المعمار الجزائري

1. المقدمة :
عند التحدث على الهندسة المعمارية في الجزائر لابد من التطرق إلى العديد من المواضيع والمفاهيم ،التي تبسط لنا الفهم وإستعاب المراحل المختلفة التي مرت بها منذ كانت تتمتع بكل السلطة والحرية قبل الإحتلال الفرنسي ،ثم الفترة الإستعمارية وما فيها من التحولات و التغيرات التي مست الهندسة المعمارية في أوربا وبالأخص في فرنسا ،ثم فترة الجزائر المستقلة وما فيها من مراحل مختلفة من التطورات والتغيرات التي مست هذا المجال في قوانينه والسياسات المتبعة، والأسس التي كانت تطبق فيه وغيرها من الأمور التي سنتطرق إليها بالتفصيل في هذا البحث ،ولكن قبل أن نبدأ يجب أن نضع بعض النقاط على الحروف من تعاريف ومفاهيم أساسية لكي نفهم أهداف هذا البحث والمجالات التي سنتحدث عنها ونفصل في جميع أجزائها ،وبادئ ببدء سنتحدث على بعض التعاريف عن الهندسة المعمارية : فهي كما عرفها العديد”فن البناء” وهذه المجموعة ترى أن الهندسة المعمارية عبارة عن فن من الفنون تعتمد على الجمالية والطابع الجمالي للبناء هو أهم عنصر من العناصر التي يجب الإهتمام بها ، والبعض يعرفها على أنها مجموعة من القواعد والأسس أو يمكن تسميتها قياسات يجب إحترامها والعمل على تحقيق هذه القياسات وجعل الوظيفة هي الأساس الأول في أي بناء ، ومجموعة أخرى تقول أن الهندسة المعمارية عبارة عن تكامل وتجانس لمجموعة من الحجوم والأشكال التي تتناسق فيما بينها لتوفر لنا مكان صالح للمعيشة. وبإختصار فإن الهندسة المعمارية تعد من أقدم العلوم على سطح الأرض تجمع بين العلم والفن ،بين العمليات الحسابية المعقدة وبين أرقى المشاعر والأحاسيس البشرية ،بين الأسس والقواعد والقياسات وبين الفلسفة والفكر والجمالية . إن هذه نظرة عامة عن الهندسة المعمارية ومن الصعوبة بمكان أن تحدد مفهوم معين لها ،ناهيك عنها في بلد كالجزائر مع إتساع لرقعتها الجغرافية وتعدد لأعراقها ونفسيات أهلها وسكانها ،وتعرضها المستمر للإحتلال والتداول المستمر عليها من حضارات مختلفة لكل منها مبادئها وقواعدها وأطرها التي تعتمد عليها ، وبإجتماع كل هذه العوامل تم التوصل إلى هندسة معمارية أذهلت حتى العلماء المتخصصون وقالوا عنها أنها الأفضل والأعدل من بين الهندسات المعمارية الأخرى نقصد هندسة بني مزاب.

2. الهندسة المعمارية في الجزائرنظرة عامة :

2.1. الفترة قبل الإحتلال الفرنسي : تميزت هذه الفترة بالعديد من المميزات التي اشتهرت بها الهندسة المعمارية العربية بصفة عامة والجزائرية صفة خاصة ، ونبدأ بتحدث أولا على المظهر العام للمدينة الجزائرية أو العربية في هذه الفترة تميزت المدن العربية كونها تعتمد على المركزية في بنائها فمركز المدينة يعتبر القطب الذي يجمع جميع أهل المدينة ويمتاز هذا القطب بكونه المركز الحضاري والاجتماعي والسياسي والتجاري والديني بالدرجة الأولى ،فهذا المركز كان يجمع جميع النشاطات المهمة في المدينة منها السوق والحمام والفندق والمسجد هذا الأخير لذي كان يلعب دورا أساسيا في الحياة اليومية لدى الفرد، حيث فيه يتم التجمع كل يوم خمسة مرات ،وفيه تكون جميع القرارات المهمة التي تهم الفرد والمجتمع وهو مركز لنشر العلم والمعرفة حيث تجتمع فيه العديد من العلماء ونخبة المجتمع لتدريس العلوم الدينية وغيرها من العلوم من جبر وهندسة وحتى هندسة معمارية ، إذا فموقع المسجد في مركز المدينة لم يكن خبط عشواء بل كان ناتج عن دراسة وعن تمحص في الإحتياجات الفردية لأفراد المجتمع وهذا ما تصبوا إليه الهندسة المعمارية في كل وقت ،توفير الرفاهية والإحتياجات الضرورية لسكان . هذا فيما يخص المسجد أما المعلم الثاني الذي إشتهرت به المدينة القديمة في العصور الوسطي هو السوق : هذا المعلم الذي يجتمع فيه جميع المسلمين من أجل اقتناء إحتياجاتهم المادية ، وهو مركز للنشاطات الإقتصادية والتجارية في المدينة ،وفي أغلب الأحيان يكون موقعه بقرب المسجد أي في مركز المدينة وذلك لتسهيل الاتصال به .أما المعلم الثالث الذي كانت المدينة القديمة تتميز به هو الحمام هذا الصرح الذي إمتازت به المدينة كمركز للإجتماع من أجل التطهر والغسل ،ويعتبر المسلمون من أوائل الناس الذين أبدعوا هذا النوع من البنايات بتقنيات رائعة في ذلك العصر من محافظة على حرارة عالية في الداخل وتدرج هذه الحرارة من غرفة إلى أخرى وإستعمال مواد خاصة للمحافظة على الجدران مع إستعمال زخارف في غاية الروعة والجمال من الداخل والخارج لإعطاء المكان رونق وجمال لم يسبق له مثيل في الحضارات التي سبقت . هذا فيما يخص الحمام وهناك العديد من المعالم الأخرى ،ويمكن ذكر القصر الملكي للسلطان أو الملك أو حتي الباي في الفترة العثمانية ،تميزت هذه القصور بكونها مركز الحكم والسلطة مما جلها تحضي بالحظ الأكبر من الإهتمام والعناية من طرف الملوك والسلاطين والبايات فسخروا لها أحسن المهندسين المعماريين وأفضل المواد من مرمر وخزف وأفضل أنواع الخشب كما إمتازت بالإتساع وتوفير الحماية والجمالية ، ولقد أبدع المهندسون في القصور فجعلوا يبتكرون الطرق الجديدة في الإضاءة والتهوية كما أدخلوا نظما وقواعد لإدخال الطاقة والإحتفاظ بها داخل المبني أتمد عليها فيما بعد في القواعد الحديثة . ولا يمكننا التطرق إلى المدن القديمة وهندستها المعمارية دون التحدث على المباني العادية وما كانت تمتاز به من أمور قد لا نستطيع حصرها والتحدث عليها بإسهاب في بحثنا هذا ولكن سنحاول التطرق إليها بصورة عامة.إن أهم شيء كان يهتم به في المدن القديمة الجزائرية والعربية بصورة عامة والذي حضي بإهتمام المهندسين هي الحرمة intimité هذا العنصر الذي كان الشغل الشاغل حيث أن تموضع المباني وإرتفاع النوافذ ووجود جدار عازل مباشرة بعد فتح الباب ، وضيق الطرق وتعرجاتها كل هذه الأشياء كانت من أجل الحرمة الداخلية لكل منزل وبيت كما أنه كانت ما تسمي héhérachisation أو تنظيم حسب منطق ومنهج معين فمثلا الطرق تبدأ على أنها متسعة ثم تبدأ في الضيق حتي تصبح لا تمرر إلى شخصين على الأكثر .
إن هذه القواعد الأساسية التي بنيت عليها الهندسة المعمارية العربية بصفة عامة والجزائرية بصفة خاصة جعلتها من أهم الهندسيات التي شهدتها البشرية ، حيث أن العديد من الحضارات الأخرى حاولت تقليد جل هذه الأسس على بلدانها ومدنها وما لم نذكره هو أن هذه المدن كانت محاطة بصور هذا الأخير الذي يعمل عمل الحارس الأمين للبلدة فهو محيط بها من كل جانب كما يتميز بالعلو ، ووجود أبواب عديدة للمدينة تفتح على أهم الطرق التجارية وهذه الميزة جعلت المدن الجزائرية محمية من الإعتداءات الخارجية لمدة طويلة من الفتح الإسلامي إلى غاية الإحتلال الفرنسي .
ومهما تكلمنا على الهندسة المعمارية في هذه الفترة فإننا لن نوفيها قدرها فهي تمتاز بالعديد من الميزات وكل منها يحتاج إلى شرح مفصل وحده ويمكننا إختصارها فيما يلي ونبدأ من الداخل الى الخارج :
وجود الفناء الذي يتوسط البيت .
إرتفاع النوافذ وضيقها .
وجود الزينة وإستعمال الزخارف والأشكال الهندسية .
يعتبر المعين والقوس من أهم العناصر المكونة للهندسة المعمارية العربية .
توفر الحرمة، كعامل أساسي في جميع المنازل وحتى في المنزل نفسه.
ضيق الطرق وكثرة تعرجاتها.
وجود المركزية في المدينة وحتي في المنزل.
وجود الفندق خارج المدينة حفاظا على الحرمة دائما .
تشابه المنازل من حيث الشكل الخارجي وهذا ما يعكس تقريبا الوحدة الطبقية في المجتمع وعدم إظهار الطبقية.وهذا ما أدهش الغرب

هذا لا يمنع من وجود العديد من السلبيات في المدن والهندسة المعمارية العربية الإسلامية والتي ممن بينها
عدم توفر كمية كافية من الهواء في الغرف.
إنعدام النظافــــة وخاصة قنوات الصرف الصحي بالتحديد .
نقص شديد في الإنارة الطبيعية على مستوى كل منزل .
عدم توفر الطاقة الشمسية

l’énsolaiment على مستوى الغرف والشقق.
ويبين المخطط التالي نموذج عن الهندسة المعمارية والمتمثل في مسجد والتسميات المختلفة لمكل مكان

2.2 فترة الإحتلال الفرنسي:

إمتازت هذه الفترة بظهور العديد من الميزات والتغيرات التي مست الهندسة المعمارية في الجزائر ومن كل الجوانب ، بل يمكننا القول بأنها غيرتها من الجذور فلقد حاول المستدمر الفرنسي ومعمريه أولا السكن والإستقرار في البيوت الجزائرية وقام بطرد جل السكان إلى خارج المدينة القديمة وبهذا ظهرت منازل ونوع جديد من أشكال الهندسة متمثل في بيوت لا يوجد بها أبواب ولا نوافذ وتتميز شوارعها كونها بشكل منتظم يسمح بمراقبة السكان ومراقبتهم ولكن بعد مرور فترة لم يستطيع المعمرين السكن في المنازل الجزائرية ،وذلك لاختلاف العادات والتقاليد وحتى الإعتقاد ،ولقد برروا ذلك كون المنازل الجزائرية تفتقر إلى النظافة والشروط الصحية اللازمة لعيش البشر كما قالوا ، فبدؤا بالتخطيط إلى إحداث ثورة في الهندسة المعمارية الجزائرية إذا صح التعبير ، ولكن مجموع هذه التغيرات كانت مرتكزة على أساس واحد هو الأمن و الإحتياجات العسكرية ولذلك قاموا في البداية بمسح العديد من المساحات والمسطحات سميت فيما بعد بــplaced’arme هذه الأخيرة التي أعتمد عليها بشكل كبير في توفير الحماية للمعمرين القاطنين في المدينة الحديثة التي شيدت فيما بعد ولقد أعتمد في إنشاء هذه المدينة الكبير على العديد من الأسس يمكننا تلخيصها في المخطط التالي :
إنتقال من الشكل الغير منتظم الى الشكل المنتظم والتحول الى الفضاء النظيف والراقي والمنتظم على شكل شبكة تتكون من طرق أفقية تقاطعها طرق عمودية ولقد كان على شكل غير منتظم عشوائي .
ثم بدأ تتشكل معالم الهندسة المعمارية للمستعمر تتضح ويمكننا توضيح ذلك في العناصر التالية مدعمة بالصور :
توسيع شبكة الطرقات وتحويلها إلى العنصر الأساسي في تخطيط المدينة خاصة بعد ظهور السيارات والمراكب التي تستعمل محرك.
إستعمال المساحات الخضراء وتوزيعها على جميع المناطق.

إستخدام المساحات الواسعة

lescours لتعديل السير أو تنظيم المدينة .
حدثت تغيرات كبيرة على مستوى الواجهات فقد أصبحت تستعمل النرفذ الواسعة والشرفات المفتوحة وذلك لضرورة صحية .
تزويد المدينة بالعديد من المناطق التي أصبحت فيما بعد Point de Repaire
إستعمال ما يسمي بــ
traitement d’angles و مرافق مركزية بها تحدد الوجهات حولت جل المساجد الى كنائس وذلك لتغيير الهوية الوطنية كما زعموا.
رغم كونهم الأقوى وهم من سيطروا على البلاد لمدة طويلة الى أن هذا لم يمنع من أنهم تأثروا بالهندسة المعمارية الجزائرية فمثلا إستعملوا المنارات والأقواس والقبب .

مهما تحدثنا عن هذه الفترة فلن نستطيع أن نلم بجميع جوانبها وسنجعل الصور هي التي تعبر عن نفسها :

2.3 .فترة الإستقلال : بعد خروج المستدمر الفرنسي من الجزائر ظهرت للوجود العديد من العوامل التي ساعدت على ظهور أشكال جديدة من الهندسة المعمارية متأثرة بما قبلها من مبادئ و أسس، و يمكننا تقسيم هذه الفترة إلى العديد من المراحل
المرحلة الأولى : و ظهرت مباشرة بعد خروج المستدمر و ظن المسؤولون  و صناع القرار في هذه الفترة أن ما تركه المستدمر من سكنات و أحياء يكفي للسكان الموجودون الذي كان عددهم في تلك الفترة حوالي 10 ملايين شخص كما لوحظ في تلك الفترة الهجرة الكثيفة من المناطق الريفية إلى المناطق الحضارية.
كما لوحظ في هذه الفترة تغيير كبير فيما تركه المستدمر من مساكن و بنايات ناهيك عن المصانع و المنشآت فلقد حولت العديد منها عن وظيفتها الأولى إما لغياب الخبرات اللازمة أو لاستعمال مبدأ الأولية .فمثلا حولت العديد من المصانع و المخازن إلى منشآت سكنية كما شوهت العديد من الأحياء بالزيادة أو التنقيص منها و يمكننا هنا طرح التالي: فهذه التغييرات لم تكن بدايتها بعد الإستقلال مباشرة بل بعد اندلاع الثورة فاقد قام المعمرون بإجراء العديد من التغييرات على مساكنهم و أحيائهم و ذلك لأغراض أغلبها أمني فلو ضربنا مثلا في طريقة إنشاء الطرقات أو وضعية المراكز التفتيشية أو حتى في أقل التفاصيل كالصور المحيط بأي منزل فمذ كان ارتفاعه 1.20 م أصبع ارتفاعه 1.70م إلى 1.90 م .
وتم تحويل جل الكنائس الى مساجد ، ومدارس لتخفيض القرآن الكريم . إن هذه التغييرات ناجمة عن تغيير الحاجات الفردية و تغيير الثقافات و العادات و التقاليد
المرحلة الثانية: بعد زيادة عدد السكان و تحول سياسات الدولة و  الأنظمة المتبعة في هذا المجال لذا خلقت العديد من المشاكل و واجه المخططون العديد من الصعوبات لتخطي هذه المحنة و وجدت حلول نذكر منها القرية الإشتراكية للتخفيف الضغط عن المدن وبدأت تظهر الملامح الأولى للهندسة المعمارية الجزائرية الحديثة ،وبدأ يظهر أيضا العديد من البنايات الموجودة في المدن كبعض الفنادق والمستشفيات وغيرها .
المرحلة الثالثة :تميزت هذه المرحلة بالتقليد الكلي لما يوجد عند الغرب أو بالأحرى فرنسا من قوانيين وطرق البناء والإنشاء .فمثلا مازلنا نعمل على ما يوجد في مخططات الإنشاء والتعمير ومخططات شغل الأراضي، ورخص البناء وغيرها .كما أن الهندسة ضلت تعتمد على الطرق التقليدية في البناء من إستعمال الإسمنت المسلح وطريقة poteau- poutre والبناءات التقليدية التي لا يزيد إرتفاعها عن 40 متر .
المرحلة الأخيرة
وهي ما يصبوا إليه المخططون من الإلتحاق بالركب والاعتماد على الهندسة المعمارية الحديثة من إستعمال لمواد بناء عالية الجودة خفيفة الوزن من بينها الحديد والزجاج واللذان هما الركيزتين الأساسيتين للهندسة المعمارية العالمية الحديثة.وظهرت العديد من البنايات والتي تحمل هذا الطابع والتي من بينها وزارة المالية في الجزائر العاصمة والمسبح الأولمبي العالمي الموجود في عنابة والذي هو قيد الإنجاز الآن .

اقرأ أيضا

كيف قاد بلاغ عن مفقود إلى الإيقاع بقاتل رئيس شركة هيلث كير الأمريكية؟

أدى بلاغ عن شخص مفقود ويقظة أحد أفراد شرطة مدينة سان فرانسيسكو إلى اعتقال لويس …

حدث في 2024.. الإحصاء العام للسكان عملية وطنية بتقنيات جديدة تعكس تحولات المجتمع المغربي

تطوى صفحة سنة 2024 بعد أيام. سنة تميزت على الصعيد الوطني بأحداث عديدة من أبرزها الإحصاء العام للسكان والسكنى السابع بالمملكة.

أنابيب الغاز

الأزمة بين نيجيريا والنيجر تعصف بأحلام عسكر الجزائر بشأن أنبوب الغاز

تصاعد التوتر في علاقات النيجر بجارتها نيجيريا، وظهر أكثر جلاء، حين استدعى وزير خارجية النيجر باكاري سنغاري، الأربعاء الماضي، القائمة بأعمال سفارة نيجيريا في نيامي، للاحتجاج على ما وصفته النيجر بأعمال زعزعة استقرار، مصدرها نيجيريا.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *