضانهما لها قبل تغيير النظام، أو بالسماح للدول الراعية للإرهاب الإسلامي في المنطقة مثل تركيا وقطر والسودان بتمكين الإخوان المسلمين من تأسيس الدولة القاعدة في ليبيا، ذات الإمكانيات الاقتصادية الهائلة والأرض الشاسعة وعدد السكان المحدود.
والأغرب من ذلك أن ما تمارسه مليشيات مصراتة والقاعدة وأنصار الشريعة والجماعة الليبية المقاتلة لم يمارسه النظام السابق، ومع كل هذا التوحش تصمت كل المنظمات الدولية، بما فيها منظمات حقوق الإنسان وتخرس ألسنة أعضاء مجلس الأمن، ويختفي خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان الذي كان يملأ الإذاعات العربية والغربية في 2011.
هذا الوضع المأساوي في ليبيا، ربما يريح أوروبا والولايات المتحدة مؤقتا، لأنه يحقق مصالحهما، ويمكن في ظل هذا الوضع ومن خلال هذه الفوضى أن يتم الضغط على مصر، وتطويع الجزائر، والتحكم في مسار تونس السياسي، ولكن على المدى المتوسط والبعيد، فإن القبائل العربية في ليبيا ستتحول إلى حاضنات للمتطرفين على غرار البشتون وطالبان في أفغانستان، وستتبنى القبائل العربية تلك العناصر المتطرفة كزعامات اجتماعية، وتوفر لها الغطاء الاجتماعي والسياسي، وفي تلك اللحظة سيندم الغرب كما سيندم العرب في وقت قد لا ينفع فيه الندم.
*كاتب ليبي
“العرب”
اقرأ أيضا
بوريطة يتباحث مع مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان
أجرى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، اليوم الجمعة بالرباط، مباحثات مع مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك.
بيئة عمل أم سجن؟ شركة تمنع موظفيها من استخدام الهواتف والحمامات!
اشتكى موظف هندي من بيئة العمل السامة التي يعمل بها في شركته وشبّهها بظروف السجن، …
خبير لـ”مشاهد24″: قرار بنما يُشكل انهياراً دبلوماسياً عميقاً للدبلوماسية الجزائرية
التحقت بنما بركب الدول التي قررت تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية، وهو الخبر الذي نزل كالصاعقة على النظام العسكري الجزائري.