رسائل الجيش المغربي

بعد موافقة حكومة واشنطن فى أواسط عام 2012م على تزويد سلاح الجو الملكي المغربي بصواريخ موجَّهة بالأشعة تحت الحمراء، لتكون المغرب بذلك رابع دولة تحصل على صواريخ أيم 9 إكس بلوك 2 قصيرة المدى لتعزيز مقاتلاتها F-16 بأشراف من شركة شركة رايثون المتخصصة في صناعة الأسلحة التي يقع مقر إدارتها في ولاية ماساتشوستس، وهي تعد أكبر شركة منتجة للصواريخ الموجهة في العالم. عادت مجددا المملكة المغربية للتعاون مع شركة رايثون الامريكية الرائدة في صناعة الصواريخ الحربية بعد أبرام صفقات تفيد بحصول المغرب على صواريخ جو-جو من طراز AIM-9X Block II، وصواريخ للتدريب من نوع KATM-9X، و معدات عسكرية متطورة تستخدم في الحروب الالكترونية، و رادارات لمواجهة التشويش المتعمد.
ولشركة رايثون الامريكية العديد من التعامالات والصفقات مع الدول العربية كان أخرها مع سلطنة عُمان التي تعاقدت معها على 55 صاروخًا من طراز AIM-9X-2 Sidewinder Block II، و6 وحدات توجيه تكتيكية خاصة بها . بجانب أن الشركة حازت مؤخرا على صفقات تزويد وإمداد كل من القوات الجوية الأمريكية وتزويد كلا من جيوش الكويت وسنغافورة و تركيا و هولندا بصواريخ مماثلة من نفس الطراز.
وبالتزامن لما يقوم به الجيش المغربي الآن من تطوير لمنظومته الدفاعية والهجومية و العديد من الاسلحة، بجانب الطفرة الملموسة التي تحدث لسلاحه الجوى من تأهيل الطيارين او من الحصول على مقاتلات جوية حديثة، عقدت المغرب صفقة لاقتناء قمرين صناعيين للغرض والاستخدام العسكري بقيمة تقدر بـ 500 مليون دولار مع كلا من شركتي تاليس وإيريبوس، وتمتلك تلك الأقمار أنظمة استكشاف متطورة والتقاط الصور من الجو بدقة شديدة جدا، بجانب القدرة العالية فى مراقبة تحركات القواعد العسكرية، ونوعية الأسلحة المتوفرة بها، وعدد الطائرات المرابطة داخل القواعد الجوية . بالتأكيد يأتي أبرام تلك الصفقات كتطوير لقدرات الجيش المغربي الهجومية والدفاعية وتزويده بأحدث المعدات، ولكن يأتي هذا أيضا فى ذلك التوقيت الحرج التي تمر به المنطقة، وما يحدث بها من تطورات كرسائل مباشرة وغير مباشرة ترسلها المملكة المغربية لأكثر من طرف ودعونا نستعرض تلك الرسائل.
أولا: ظهور أخطبوط تنظيم القاعدة فى منطقة الشرق الاوسط، و ظهور تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام المعروفة بأسم “داعش ” والتي أظهرت خريطتها مساحة دولتها التى تمتد من المغرب وغرب أفريقيا حتى بلاد فارس كما أدعى التنظيم، واكتمال المشهد بتأييد ” عبد المالك درودكال” زعيم تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامى لحليفه الاستراتيجي الجديد ” أبو بكر البغدادي” زعيم تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام، قبل أن يؤكد تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامى دعمه وتأييده لـ “أيمن الظواهري” بعد حالة من الانشقاق الداخلي، وهذا فى الوقت الذي أعلن فيه المتحدث السابق لجماعة أنصار الشريعة المحظورة بتونس “سيف الدين الرايس” تأييده لـ “أبو بكر البغدادي”.
فقد أصبح من المحتمل تكرار سيناريو داعش والعراق بين درودكال ودول المغرب العربي حتى ولو كان السيناريو بشكل مختلف، ففى كل الحالات بات المغرب العربي كله و ليس المملكة المغربية فقط فى مرمى الخطر أيضا، خاصة أن “عبد المالك درودكال” وجماعته ليس وحدهم الذين يمثلو تهديد على دول المغرب العربي، بل هناك العديد من الجماعات المتطرفة المسلحة على أعلى مستوى، ومدربة بشكل جيد على حرب العصابات التي تهدد تلك الدول، ومن أبرزها جماعة التوحيد والجهاد، وجماعة المرابطون وغيرها من الجماعات التكفيرية التى بين الحين والآخر تحاول اختراق حدود المغرب والجزائر، او الفرار الى ليبيا بمساعدة جماعة أنصار الشريعة.
ولا ننسى ما فعله هؤلاء الإرهابيون باعتدائهم على محطة إن إميناس الجزائرية و مقتل أربعون شخصا من العاملين بالمحطة منذ عام ونصف، ثم مقتل ما يقرب من 14 جندي تونسي بجبال الشعانبي بمنتصف يوليو من العام الحالي.
ولدى هؤلاء الإرهابيون قدرة عالية على اختراق حدود الدول كالأشباح، ولذلك كان المغرب فى حاجة ضرورية لامتلاك تلك الأقمار الصناعية، وهى بالفعل فى حاجة ماسة لها لأهداف عديدة تخص الأمن القومي المغربي، ومنها رصد تحركات هؤلاء الأشباح.
ثانيا: هي رسالة للجار الشمالي بأن المغرب لديه حلول عديدة للرد و أن المغرب يمتلك خيارات غير الخيار الدبلوماسي، فاذا كان تحرك غواصات المغرب بالقرب من السواحل الاسبانية أمر أزعج مدريد، فحصول المغرب على قمرين صناعيين بتلك القدرات المتطورة أمر أغضب وزارة الدفاع الإسبانية، وهو ما دفع أسبانيا إلى اقتناء قمر عسكري أخر للتجسس وضعت له اسم قمر السلام، وذلك لإقامة نوع من التوازن في استعمال تكنولوجيا الفضاء في المجال العسكري مع جارتها الجنوبية .
ثالثا: يأتي ذلك أيضا كمحاولة لفرد عضلات المغرب أمام جيرانها حتى ولو كانت تلك الرسائل تبعث بشكل غير مباشر فالمحيطين بالمغرب يفهمون مثل تلك الرسائل، و على حسب أخر تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أفاد أن واردات المغرب من الأسلحة قفزت بنسبة 22% ما بين عامي 2009م و 2013م لتحتل المغرب المركز الثاني على صعيد القارة السمراء بعد الجزائر التي تحتل المركز الأول في واردات الأسلحة.
فتلك كانت رسائل المغرب التي حملت إستراتيجية الضربات الاستباقية، وذلك كان الظرف الزمني الراهن و ما يحيط به من ملابسات، وهكذا تتطور الأحداث بجميع أرجاء المنطقة، حتى بات المشهد السياسي والاقتصادي و العسكري يتغير باستمرار وفى دقائق معدودة و ليس لفترات زمنية طويلة . نقلا عن بوابة إفريقيا الإخبارية .
*الكاتب والمحلل السياسي بمركز التيار الحر للدراسات الإستراتيجية والسياسية
  

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *