بقلم: هيثم شلبي
كلما اجتهد النظام الجزائري في التبخيس من أهمية الاعترافات الدولية المتوالية بمغربية الصحراء، وبوجاهة مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد للنزاع المفتعل، كلما ازداد إصرار الدبلوماسية المغربية على توجيه مزيد من الصفعات المتمثلة في اعترافات جديدة، على أمل أن تسهم هذه الصفعات في إحداث “صحوة” لنظام العسكر، تعيدهم إلى رشدهم، وتنزلهم من شجرة عنادهم إلى حقيقة الواقع المحيط بهذا الملف.
في هذا السياق، يبرز اعتراف الولايات المتحدة دون غيره من الاعترافات، مصدر “هوس” للنظام الجزائري، حيث لا يزال الإعلام الدعائي للنظام الجزائري مصرا على التعامل معه “كتغريدة” منفردة في حساب الرئيس دونالد ترامب على منصة إكس (تويتر سابقا)، رغم ما جلبه لهم هذا التوصيف من سخرية من الجزائريين قبل غيرهم، ورغم تأكيدات المسؤولين الأمريكيين المتوالية على رسوخ اعترافهم طيلة هذه السنوات. فلماذا هذا الإصرار الجزائري على خوض هذه المعركة الخاسرة؟!
بداية، لنكن صرحاء ونعترف، أن جميع معارك النظام الجزائري، كانت خاسرة بامتياز، سواء الداخلي منها أو الخارجي، وتحديدا تلك التي تخوضها في إطار حربها المستعرة مع الجار المغربي منذ أزيد من نصف قرن، بل لنقل منذ الاستقلال. ورغم تراكم هذه الخسائر، لا يزال النظام الجزائري وإعلامه مصرون على قلب الحقائق، معاندة الواقع، وتزوير الأحداث التي لم يعد أيا منها خافيا على أحد، في ظل التطور الإعلامي الذي يشهده العالم. وما معركة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء إلا واحدة من هذه المعارك الخاسرة.
ولعل ما يزيد من الألم الذي يحس به النظام الجزائري تجاه الاعتراف الأمريكي (والفرنسي بدرجة أقل) اعتقادها الخاطئ أن سحب الولايات المتحدة لاعترافها سيهدم باقي الاعترافات بمغربية الصحراء. وهمٌ لا يفيد فيه محاججة هذا النظام ومطالبته برؤية الواقع. فأكبر دولة في العالم أجمع لا تزال تعترف بالبوليساريو “وجمهورية تندوف” هي المكسيك، وبدرجة أقل جنوب أفريقيا، أما باقي الدول ال 28، فوزنها على الساحة الدولية لا يزيد كثيرا عن وزن الجزائر. وهنا، لا يكفي لإقناعهم تذكيرهم باعترافات قوى عظمى آسيوية كالهند وباكستان واندونيسيا واليابان وكوريا الجنوبية، الخ، وأن الاعترافات الوحيدة في القارة تأتي من كوريا الشمالية ولاوس وتيمور الشرقية!! أما القارة العجوز، فلا يوجد فيها دولة أوروبية واحدة تعترف بالبوليساريو، حتى من بين تلك التي لم تعلن بعد موقفا صريحا يدعم مغربية الصحراء. أما أمريكا اللاتينية، فالبرازيل زعيمة القارة، ومن ورائها الأرجنتين وباقي دول القارة المهمة تقف إلى جانب المغرب. فشل جزائري آخر يتجلى في عجزها عن الحصول على أي اعتراف بالبوليساريو من جميع الدول العربية والإسلامية (باستثناء الاعتراف الموريتاني الصوري، معلوم السياقات والأسباب). وحتى الدولتين التي تروج الجزائر بأنهما حليفتين لها، ونقصد الصين وروسيا، ورغم عدم اعترافهما -حتى الآن- بمغربية الصحراء، فلم تستخدم أيا منهما حق الفيتو تجاه القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن خلال القرن الحالي، رغم شطب هذه القرارات صراحة لخيار الاستفتاء من بين خيارات الحل المقترحة، وتعبران ضمنيا عن دعمهما للمقترح المغربي بالحديث عن حل “توافقي وواقعي يحظى بقبول الطرفين”، وهو التوصيف الآخر لمقترح الحكم الذاتي. فهل يمكن للرهان الخاسر على تغيير موقف الولايات المتحدة أن يعيد عجلة الزمن خمسين عاما إلى الوراء، ويهدم جميع هذه الاعترافات، التي لم تبن على قناعة بعدالة قضية الوحدة الترابية المغربية فحسب، بل وعلى شبكة معقدة من المصالح الاقتصادية والسياسية، نجح المغرب في نسجها مع جميع هذه الدول خلال العقدين الماضيين، بينما كان النظام الجزائري غارقا في أزماته الداخلية.
أما محاولات “شراء” موقف مغاير من الولايات المتحدة، عبر فتح ثروات الجزائر النفطية والمعدنية للشركات الأمريكية، فهو خطوة لا تقل بؤسا، وسرعان ما جاء الرد عليه من الإدارة الامريكية نفسها، من خلال فرض إدارة الرئيس ترامب جمارك بقيمة 30% على الواردات الجزائرية. ورغم أنه ليس هناك ما يمكن للجزائر أن تصدره للولايات المتحدة، فإن رمزية هذه النسبة مقابل الحد الأدنى المفروض على المغرب (10%) يشكل بحد ذاته صفعة للنظام الجزائري.
آخر الصفعات ما جاء على لسان مستشار الرئيس ترامب للشؤون الأفريقية مسعد بولص، وقبله بأيام وزير الخارجية ماركو روبيو، اللذان أكدا في بلاغات صحفية، بل وبشكل صريح ومباشر (بولص) للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نفسه، بأن موقف الولايات المتحدة من مغربية الصحراء هو ثابت وحاسم وغير قابل للتبدل! الأمر الذي يضع علامة استفهام كبيرة جدا على جميع جهود سفير الجزائر في الولايات المتحدة صبري بوقادوم، الذي بالغ في “إغراء” الولايات المتحدة بثروات بلاده دون أن يلقى التفاتة واحدة.
فشل الجزائر في تغيير موقف الولايات المتحدة، وقبلها فرنسا وإسبانيا، وفي كسب ود الهند والبرازيل، بل وفي تبديل موقف غانا، يجعل أي نظام آخر غير النظام العسكري أسير عدائه التاريخي للمغرب، يلتقط أي فرصة أو إشارة لتعديل مسار علاقاته مع المغرب، وقبول اليد الممدودة دائما من العاهل المغربي الملك محمد السادس، والتي وضعها في سياق مبادرة “لا غالب ولا مغلوب” بين البلدين في هذا النزاع، خلال خطاب عيد العرش الأخير.
كخلاصة، لن يجلب إصرار النظام الجزائري على مصارعة “طواحين” عدائه للمغرب سوى مزيد من السخرية والغضب، من طرف الرأي العام المحلي أولا، ومن طرف باقي دول العالم المتحضر تاليا، والتي تعجز عن فهم منطق هذا النظام في هذه القضية، بل وفي غيرها من القضايا إذا توخينا الدقة!
مشاهد 24 موقع مغربي إخباري شامل يهتم بأخبار المغرب الكبير