خلال السنوات الثلاث ونصف السنة الأخيرة، تمّت الإطاحة بخمسة رؤساء للدول العربية، وواجه رئيس آخر تحديا وجوديا: زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك ومحمد مرسي في مصر ومعمر القذافي في ليبيا وعلي عبدالله صالح في اليمن وأخيرا وليس آخرا، نوري المالكي في العراق. وحده بشار الأسد في سوريا لا يزال يعتلي شكليا السلطة، وهو يكافح للبقاء، ولكن هذا الكفاح قد جعل المنطقة بأسرها تمرّ بفترة طويلة من التشنجات العنيفة.
بيد أن الأسد لا يملك “شرف” تمثيل العامل الحاسم في الاضطرابات العامة في المنطقة. بل كان دوره الحافز الذي حوّل حالة معقدة إلى زوبعة من العنف. فسلسلة التشنجات التي هزّت المنطقة على مدى السنوات العديدة الماضية تنبع من مسببات منفردة وتحمل ميزات وديناميكيات خاصة لكل حالة على حدة، ولكنها تحمل كذلك ميزات مشتركة وأوجه تشابه مذهلة تكشف عن نفسها في إطار تحليل نقدي لمجمل هذه العاصفة.
الميزة المشتركة بين جميع هذه التشنجات تتمثّل في بروز الإسلاميين المتطرفين: الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، القاعدة والدولة الإسلامية في سوريا، القاعدة في مصر (في سيناء) وغيرها من الجماعات الإرهابية (من صنف الهواة) حديثة التكوين، المنظمات السلفية الجهادية العنيفة في تونس، القاعدة في اليمن، بالإضافة إلى جماعات أخرى حديثة، وفي ليبيا هناك تجمع لكل ما ورد أعلاه. ولكننا نقترف خطأ فادحا لو توقفنا هنا في تحليلنا للأسباب الجذرية التي ولدت التشنجات الحالية والتحولات التي عرفتها هذه الدول منذ اندلاع الربيع العربي.
يجب أن نعترف هنا بأن العديد منا عقد آمالا واسعة في بداية عملية التغيير التي استجدت بالمنطقة، وقد تأكّد سوء تقييمنا للوضع عندما شهدنا عودة هذه الدول نحو نوع جديد من الاستبداد. ولكن حتى الآخرين، أولئك الذين كانوا يشكون في نجاح الربيع العربي منذ بدايته، لم يشهدوا فعليا تحقق توقعاتهم. أولئك الذين فضلوا الشكوك منذ البداية دافعوا عن الرأي القائل بوجوب تجنب “أي تغيير” ومقاومة أي محاولة لبثّ “الفوضى” في الوضع الراهن. ويثير “رأي المتشككين” القلق، ليس فقط لأنه لا يقدم نقدا ذاتيا موضوعيا، ولكن لأن التدهور السريع للوضع الإقليمي الحالي قد يعزز وجهة نظرهم ويعطي انطباعا خاطئا بأنهم كانوا أكثر حكمة وأكثر حذرا طوال الوقت. وهو انطباع خاطئ.
لم يكن في إمكان أي قوة خارجية أن تتسبب في العاصفة الواسعة والعميقة التي هزت الشرق الأوسط في السنوات الثلاث ونصف السنة الأخيرة. لا توجد مثل هذه القوة -ما لم تساعدها معجزة سماوية على تحقيق ذلك- القادرة على أن تتسبب في حدوث كل هذا في آن واحد. وفي هذا الصدد، تضع أسوأ أشكال نظرية المؤامرة المسؤولية على عاتق الولايات المتحدة الأميركية أو جماعة الإخوان المسلمين. ولكن حتى إذا فرضنا صحّة هذه الافتراضات الغبية، ألم يحن الوقت أن نتساءل لماذا نشهد الآن فقط تسارع سقوط النظام الحالي في الشرق الأوسط؟ لماذا لم ينجح “المتآمرون” في تحقيق ذلك إلا الآن ؟ لم “تظهر” الولايات المتحدة الأميركية أو جماعة الإخوان المسلمين، أو أي “شرير” آخر، حديثا. وبالتالي، فهذه القوى لم تتسبب في العاصفة التي اجتاحت الشرق الأوسط، ومن المنطقي الاستنتاج أنها لم تكن كذلك قادرة على تجنب ما حدث أو عرقلته.
علينا أن نواجه حقيقة أنه، في معظم الحالات، انتهى الأمر في هذه الدول بالاستمرار في ما كان قائما من قبل، مع بعض التغييرات الطفيفة في المحتوى، أو في أسوأ الحالات، مع فوضى عارمة. وتتمثّل السمة المشتركة الأخرى بينها في بروز الإسلاميين، في جميع البلدان التي كانت مسرحا لهذه العاصفة الضخمة، كقوة رئيسية، بالرغم من أنهم لم يتسببوا، في أي من تجليات الربيع العربي، في هذه السلسلة المدهشة للأحداث.
سبب هذا الوضع الشاذ يكمن، في واقع الأمر، في النظم السياسية في جميع البلدان المتضررة التي لم تسمح بتكوين أي بديل سياسي أو معارضة، ومع ذلك، فإنّ هذه النظم الدكتاتورية لم تتمكّن من حظر/قمع الدين في حد ذاته. وكان الوجود اليومي للدين في الحياة اليومية للسكان هو نوع من اللجوء إلى شكل من أشكال “نظرية التغيير”. وأكد هذا العامل الديني نفسه عند تطوّر مجرى الأحداث، وتدهورت أوضاع الطبقة المتوسطة -التي قادت عمليات الاحتجاج في كل من هذه المجتمعات- باخفاقها في بناء بدائل قابلة للتطبيق. وتبين بذلك أنها غير قادرة على توفير بنية نظرية متماسكة لتجميع بقية السكان حول رؤية مشتركة إلى المستقبل يمكن لهم التطلع إليها.
حتى في المناطق السنية من العراق، حيث اتخذ الصراع بوضوح شكل حرب طائفية دينية، كان مضمون الثورة يكمن أساسا في الطبقة الوسطى التي حُرمت من أي فرصة للبقاء على قيد الحياة على الإطلاق بعد رحيل صدام حسين.
نحن مقتنعون بأن حلّ هذا الاضطراب يكمن في تنمية اقتصادية ضخمة وشاملة (على غرار شرق آسيا) في منطقة الشرق الأوسط، ولكن هذه التنمية يجب أن تقترن مع إدراك كلي لضرورة تحقيق إصلاح ثقافي -تبقى منطقة الشرق الأوسط في حاجة ماسة إليه- وكيفية تنفيذه.
أمّا المؤتمرات الهزلية التي تُعقد بانتظام بين الزعماء الدينيين من مختلف الأديان، وتُصنّف على أنها أحداث دولية رئيسية حول “الحوار بين الأديان”، فهي لا تُرضي إلّا المشتركين فيها. إذ لا تملك هذه المؤتمرات أي تأثير يُذكر على تطور الأحداث في أرض الواقع أو في تشكيل إدراك الناس العاديين لماهية هذه المنطقة المضطربة.
اقرأ أيضا
حموشي يشارك بالرياض في الأنشطة الأكاديمية لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية
يشارك عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، بصفته عضوا في المجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، في أشغال الدورة الخمسين للاجتماع السنوي للمجلس الأعلى للجامعة، وفي الحفل الرسمي لتخرج الدفعة 42 لطالبات وطلبة الدراسات العليا لهذه المؤسسة، والتي تحتضنها العاصمة السعودية الرياض خلال الفترة الممتدة ما بين 12 و14 نونبر 2024.
مقتل طفلة بريطانية على يد كلبها الأليف والشرطة تقرر إعدامه
لقيَت طفلة بريطانية مصرعها بطريقة مأساوية، بعد تعرضها لهجوم من كلبها الأليف في منزل عائلتها …
رقم قياسي جديد.. المغرب يستقبل 14.6 مليون سائح
بلغ عدد السياح المتوافدين على المغرب 14.6 مليون سائح حتى متم أكتوبر الماضي، متجاوزا في ظرف 10 أشهر فقط الرقم القياسي لسنة 2023 بأكملها.