خلال أسبوع واحد حصل حادثان بارزان يظهران مدى التهديد الإرهابي المحاط بالمغرب، الحادث الأول يتمثل في اعتقال خلية متطرفة كانت توجد على تنسيق مع حركة داعش في العراق وسوريا، تطلق على نفسها تسمية “ولاية الدولة الإسلامية في المغرب الأقصى: أحفاد يوسف بن تاشفين”، وتضم ثلاثة عشر شخصا بحوزتهم مجموعة من الأسلحة التي كانت تنوي بها تنفيذ عمليات تخريب في المغرب، أما الحادث الثاني فهو إعلان المفتش العام للقوات المسلحة الملكية رفع حالة التأهب وسط صفوف الجيش وإلغاء جميع عطل العسكريين وإعطاء تعليمات لمختلف الجنود المتواجدين في مهام أو في عطل رسمية الالتحاق بثكناتهم.
ليس الحادثان منفصلين، ففي المغرب هناك شعور بأن البلد لم يعد في منأى عن المخططات الإرهابية التي باتت تحدق بالمنطقة المغاربية، في ظل تصاعد مؤشرات عدم الاستقرار بسبب تردي الأوضاع الأمنية في ليبيا، وتفاقم أعمال العنف في تونس، حيث أظهرت العملية الأخيرة التي استهدفت المتحف الوطني بباردو أنها تندرج في سياق منهجي يرمي إلى التأثير على مسار العملية الديمقراطية هناك، وقد دل تبني تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” للعملية على رغبته فتح جبهة جديدة في قلب منطقة المغرب العربي، وإطلاق دعاية إعلامية واسعة بهدف التهويل من حجم اختراقه لهذا البلد الصغير، الذي انطلقت منه الشرارة الأولى لما سمي بالربيع العربي قبل أربعة أعوام.
وضع المغرب على رأس جدول أعمال حركة داعش ليس جديدا، بل هو يندرج ضمن الرؤية العامة لمفهوم “الخلافة” لدى الحركة منذ انطلاقتها الأولى، حتى قبل أن تعلن عن إنشاء الدولة الإسلامية في شهر يونيو من السنة الماضية. في كتاب “تحفة الموحدين في طريق التمكين” لأبي بكر ناجي، أحد منظري التنظيم، الذي يرسم الأهداف المستقبلية لمشروع التوسع الجهادي، يأتي المغرب ضمن كوكبة البلدان العربية المستهدفة في المخطط المرسوم كواحد من الأعمدة الرئيسية التي يتعين هدمها عن طريق بسط مفهوم الخلافة على كامل الأرض العربية وفقا للخارطة الرسمية التي تم الكشف عنها قبل عامين، والتي تحدد خطوات التحرك بالنسبة لتنظيم داعش.
يعود استهداف المغرب إلى مجموعة أسباب: أولا هناك النظام السياسي المتجذر في البلاد تاريخيا، فالمؤسسة الملكية ليست مؤسسة مدنية، بل هي أيضا مؤسسة دينية تمد أصول شرعيتها إلى الماضي التاريخي للبلاد، باعتبارها مؤسسة لإمارة المؤمنين. وقد طبعت هذه الخصوصية هويّة الحركة الإسلامية نفسها، بحيث يتسم منهجها السياسي بنوع من الاعتدال بسبب التداخل بين الديني والسياسي في النظام الحاكم، وارتباط أي منازعة سياسية لهذا الأخير بالمنـازعة الدينية، الأمـر الـذي جعل الجماعات الإسلامية في المغرب أقرب إلى النزعة الإصلاحية منها إلى النزعة الانقلابية، أي المطالبة بالإصلاح السياسي والاجتماعي دون المساس بالصفة الدينية للملك، وهو ما يطلق عليه في المغرب اصطلاح “الإصلاح من الداخل”، الأمر الذي حال دون انزلاق هذه الجماعات مع موجة الربيع العربي، وضمن للملك دورا فعالا في تجنب الاضطرابات من خلال طرح مبادرة للإصلاح السياسي، موظفا صفته الدينية كأمير للمؤمنين.
السبب الثاني، المرتبط بالسبب أعلاه، يتعلق بالنموذج الديني الذي يقوم المغرب بتنزيله في الداخل والتسويق له على الصعيد الخارجي. في السنة الماضية شرع المغرب في أول دفعة لتأطير أئمة ومرشدين دينيين من دولة أخرى، هي مالي، البلد الذي يواجه خلايا متطرفة مسلحة في الشمال، وهي مبادرة تتوج اتفاقية بين البلدين تم توقيعها على إثر الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى هذا البلد في العام الماضي، أكد خلالها عزم المغرب على تقديم المساعدة التي تحتاجها الحكومة المالية في ما يخص تكوين وتدريب أئمة المساجد ومرشديها، بهدف عقلنة المجال الديني وضبطه في مواجهة أي شذوذ أو نشوز.
أظهرت تلك الخطوة تميز النموذج الذي اختاره المغرب في مشروع إصلاح المؤسسات الدينية، منذ عام 2004، عاما واحدا بعد تفجيرات الدار البيضاء الدموية. وبفضل حسن الترويج لذلك النموذج، حذت دول أفريقية أخرى حذو مالي في التماس الاستفادة من التجربة المغربية، مثل غينيا وليبيا وتونس.
وأن تكون تونس، البلد الذي انطلقت منه شرارة الربيع العربي ووصل فيه الإسلاميون إلى السلطة ممثلين في حركة النهضة، منْ تسعى إلى اقتباس التجربة المغربية أمر لا بد أن يضع هذه الأخيرة تحت دائرة الضوء في المنطقة. فالجماعات المتطرفة تعتبر، انطلاقا من ذلك، أن المغرب يقود سياسة إقليمية لتجفيف منابع التطرف من خلال تقديم خدماته وتوفير خارطة طريق للإصلاح الديني.
أما السبب الثالث، في تقديرنا، فهو راجع إلى قرب المغرب من أسبانيا، ووجود مدينتين مغربيتين تحت الاحتلال الإسباني منذ قرون، هما مليلية وسبتة، في شماله. وبالنسبة للجماعات الدينية المتطرفة، فإن احتلال هاتين المدينتين يرمز إلى بقايا الحملات الصليبية ضد العالم الإسلامي في العصور الـوسطى، وهي مسألة ترتبط برمزية الأندلس لدى هذه الجماعات، بوصفها الفردوس الإسلامي المفقود، الذي لا يمكن لفكرة الخلافة أن تكتمل دون إدراجه في الحساب.
ولقد ظلت هذه القضية محورا مركزيا في الخطاب الراديكالي لدى تنظيم القاعدة خـلال السنوات الماضية، وأعاد تنظيم داعش الإلحاح عليه في أكثر من مناسبة، آخرها في سبتمبر من السنة الماضية، عندما توعد بتحويل أسبانيا إلى أندلس جديدة في بحر خمس سنوات، وبالطبع، فإن المرور إلى أسبانيا لا يتم إلا على الأراضي المغربية، أقرب نقطة إلى شبه الجزيرة الإيبيرية.
*كاتب مغربي/”العرب”