تتسابق الأحزاب المغربية هذه الأيام في الإعلان عن أبرز مرشحيها في الدوائر الانتخابية المختلفة، في إشارة بارزة إلى دخولها غمار العملية الانتخابية فعليا وإن لم تدخلها رسميا. ترشيحات تطرح لدى الرأي العام المحلي من علامات الاستفهام أكثر مما تقدم من إجابات، لسبب بديهي يتعلق في الأسس التي تعتمدها مختلف الأحزاب في اختيار مرشحيها للانتخابات، والتي تفرز دائما وأبدا نفس الوجوه، بل وفي نفس الدوائر غالبا، بغض النظر عن أداء هؤلاء “القادة الحزبيين” في دوائرهم، أو “إنجازاتهم” خلال الولايات التشريعية المختلفة.
إن الأحزاب المختلفة، التي تصر على تخيير المواطنين بين نفس الوجوه، ثم تتساءل عن سبب عزوفهم عن المشاركة في الانتخابات، هي أحزاب لم تدرك بعد لا حقيقة ولا طبيعة الدور المنوط بها في “تأطير المواطنين وتحفيز مشاركتهم في الشأن العام”. كما أن سلوكها هذا، يؤكد بالملموس أنها تنظر للمواطنين نظرة “دونيةّ” أبعد ما تكون عن الندية والمشاركة، وفي أفضل الحالات، هم في نظرها “خزانات أصوات انتخابية” يجتهد نفس المرشحين مرة كل خمس سنوات، في استمالة أصواتهم بوسائل مشروعة وغير مشروعة، دون الحاجة لتجديد الخطاب أو وسيلة التواصل، أو محاولة الوصول إلى شرائح جديدة.
اقرأ أيضا: صراع التزكيات يندلع في مقرات الأحزاب المغربية مع اقتراب الانتخابات
وجاءت القوائم الوطنية للشباب والنساء رحمة للأحزاب، حيث جعلت اللوائح الانتخابية حكرا على “شيوخ العمل الحزبي وأباطرة الانتخابات” دون أن يضطروا “لتزويقها” ببعض الوجوه النسائية والشابة، الأمر الذي من شأنه تكريس السلوك الانتخابي المعتاد للمواطنين، ويجعل توقع حدوث انقلابات أو اختراقات كبيرة في النتائج أمرا مستبعدا.
إن الثقافة السياسية التي تجعل حزبا “ديموقراطيا” يرشح نفس الشخص على مدى نصف قرن! مع كامل الاحترام لجميع المرشحين، يضع علامة استفهام كبيرة على مجمل الثقافة الحزبية ومفهوم العمل السياسي عند هذا الحزب وغيره. كما أن إيمان الأحزاب بالديموقراطية، ودفاعها عن “بديهية” حصر الولايات العامة في اثنتين، لأي منصب رئاسي أو عام، دون أن تطبق ذلك على “زعماء” أحزابها أو نقاباتها لهو “عمى ديموقراطي” يصعب فهمه أو تبريره، ناهيك عن الدفاع عنه. لقد كان الأولى أن تدافع هذه الأحزاب عن ضرورة تضمين هذا التحديد في قانون الأحزاب والجمعيات والنقابات وباقي الهياكل والأطر التي تساهم بشكل أو بآخر في إدارة الشأن العام، ليطبق الأمر على جميع “القادة والزعماء الملهمين” أيا كانت مميزاتهم وقدراتهم.
للمزيد: عبد اللطيف وهبي يطالب بضرورة تحديد ولاية أمناء ورؤساء الأحزاب المغربية
أخيرا، فإن العقلية والثقافة التي تؤبد مثل هؤلاء المرشحين، لن تحتاج للاهتمام بأمور “تافهة” من قبيل “البرامج الانتخابية والخطط العملية”، ويكفي إحضار أي طالب جامعي في الاقتصاد، يسانده طالب آخر في اللغة العربية، من أجل تدبيج شعارات فارغة من المعنى والتأثير، يطلقون عليها “بلا حيا بلا حشمة” مصطلح “برامج انتخابية”، إدراكا منهم بأن الرأي العام، وتحديدا القطاع الذي يمكن اجتذابه لصناديق الاقتراع، لا يهتم كثيرا بهذه الأمور “الشكلية”، أما المقاطعون فهم لا يصدقونها أصلا ولا يتعاملون معها بجدية، وبسبب القادة الدائمين للعمل الحزبي والنيابي، فقد توقفوا منذ زمن بعيد عن الذهاب إلى الصندوق وإلقاء ورقة فيه.
أما ما يثير الأسف والأسى، فهو كون المغرب يكاد يكون البلد الوحيد عربيا، الذي ينظم انتخابات لا يطعن في نزاهتها الرابحون ولا الخاسرون، انتخابات محاطة بجميع معايير الشفافية والرقابة، دون أن ينجح مع ذلك، في ترشيد الأداء الحزبي وترقيته إلى الحد الذي يستطيع إقناع المواطنين بجدية برامجه وحلوله لمشاكله المختلفة، بما يدفعهم للمشاركة في الانتخابات واختيار من يشرع ويدير حياتهم العامة.
مشهد مؤلم، من المفارقة أنه ينطبق على مختلف الأحزاب، حتى على عشرات الأحزاب الصغرى والحديثة منها، التي لا تعدو كونها واجهة لأحد “الوجهاء” الذين اختلفوا مع أحزابهم، وقاموا بتشكيل أحزاب من أجل عودة “الزعيم” إلى مقعده البرلماني الوثير. هذا، على الرغم من أن العالم يشهد عصر ثورة الأحزاب الصغيرة الشبابية على التقليدية الضخمة في أكثر من مكان، وهو الأمر الذي يشكك كثيرون في إمكانية تكراره في بلادنا العربية، وتلك قصة أخرى.