خصصت صحيفة “نيويورك بوست”، وهي من بين الجرائد المقروءة في المدينة الأمريكية العملاقة، مقالا لسياسية المغرب في محاربة التطرف الديني.
المقال، الذي حمل توقيع بيني أفني، مزج بين الحديث عن الفن السابع والسياسة من خلال استحضار أحد أبرز الأعمال السينمائية التي طبعت تاريخ هوليود، ويتعلق الأمر بالفيلم التحفة “كازبلانكا”.
“إنه فيلم رائع، لكنه يتجاهل تماما دور المغرب في الحرب العالمية الثانية”، يقول سيرج بيرديغو، وزير السياحة المغربي السابق الذي “ينظر له كرئيس الطائفة اليهودية بالبلاد”.
وتقول الصحيفة أن والد بيرديغو كان يطلعه بخصوص ما كان يقوم به ملك المغرب (محمد الخامس) لحماية اليهود من النازية ونظام فيشي المتعاون معهم. “هذه القصة تبدو وكأنها مقتبسة من كازبلانكا”، تضيف الجريدة الأمريكية.
ويرى كاتب المقال أن “بعضا من دروس “كازبلانكا” ما تزال حاضرة معنا اليوم”، حيث أن يتحدث الفيلم عن الخطر النازي في سنوات الأربعينات من القرن الماضي، واضعا نصب أعينه مهمة حث الولايات المتحدة على التحرك من أجل ردع تهديد النازية الذي أرخى بظلاله آنذاك على أوروبا.
“أجزم بأنهم نائمون في نيويورك الآن. أجزم بأنهم نائمون على طول أمريكا”، هي إحدى العبارات التي قالها ريك بلاين، الشخصية الرئيسية في الفيلم، والتي يؤديها النجم الكبير هامفري بوغارت.
اليوم، وبينما يشهد العالم معركة كبرى ضد التطرف، يدعو كاتب المقال بيني أفني إلى عدم تجاهل دور بلد نجح لحد الساعة، بصورة متفردة، في صد التطرف الديني الذي يهيج من حوله.
نجاح المغرب في مواجهة التطرف لم يمنع من أن تطاله أيادي “داعش” و”القاعدة“، فبعد وقوع الهجمات الإرهابية الكبيرة عام 2003 كانت هناك هجمات أخرى.
“ومنذ 2013″، يضيف المقال، “تشير الأرقام الرسمية إلى التحاق 1476 مغربي بالتنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق. الأسوأ من ذلك، عاد 168 منهم إلى المغرب، في وقت دعت فيه “داعش” أنصارها المغاربة لمهاجمة أهداف تابعة للدولة”.
وينقل المقال عن المحلل إلياس العمراني تأكيده أنه يتم تشديد المراقبة على العائدين من سوريا، ووضع قيود على سفرهم مجددا ومراقبة ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
كل هذه الإجراءات لا تبدو كافية، لذلك عمل الملك محمد السادس على تشجيع إشراك الإسلاميين في العمل السياسي، وهو ما يجعل أن رئيس الحكومة الحالية، عبد الإله ابن كيران، محسوب على التيار الإسلامي المعتدل.
ويضيف صاحب المقال أن المغرب يتوفر على “سلاح سري آخر”، وهو المتعلق ببرنامج تكوين 100 ألف إمام سيتوزعون على مساجد المملكة البالغ عددهم 50 ألفا، حيث يعمل هؤلاء الأئمة على مواجهة أفكار “داعش” عبر نشر مبادئ المذهب المالكي الوسطي والمنتشر في غالبية التراب المغربي.
هذا البرنامج، يقول بيني أفني، يعتبر ناجحا للغاية لدرجة أنه أصبح يجذب خبراء أجانب، حتى من دول بعيدة مثل نيجيريا وفنلندا، يأتون ليتعلموا كيف يحاربون ما يقول إنه “إسلام مزيف” من خلال مبادئ “الإسلام الحقيقي”.
“الجريمة يمكن مواجهتها عبر المنظومة القانونية، لكن الفكر لا يمكن مواجهته سوى بالفكر”، يقول عبد اللطيف البكدوري الأشقري، مدير ديوان وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية.
فكرة قارنها الكاتب بمشهد شهير في فيلم “كازبلانكا”، حين قام المناضل التشيكي فيكتور لازلو بترديد نشيد فرنسا الوطني “لامارساييز” من أجل مواجهة قادة الجيش النازي.
إقرأ المزيد: سفيرة واشنطن في الامم المتحدة تشيد بجهود المغرب في مكافحة التطرف
دروس الفيلم الأمريكي لا تمنعنا من أن نستلهم درسا آخر من ما أسماه “كازبلانكا” الحقيقية، ويعني بها المغرب، الذي نجح في منع وصول التطرف إلى أراضيه طيلة أكثر من 12 قرنا.
“وفي حين أنه ليس من واجبنا نحن أن نقول ما هو الإسلام الحقيقي”، يؤكد كاتب المقال قبل أن يضيف، ” ينبغي علينا على الأقل دعم من يدعون لأن لا يستغل اسم الله لقتلنا أو قتل أي شخص آخر”.