شهد المغرب خلال الأيام الأخيرة حركية استثنائية، بإطلاق مشاريع من العيار الثقيل في المناطق الجنوبية، وجهت أنظار العالم صوبه، وجعلته محط اهتمام الصحافة الدولية كما العربية من جهة، وبتعيينات وقرارات متعلقة بالديبلوماسية اتخذت في عمق الصحراء من جهة أخرى.
الدكتور تاج الدين الحسيني الأستاذ في العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، يقدم في حديثه مع ”مشاهد24”، قراءة لهذه الأحداث التي شهدتها الأقاليم الجنوبية ويكشف أبرز دلالاتها.
سياسة المكانة
أوضح الدكتور مستحضرا عددا من المشاريع التي تم إطلاقها أخيرا بمدينتي العيون والداخلة، وعلى رأسها مشروع ”فوسبوكراع”، أن المغرب أصبح يمارس سياسة المكانة في قلب إفريقيا، متخذا من منطقة الصحراء منصة مركزية للإقلاع الاقتصادي والإشعاع المرتبط بالقارة السمراء.
وشرح ذلك حين أبرز أن الأقاليم الجنوبية، وعلى وجه الخصوص مدينة العيون، صارت تحظى بإطلاق مشاريع كبرى، من شأنها الدفع بعجلة التنمية على المستوى الإفريقي وليس فقط على المستوى المحلي، مشيرا إلى أن مركب ”فوسبوكراع”، مشروع ستجني ثماره دول إفريقيا ككل وليس المغرب فقط، من خلال تأمين الأسمدة والفوسفاط المصنع.
وحول سياسة المكانة، التي اعتبر أنها لاتستحق إلا بمشاريع كبرى، أبرز الأكاديمي المغربي أنه بتخصيص 77 مليار درهم لتنمية الأقاليم الجنوبية، وإطلاق مشاريع للتكوين والتشغيل وتعزيز الربط الطرقي، يؤكد المغرب انتقاله من مرحلة الحقوق المدنية والسياسية إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ليس فقط بالتشهير بها إعلاميا ولكن بتطبيقها على أرض الواقع.
مدن الصحراء أصبحت مركز اتخاذ القرارات
وفي نقلة من الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، يرى الحسيني أن ترؤس الملك محمد السادس لمجلس وزاري بالعيون، ونوعية القرارات التي اتخذت خلاله، والمتمثلة في المصادقة على قوانين مهمة، في مقدمتها القانون المتعلق بتأسيس مجلس الوصاية، وتعيين وزير في مجال الديبلوماسية وموظفين سامين يشرفون على مؤسسات كبرى، يعد في حد ذاته أمرا استثنائيا، ورسالة واضحة مضمونها أن مدن الصحراء المغربية لم تعد تتلقى القرارات من المركز، بل أصبحت هي نفسها مركز اتخاذ القرار، وتتمتع بنفس المكانة التي تتمتع بها باقي مدن المملكة.
”الآن إعطاء هذه الحظوة لمدينة العيون وعبرها باقي الأقاليم الجنوبية، يشكل في حد ذاته إشارة قوية إلى أنها مناطق تحتل نفس المركز الذي تتمتع به باقي مدن المملكة، وأنها صارت مراكز قرار” يضيف الأستاذ.
زيارة في توقيت مثالي بحمولة ”شعبية”
في هذا السياق اعتبر الأستاذ الجامعي، أن الزيارة الملكية لمدينتي الداخلة والعيون، جاءت في توقيت مثالي ووضعت النقط على الحروف فيما يتعلق بقضية السيادة المغربية، لدقة المرحلة التي يمر منها ملف نزاع الصحراء، إذ تقترب فترة ولاية بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة وكذلك مبعوثه الشخصي كريستوفر الروس من نهايتها، ”الأمر الذي يعني أنه في الكواليس تجرى تطورات خفية، لا تلتزم بتوجيهات مجلس الأمن وترمي إلى تجاوز المقترحات المطروحة على الطاولة والتشويش عليها وخصوصا المقترح المغربي” يضيف الحسيني.
وأبرز أن هذه الزيارة التي تأتي بعد أشهر فقط من زيارة ملكية بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء إلى العيون، تتخذ بعدا خاصا، لأنها تجاوزت ماهو رسمي إلى الجانب الشعبي، إذ اختلط خلالها الملك أكثر بالجماهير وتجول في الشوارع بشكل فجائي، متجردا من أي حراسة أو بروتوكول.
ولفت الانتباه إلى أن هذا النوع من الاحتكاك بالجماهير واللقاء المباشر يؤكد مصداقية تقرير المصير.
ديبلوماسية جديدة
وخلال الحديث عن تعيين ناصر بوريطة وزيرا منتدبا في وزارة الخارجية وعدد من الشخصيات الحقوقية كسفراء، قال الحسيني إن ذلك إعلان عن انطلاقة مرحلة ديبلوماسية جديدة، ترتكز بالأساس على خلق صلة مع دول طبيعة علاقاتها مع المغرب معقدة مثل الدول الإسكندنافية وأخرى مثل أندونيسيا وماليزيا، اعتمادا على مخاطبين يتقنون اللغة الحقوقية التي تعد القاسم المشترك بين كل دول العالم.
وكشف أن معرفته الشخصية بالوزير الحديث العهد، تجعله يجزم بأنه سيفيد الديبلوماسية المغربية في المرحلة المقبلة، وخصوصا على مستوى ملف الصحراء.