سلط خبراء وناشطون في حقوق الإنسان الضوء، أمس الخميس بجنيف، على آفة تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة عبر العالم معتبرين مخيمات تندوف، جنوب-غرب الجزائر، بؤرة سوداء لهذه الممارسة التي تعد انتهاكا جسيما للقانون الدولي الإنساني.
ودعا المشاركون، في الندوة التي نظمتها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان-إفريقيا (منظمة غير حكومية)، على هامش فعاليات الدورة 55 لمجلس حقوق الإنسان، إلى تحرك دولي حازم من أجل وضع حد لتجنيد الأطفال الذي يضرب في العمق حق الطفل في تنشئة مدنية طبيعية وآمنة.
وتحدث عبد القادر الفيلالي، رئيس المركز الدولي للوقاية من تجنيد الأطفال، الذي يوجد مقره بالداخلة، عن سوق دولي للعرض والطلب يتم فيه تداول الأطفال في شكل سلع للبيع، ويقادون إلى مناطق النزاع المسلح، موضحا أن مخيمات تندوف، في الجنوب الغربي للجزائر، جزء من “قائمة العار” التي تشمل عددا من بؤر استغلال وتجنيد الأطفال.
وقال الخبير إن عناصر “البوليساريو” ينتزعون الأطفال من حضن أسرهم وهم في سن تتراوح بين الثامنة والتاسعة ليزج بهم في مدارس شبه عسكرية تفصلهم عن محيطهم العائلي والاجتماعي وتشحنهم بإيديولوجية العنف وأوهام البطولة، مما يجعلهم ضحايا اختلالات دائمة في نمو شخصيتهم ومنظومتهم القيمية والسلوكية.
واستحضر الفيلالي جملة من التحقيقات الصحفية والشهادات المستقلة فضلا عن إفادات ضحايا عانوا من جحيم الانتهاكات لحقوق الطفولة، مما يرسم صورة عن فضاء جيوسياسي خارج عن المعايير الدولية والمواثيق الحقوقية، داعيا إلى اعتماد برنامج عمل من قبل المجموعة الدولية يعزز التوجه نحو اجتثاث ظاهرة تجنيد الأطفال في أفق 2040.
ولدى تقديمه لبعض جوانب نشاط المركز الدولي للوقاية من تجنيد الأطفال، شدد الخبير على أهمية العمل الميداني والإنصات للمعنيين، مبرزا أن المركز أنجز مقابلات مع 115 طفلا من ضحايا التجنيد القسري خلال الفترة من نونبر 2021 إلى مارس 2023.
من جهته، قدم الناشط الحقوقي الإسباني، بيدرو ألتاميرانو، توصيفا للوضع العام في مخيمات تندوف الذي ليست هشاشة أوضاع الأطفال إلا مظهرا من مظاهر تحلله، معتبرا أن بؤس الخدمات العمومية الحيوية واختلاس المساعدات الإنسانية وحالة القمع الشامل لمختلف الشرائح السكانية، يصنع مشهدا سوداويا للبيئة التي ينشأ فيها أطفال محرومون من أدنى الحقوق التي تكفلها لهم المواثيق الدولية.
وعرج رئيس مؤسسة ألتاميرانو على إشكالية أوضاع اللاجئين/المحتجزين في مخيمات تندوف راصدا إصرار البلد المضيف، الجزائر، على عدم السماح بإحصاء الساكنة وعرقلة عودة المحتجزين إلى مناطقهم الأصلية في الصحراء المغربية.
وركزت الفاعلة الجمعوية في مجال حقوق الإنسان، كجمولة بوسيف، على أوضاع النساء من حيث الحقوق المنصوص عليها في مواثيق حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والعناية الخاصة التي خولتها لهن في مواجهة أشكال سوء المعاملة والعنف والاستغلال الجنسي، مؤكدة أن النساء في مخيمات تندوف معرضات لكل هاته الانتهاكات التي تقترفها عناصر “البوليساريو” أمام مرأى ومسمع السلطات الجزائرية.
وقالت الناشطة الحقوقية، خلال اللقاء الذي أداره مولاي الحسن ناجي، رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بجنيف، إن الوقت حان لوضع مرتكبي الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني في مخيمات تندوف قيد المحاسبة، لتخلص إلى أن هذا الملف اختبار حقيقي لفعالية العدالة في النظام الدولي.