بقلم: هيثم شلبي
في غمرة احتفالات المغرب بذكرى استرجاعه لإقليم واد الذهب، جاء افتتاح تشاد لقنصلية عامة في الداخلة “كهدية” بالمناسبة، ردا على دعوة المغرب لها لولوج المحيط الأطلسي عبر ميناء نفس المدينة (الداخلة)، رفقة زميلاتها في دول الساحل: مالي والنيجر وبوركينافاسو. القنصلية الجديدة، ترفع عدد الدول الأفريقية التي افتتحت قنصلية في أحد حاضرتي الأقاليم الجنوبية: العيون أو الداخلة إلى 23 رسميا، في انتظار الالتحاق القريب لقنصلية البنين، التي أعلنت رسميا عن نيتها لافتتاح بعثتها الدبلوماسية في الصحراء. هذه القنصليات، تترجم موقفا إفريقيا واضحا تجاه مغربية الصحراء، ودعما لا لبس فيه لوحدة المغرب الترابية. لكن كيف هي مواقف باقي الدول الأفريقية من هذا الأمر؟ وكيف يمكن أن تساعد علاقاتها بالمغرب في تصحيح الخلل التاريخي القائم في الاتحاد الأفريقي، بقبول جمهورية وهمية ليست عضوا في أي هيئة دولية أو إقليمية (الأمم المتحدة، جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي)؟!
إن تحقيق المغرب لهدفه المعلن في طرد “جمهورية تندوف” من الاتحاد الأفريقي رهين كما هو معلوم بتعديل ميثاق الاتحاد الأفريقي، وهو الأمر الذي يحتاج 36 صوتا داعما لهذا التعديل. واستكمالا للمعطى السابق المتعلق بكون المغرب يحتضن 24 قنصلية عامة في الأقاليم الصحراوية، فإن المنطق يقول أنه يحتاج 11 صوتا (إضافة لصوته)، فهل يقترب المغرب من تحقيق هذا الهدف؟! الإجابة على هذا التساؤل قد تكون متيسرة إذا ما راقبنا تبدل المواقف الأفريقية من المغرب منذ استرجاعه لمقعده في الاتحاد الإفريقي قبل سبع سنوات؛ وما التصويت الأخير على طرد الجمهورية الوهمية من المشاركة في اللقاءات الدولية التي تجمع الاتحاد مع كبار دول العالم، إلا “بروفة” لما ستكون عليه الأمور خلال التصويت المرتقب على طرد البوليساريو من الاتحاد كليا، رغم حالة السعار التي انتابت الجزائر وجنوب أفريقيا تجاه هذا التصويت!!
من المفيد هنا، استرجاع معلومة تتعلق بالسابقة التي قامت فيها 28 دولة أفريقية بتقديم ملتمس لطرد البوليساريو بالتزامن مع قبول عضوية المغرب مجددا، حيث إنه بمطالعة لائحة الدول الموقعة على الطلب، نجد من بينها 6 دول لم تقم بعد بافتتاح قنصليات في الأقاليم الجنوبية، ومن المنطقي أن تجدد موافقتها على طرد البوليساريو من الاتحاد. هذه الدول هي: جمهورية الكونغو، إريتريا، السودان، ليبيا، سيشيل، وغانا. وإذا أضفنا هذه الدول الستة إلى الدول ال 24 التي تمتلك قنصليات في الصحراء، يصبح العدد الإجمالي 30 دولة، ليبقى المغرب بحاجة لخمسة أصوات فقط!! وقد يقول قائل، أن اللهجة الصادرة مؤخرا عن غانا ليست ودية تجاه المغرب، وهو ما يجعل صوتها غير مضمون، الأمر الذي يجعلنا نحتاج ستة أصوات لضمان عدم حدوث أي مفاجأة.
الواقع يقول أن هناك 7 دول لا يزال الطابع الغالب على تصريحات مسؤوليها هو دعم خصوم الوحدة الترابية للمغرب، وذلك من أصل عشر دول صوتت ضد قبول عضوية المغرب مجددا في الاتحاد الإفريقي (مالاوي وكينيا وجنوب السودان غيرت لهجتها تجاه المغرب جذريا، بل وقامت مالاوي بافتتاح قنصلية في الصحراء). هذه الدول السبعة التي يستبعد أن تدعم طرد البوليساريو هي: الجزائر، جنوب أفريقيا، زيمبابوي، موزمبيق، ناميبيا، أوغندا، وليسوتو. ما الذي يبقى؟ هناك 16 دولة تتنوع مواقفها ما بين من دعمت عودة لمغرب للاتحاد الأفريقي (12 دولة) ودول امتنعت ولم تشأ اتخاذ موقف بين المغرب والجزائر (مصر وتونس وموريتانيا)، وكينيا التي فتحت علاقاتها بالمغرب صفحة جديدة منذ مجيء الرئيس وليام روتو. وعليه، فالمغرب يحتاج إلى 6 أصوات من أصل أصوات هذه الكتلة ال 16، فمن هي الدول المرشحة؟!
لنبدأ بالأصوات المضمونة لأسباب واضحة، ونقصد بها مالي والنيجر، اللتان رحبتا بمبادرة العاهل المغربي لفك حصار الطبيعة عنهما، مع شريكيهما في الصحراء: تشاد وبوركينافاسو، واللذان بالمناسبة يمتلكان قنصليات في الصحراء. يلي هذه الدول 5 أخرى يحتاج المغرب إلى مساندة أربعة منها: نيجيريا، أثيوبيا، مصر، مدغشقر وجنوب السودان؛ وهي كلها دول تتطور علاقتها بالمغرب يوميا، لأسباب اقتصادية بالأساس. طبعا هناك دول أخرى يمكن إضافتها لهذه القائمة، لاسيما إذا ظهر للجميع أن المغرب قد نجح في تأمين الأصوات ال 36 التي يحتاجها، ونقصد بذلك: تنزانيا، كينيا، الكاميرون، أنغولا، رواندا، بوتسوانا وموريشيوس، والتي غابت عن دبلوماسيتها أي نبرة عدائية أو غير ودية تجاه المغرب، بل وتكرر باستمرار التصريحات الودية تجاهه. ولا ننسى أن هذه الدول السبع قد وافقت على عودة المغرب للاتحاد الأفريقي ضدا على موقف الجزائر وجنوب أفريقيا، وهي -كما قلنا- تحتفظ بعلاقات اقتصادية وسياسية ودية مع المغرب، بل وتتزايد حرارتها باضطراد. أما الدولتان المتبقيتان في الاتحاد، ونقصد بهما تونس وموريتانيا، فربما تمتنع أحدهما أو كلاهما عن التصويت، كما فعلتا بخصوص عودة المغرب، لكن دون أي تأثير يذكر على النتيجة النهائية للتصويت.
وهنا، يطرح السؤال نفسه: ما الذي يؤخر إقدام المغرب على طرح القضية للتصويت، إذا كان منطق الأرقام يظهر أنها مهمة ميسرة كما رأينا؟ كما أسلفنا، فالمغرب يمتلك أغلبية كافية لتعديل ميثاق الاتحاد الأفريقي، وبالتالي طرد مرتزقة البوليساريو من الاتحاد بأصوات تتراوح ما بين 36 و44 مؤيدة، و7 معارضة، مع امتناع دولتين عن التصويت. لكن نقطة إجرائية تحول دون طرح الموضوع على قمة الاتحاد، تخص تعليق عضوية 6 دول من أصدقاء المغرب المؤيدين لطرد البوليساريو بسبب وقوع انقلابات عسكرية فيها، ويتعلق الأمر بكل من: السودان، غينيا، الغابون، مالي، النيجر، وبوركينا فاسو. وعليه، فالمغرب مضطر لانتظار تسوية هذه الدول لأوضاعها السياسية (والقانونية بالتبعية)، قبل طرح القضية للتصويت. وهناك احتمال آخر، أن تنجح الدبلوماسية المغربية في تأمين الأصوات المطلوبة من الدول ال 39 المتبقية بعد خصم الأصوات الستة المعلقة، والسبعة المعارضة، والدولتين الممتنعتين، وهو أمر وإن كان صعبا فهو ليس مستحيلا، مع الإنجازات المتوالية التي تسجلها هذه الدبلوماسية يوميا!!
وأيا كان الوضع، فالمغرب لا يعيش وضعية جمود، إذ في انتظار تأمين الأصوات الأفريقية اللازمة لطرد البوليساريو من الاتحاد، تنشغل دبلوماسيته بتأمين اعترافات وازنة بمغربية صحرائه، وبوجاهة مقترحه للحكم الذاتي، الأمر الذي سيسهل عليه إخراج ملف صحرائه من اللجنة الرابعة، وتصحيح ما يعتري عملها من خلل مزمن هي الأخرى، إذ لم تعترف حتى الآن، أن الملف قد أقفل بمجرد تحرير المغرب لصحرائه من اسبانيا بالمسيرة الخضراء المظفرة، ولم يعد هناك مبرر لتداول هذا الملف في اللجنة الرابعة ولا شقيقتها الصغرى (لجنة ال 24).
كخلاصة، فكل ما يفصلنا عن الحسم النهائي لهذا الملف ما هي إلا أسابيع أو أشهر معدودة، وسنرى كيف ستتصرف الجزائر مع مرتزقتها؟! هل سيرمونهم في الصحراء ليواجهوا مصيرهم كما يفعلون من المهاجرين غير الشرعيين؟ أم أنهم سيؤمنون قادتهم ويدفعون ما تبقى من المحتجزين الصحراويين للعودة إلى وطنهم الأم؟! الأيام القادمة هي من ستجيب عن هذه الأسئلة.