الرئيسية / إضاءات / استمرار “راخوي” زعيما للشعبي الإسباني محسوم بلا منازع ومشاكل معارضيه أصعب
إسبانيا

استمرار “راخوي” زعيما للشعبي الإسباني محسوم بلا منازع ومشاكل معارضيه أصعب

ينعقد  المؤتمر الثامن عشر للحزب الشعبي الذي يقود حكومة  أقلية في إسبانيا ، ابتداء من اليوم الجمعة إلى غاية الأحد، في ظروف، اقل ما يقال عنها أنها هادئة وسلمية، مقارنة بما هو حاصل  في الأحزاب الأخرى وخاصة  المنافسة للشعبي: الاشتراكي العمالي الذي يستعد لمؤتمره في مايو المقبل  وحركة “بوديموس”التي تتقاذفهارياح تيارين أساسيين يمثلهما أمين عام  الحزب  “بابلو أيغليسياس” ونائبه إنريكي إيريخون” فقد استعر الخلاف بينهما وصار يهدد وحدة التنظيم واستمراره بعد  مؤتمر نهاية الأسبوع الحالي؛ بالنظر إلى ما عرف عن “ايغليسياس” من نرجسيةوحب مفرط  للذات ورغبة في الزعامة المطلقة.

وعلى العكس من ذلك، لا يحتاج زعيم الحزبالشعبي، ماريانوراخوي، لجهد استثنائي لكسب المعركة من اجل تبوأ رئاسة الحزب لولاية جديدة (انتخب أول مرة عام 2004) فلا أحد يقف في طريقه أو ينافسه من قريب أو بعيد؛ بعد ان  نجح في التخلص بهدوء من الأصوات والأسماء المزعجة وخصوصا تلك التي لم تبرأ من مرض الحنين لعهد “خوصي ماريا أثنار” الذي اتسم بالتحكم المطلق في الحزب والحكومة وفرض الطاعة العمياء على المنتسبين.

ومما سهل الأمور على “راخوي” أن سلفه أعلن بمحض إرادته القطيعة مع قيادة الحزب الحالية، وإشهارخلافه معها، وتسليمه بالأمر الواقع بعد أن قلت الاتصالات الشخصية والحزبية بين الرئيس السابق والحالي.

ومن الواضح أن زعيم الحزب الشعبي،تعلم دروسا وعبرا من ممارسة الحكم، ومن السنوات العديدة التي قضاها في ظل “أثنار” مناضلا في التنظيم ذي الجذور اليمينية؛ أفادته كلها في تحقيق أهدافه دون أن يلقى مقاومةتذكر من تيار مهدد أو فصيل متنطع طاعن في قيادته، مثلما ساعده ذلك على بلوة نهجه المستقل في القيادة.

ورغم كثرة الانتقادات الصحيحة او المتحاملة التي وجهت للحزب الشعبي من وسائل الإعلام فإنها اتسمت بالاعتدال إلى حد ما حيال شخص،راخوي، بالنظر إلى النتائج المحققة وإلى أسلوبه غير المتعالي في التعامل ومزاجه البعيد عن المواجهات الحادة والتعنت، باستثناء ما يراه جوهريا مثل تشبثه بالحق في رئاسة الحكومة بعد انتخابات ديسمبر 2015، مغامرا بتكرار الانتخابات التشريعية، التي من حسن حظه أنها رفعت عدد مقاعده في يونيو 2016 وحسنت موقعه التفاوضي إزاء الغريمين: بوديموس والاشتراكي العمالي؛ما مكنه من تشكيل حكومة أقلية، بتأييد من حزب ثيودانوس أولا واقتناع الحزب الاشتراكي العمالي، بضرورة التغيب عن جلسة التصويت الثانية في مجلس النواب؛ مراعاة للمصلحة العليا للوطن والخوف من  الاستمرار في نفق أزمات حكومية لا تنتهي، بينما إسبانيا تواجه تحديات واستحقاقات في الداخل والخارج.

وفضلا عن الطباع الشخصية للزعيم “راخوي” وتفضيله المقاربة “البراغماتية” في التعامل مع القوى الحزبية الأخرى، فإن ما وفر له حظوظ النجاح وتوحيد الصفوف إقناع رفاقه بعدم جدوى الدخول في صراعات إيديولوجية يصعب الخروج منها بإجماع أو توافق تام وخاصة القضايا المجتمعية المرتبطة بالعادات والتقاليد المتوارثة، تاركا مهمة الحسم فيها للبرلمان المعبر عن سيادة الأمة،كونه الفضاء الطبيعي لنقاش ديموقراطي حر.

وبما إن راخوي، نجح في إبعاد القضايا الخلافية المرتبطة بالهوية والمعتقد الديني، عن طاولة المؤتمر العام، فإن الاتفاق بات سهلا على غيرها ولا سيما  تلك التي يستند الاحتكام فيها إلى معطيات موضوعية ونتائج ملموسة.

وفي هذا السياق لاحظت الصحافة الإسبانية أن التعديلات والمقترحات التي ساهمت بها قواعد الحزب خلال المؤتمرات التمهيدية ورفعت إلى لجنة الصياغة، جرى اختزالها أو دمجها في نسق أدبيات الحزب بعبارات توفيقية ملطفةللأجواء وانسيابية الجلسات، عملا بنصيحة الزعيم لأنصاره “اتفقوا فيما بينكم على الحلول الممكنة”.

هذا لا يعني ان الحزب لن يجدد ثيابه، فالتقارير الصحافية تتوقع تغييرات محسوبة في قيادة الحزب وكذا في الهيأة المقررة الموسعة؛ حيث يتجه راخوي نحو دعم وتوسيع تمثيلية الشباب والجهات الترابية في الأجهزة المقررة، حتى يعول عليها في الانتخابات المقبلة، على اعتبار أن التنافس الحزبي صار رباعيا، بعد أن استمر ثنائيا، قرابة اربعة عقود.

وسيتم الاستغناء في التشكيلة الجديدة عن أسماء، إما أنها فقدت جاذبيتها الحزبية أو أنها مورطة بشكل من الأشكال في ملفات الفساد المالي، فكل من تشتم فيه الرائحة، ابتعد أو ابعد عن الواجهة الحزبية، حيث يقود الزعيم التغيير دون جلبة سياسية، وهو المعروف بصمته وتكتمه على القرارات التي براها في مصلحة التنظيم.

ولا تعني الزعامة المحسومة قبلا لصالح “راخوي” أن الطريق سالكة أمامه من الحفر والمطبات. هو قطعا يدرك ما ينتظره ولذلك رتب التحديات التي تستحق الأسبقية من وجهةنظره وأهمها: محاولة ضمان اكمال الولاية الحكومية إلى ما بعد نصفها على الأقل،حتى يستوعب الرأي العام مسوغات إجراء انتخابات تشريعية. ثانيها إفشال التحدي الانفصالي في اقليم كاتالونيا وقهره بالوسائل الديموقراطية مع إبداء المرونة بخصوص مطالب الاقليم المشروعة وتفضيل لغة الحوار حتى النهاية.

أما ثالث التحديات وهو الأصعب فيتمثل في العمل مناجل استمرار روح التوافق على القضايا الوطنية الكبرى مع شريكيه غير المباشرين في الاستقرار الحكومي: الحزب الاشتراكي وثيودادانوس، رغم انشغالهما حاليا بحراكهماالداخلي.

وإذا كان حزب، ألبرت ريفيرا،غير مهدد في بنيانه التنظيمي ، فإن مستقبل الاشتراكيين على كف عفريت.. حزب كبير ذو تاريخ نضالي مجيد، لكنهافتقد في السنوات الأخيرة الزعامات ذات”الكاريزما” القادرة على تجميع القوى اليسارية وصهرها في بوتقة واحدة. بعبارة أخرى:الحزب الاشتراكي هو ضحية قوته. وتلك مفارقة.

إن استعادة الاشتراكيين لعافية تنظيمهم، مهمة بالنسبة للحزب الشعبي،فهي ستوقف جموح اليسار الشعبوي الجديد الممثل في “بوديموس” الذي له توجهات مغامرة بالنسبة للنظام القائم في إسبانيا.

يكمن المشكل في ان الحزب الاشتراكي،أصيب من جهته، بعدوى الفيروسات التي سوف تنهك جسم “بوديموس” ، ما سيفتح الأبواب أمام مشهد حزبي سياسي ومجتمعي مغاير في إسبانيا، لن يكون “راخوي ” ومنافسوه الحاليون، فاعلين فيه  وفي الصدارة….