بقلم: هبثم شلبي
تبدو محاولات الإعلام الجزائري لتغطية شمس الحقيقة المغربية، بغربال الدعاية العسكرية مثيرة للاستهزاء والازدراء بشكل متزايد، لاسيما عند الأحداث المفصلية ولحظات الحقيقة الخاصة بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. ولعل التغطية الجارية على هامش حدث الزيارة الأولى للمثل الشخصي للأمين العام ستيفان ديمستورا لحاضرتي الصحراء المغربية، العيون والداخلة، هي أوضح مثال على ما نقول. دعاية بدأت بكذبة مفضوحة، تقول أن زيارة ديمستورا للصحراء جاءت نتيجة لرضوخ المغرب “للشروط” الأممية، وضدا على إرادته، مع أن الصورة تقول بعكس هذه الدعاية تماما، حيث تنقل لنا ارتياح المبعوث الأممي لكل ما رآه، بدءا من مظاهر النهضة العمرانية، مرورا بتطور الخدمات الاجتماعية المقدمة لسكان الأقاليم الجنوبية من تعليم وصحة، وانتهاء بالمشاريع الجاري تنفيذها على الأرض حاليا، والتي ستقوي إشعاع هذه المنطقة ليس على المستوى المحلي فقط، بل والإقليمي والدولي، وهو الأمر الذي يصب في النهاية في مصلحة المغرب، فكيف تقول الجزائر أن المغرب وقف ضد الزيارة وأنها فرضت عليه؟!
لكن، وإذا تجاوزنا بؤس السياسة الدعائية المبنية على الأكاذيب، لكل من الجزائر وربيبتها البوليساريو، تطالعنا ظاهرة أكثر بؤسا، تتعلق في إصرار النظام الجزائري وصنيعته البوليساريو، على صياغة خطاب يتجاهل بشكل متعمد، حقائق راسخة تعكس واقعا جديدا يهم قضية الصحراء، هربا من الاعتراف بتفوق المغرب وانتصار منطقه، وما يستتبعه ذلك من تكريس لليأس بين محتجزي تندوف والجزائر، تجاه مستقبل هذه الشعوب، التي راقبت بعينها خيراتها المهدرة على مدى خمسة عقود دون فائدة واحدة محققة. وسنحاول بشكل موجز التطرق لأبرز هذه الحقائق، التي تتكرس يوما بعد آخر، بشكل يؤكد الفشل الجزائري:
أول بديهيات هذا النزاع المفتعل أنه اختصاص حصري للأمم المتحدة، ولا شأن للاتحاد الأفريقي به. وعليه، فالعبارة الكاذبة التي تصر الدعاية والدبلوماسية الجزائرية على تضمينها جميع وثائقها، والقائلة بأن حل هذا النزاع يجب أن يستجيب لمتطلبات الأمم المتحدة “ومعايير الاتحاد الأفريقي” لا محل لها من الإعراب، ولا تعني أحدا غير الجزائر والبوليساريو.
ثاني هذه البديهيات أن الأمين العام للأمم المتحدة، ومبعوثه الشخصي، وباقي طاقم المنظمة الدولية في بعثة المينورسو هم “موظفون” في الأمم المتحدة، مكلفون بتطبيق القرارات التي تصدر عن مجلس الأمن تحديدا، وعن باقي أجهزة الأمم المتحدة، ولا يملكون التصرف خارج ما تنص عليه هذه القرارات، أو المهام المنوطة بهم. صحيح، أن الأمين العام وممثله وطاقمه يمكنهم “الاجتهاد” باقتراح بعض الإجراءات التي يرون أنها يمكن أن تساعد في تطبيق قرارات الأمم المتحدة، لكنها لا يمكن أن تأتي في سياق معاكس لما تقرره القوى الدولية صاحبة الكلمة العليا في نزاع الصحراء وغيرها من النزاعات، وهي محكومة، أولا وأخيرا، بنصوص قرارات الأمم المتحدة. لماذا نسوق هذه البديهية؟ لأن الجزائر والبوليساريو تصر على تجاهل هذه الحقيقة، وتدعو الأمين العام وممثله إلى إدخال مراقبة حقوق الإنسان ضمن نطاق مهامهما، كما تطالب بعثة المينورسو بالعمل على استئناف مهمة التهيئة لإجراء الاستفتاء، رغم إدراكهما أن هذه الأجهزة التنفيذية لا تملك سلطة اتخاذ قرار في المجالات التي يطلبونها.
أما أشهر الحقائق التي يصر جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، وتابعيهم من البوليساريو، على تجاهلها والتصرف عكسها فهو ذلك الذي يرفض الاعتراف بواقع أن جميع قرارات الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة، وتحديدا في أعقاب تقديم المغرب لمبادرته للحكم الذاتي، قد توقفت عن ذكر كلمة “الاستفتاء” تصريحا أو تلميحا، واستبدلتها بالحل السياسي التوافقي، بعد أن سارت في مسار الاستفتاء حتى نهايته، لتدرك جميع القوى الدولية “استحالة” إجرائه بسبب تعذر الاتفاق على هيئته الناخبة. وعليه، تبدو الجزائر وربيبتها البوليساريو في موقف تعارض صارخ مع القرارات الدولية التي تدعي الرضوخ لها، وتستمر في المطالبة اليائسة بإجراء استفتاء يدرك العالم أنه مستحيل التحقق.
حقيقة أخرى تتجاهلها الجزائر والبوليساريو عمليا هذه المرة، دون التلفظ بها قولا، تخص رفض التجاوب مع جميع المطالبات الأممية لإحصاء سكان مخيمات احتجاز الصحراويين في الجزائر، وذلك من أجل ضبط الشؤون الإغاثية لهذه الفئات المنكوبة. في المقابل، تستمر البوليساريو في استجداء العالم ومطالبته بتقديم المساعدات الإنسانية، دون أن يكون من حق هذا العالم أن يعرف العدد الحقيقي لهؤلاء المنكوبين. نفس الرفض يطال السماح لأي هيئة حقوقية دولية أن تزور الجزائر أو مخيمات تندوف، ومع ذلك تتبجح بالمطالبة بتنظيم مثل هذه الزيارات للأقاليم الصحراوية المغربية، في تناقض ليس الأول ولن يكون الأخير.
حقيقة أخرى تتجاهلها الجزائر، وبالتالي تسهم في استدامة معاناة الصحراويين في تندوف، واستمرار تعطيل المغرب الكبير، وهي تلك المتعلقة بإدراك الجزائر اليقيني، أنه ليس هناك أدنى استعداد لدى الدول الخمسة صاحبة حق النقض الفيتو، في العمل عكس المصلحة المغربية في هذا النزاع. هذا الموقف الصلب لا يخص فقط الولايات المتحدة، “صاحبة القلم” التي تصوغ جميع القرارات المتعلقة بهذه القضية في مجلس الأمن، والتي تعترف أصلا بمغربية الصحراء المغربية وليس مجرد الترحيب بمقترح الحكم الذاتي، بل إن موقف التأييد يشمل بريطانيا، وينطبق على فرنسا والصين وروسيا التي يحتفظ المغرب بعلاقات استراتيجية معها، ولا يتصور عاقل أن لدى أي منها مبرر لتخريب هذه العلاقة مع دولة محورية كالمغرب. وتدرك الجزائر أن دولا كسوريا في عهدة سفاح كبشار الأسد قد استمرت في مأمن من القانون الدولي بسبب فيتو روسيا فقط، لكنها تتجاهل حقيقة استحالة التأثير على المغرب داخل مجلس الأمن، دون حتى الحاجة لفيتو الولايات المتحدة أو بريطانيا أو غيرهما.
حقيقة أخرى تتجاهلها الدعاية الجزائرية البائسة، تهم عدم قدرة البوليساريو على تحقيق أدنى قدر من الضرر العسكري للقوات المسلحة المغربية، ناهيك عن تحقيق أي انتصار في أية مواجهة، ومع ذلك تصر على ترويج “البلاغات العسكرية” الوهمية لعصابة البوليساريو، التي تجلب لها استهزاء جميع من يقرأها. واقع تكرس بعد بناء الجدار الأمني في ثمانينيات القرن الماضي، ويؤكد الواقع يوميا عدم إمكانية تخيل حدوثه، حتى مع وجود التسليح الجزائري. وما حادثة الكركارات ببعيدة عن أذهان الرأي العام الجزائري والصحراوي.
إن تجاهل السلطات الجزائرية لهذه الحقائق البديهية، التي تؤكد استحالة كسب المعركة ضد المغرب سياسيا أو عسكريا، لا يمكن أن يقود سوى إلى حقيقة أن ورقة البوليساريو لم تعد تقدم أي فائدة ممكنة لجنرالات الجزائر في نزاعهم الأزلي مع المغرب، اللهم باستثناء استفادة بعض الجنرالات من عائدات بيع المساعدات الإنسانية -المتناقصة- الموجهة للسكان المحتجزين في تندوف! حقيقة كان المفروض أن تقود إلى اعتراف جزائري بحقائق الواقع، وبالتالي السعي لتحسين، ولو متأخر، للعلاقات مع المغرب، وتوفير نزيف المليارات التي يحرم منها المواطنين الجزائريين وتذهب إلى جيوب الجنرالات، ومخازن السلاح، وشراء المواقف والذمم لقلة من الدول الهامشية، لتغذية دعاية كاذبة، يدرك أركان النظام قبل غيرهم استحالة تحقيق أي انتصار بالبناء عليها؛ فهل نشهد تغيرا لهذا المسعى العبثي، أم أنه لن ينتهي إلا بنهاية نظام الجنرالات؟! الأيام وحدها هي من سيحمل الجواب..