ليس معروفاً إلى أي مدى يمكن توقع حلول ناجعة لأزمة لاجئي القوارب الذين يتوافدون بالآلاف يومياً إلى سواحل الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، إذ يبدو أن هناك سوء فهم، إن لم يكن تجاهلاً متعمداً لجذور المشكلة.
ومثال على التصريحات التي لا تبعث اطمئناناً لجهة السير في الطريق الصحيح نحو الحل، تلك التي أدلى بها وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في سنغافورة الأحد، بقوله إن المهاجرين من أفريقيا «يهددون مستوى المعيشة والنسيج الاجتماعي للاتحاد الأوروبي الذي لا يستطيع استقبال الملايين» من الباحثين عن حياة جديدة.
المزيد: غرق مركب يحمل مئات المهاجرين قرب إيطاليا
ورأى الوزير في حديث إلى تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أنه «يجب أن نتمكن من حل هذه المشكلة في نهاية المطاف، من خلال تمكننا من إعادة من ليس لهم حق اللجوء إلى بلادهم الأصلية». واعتبر أن قوانين الاتحاد الأوروبي هي السبب في أن المهاجرين «يثقون بشدة» في أنهم لن يعادوا إلى بلادهم أبداً.
قد يكون من حق الحكومة البريطانية أن تشكو من أن دافعي الضرائب في المملكة المتحدة يرفضون تحمل أعباء إضافية في إعالة وافدين جدد، لكن ثمة تساؤل جدي عندما يتعلق الأمر بالحديث عن تهديدات للنسيج الاجتماعي، خصوصاً من جانب دولة كانت لها مستعمرات في أنحاء العالم وفي أفريقيا ولا تزال تبحث عن مصالح تجارية في تلك المستعمرات، والتساؤل ينسحب أيضاً على الدور الذي تؤديه منظمة «الكومنولث» التي يفترض أن إحدى مهماتها هي التواصل مع الدول الأعضاء وتقديم العون لها في الترويج للديموقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون والحكم الرشيد، إضافة إلى الرابط المتعلق بالجوانب الاقتصادية والتطوير في تلك الدول.
وأساس مشكلة المهاجرين هو انعدام فرص العمل والعيش الكريم وفقدان العدالة الاجتماعية وتدني الخدمات في الدول التي يفرون منها، وذلك بسبب غياب الحكم الرشيد وانتشار الفساد وسوء الإدارة، ناهيك عن تفشي الإرهاب. وإعادة المهاجرين إلى بلدانهم لن تحل المشكلة على مدى بعيد، كما لن تحلها عمليات موضعية وقتية، لمكافحة شبكات التهريب والمافيات المنظمة التي تستغل أوضاعهم وهي بلا شك جزء من منظومة الفساد إياها.
وثمة بصيص أمل في الولوج إلى مدخل عملي للحل، خلال القمة الأوروبية – الأفريقية المقررة في مالطا في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، على ألا تنحصر مناقشاتها في كيفية تضييق الخناق على شبكات تهريب المهاجرين غير الشرعيين، بل أن تشمل البحث في العمق عن أسباب الهجرة وسبل معالجتها، هذا إذا كان المقصود من الحديث عن «نهج جديد لمكافحة الهجرة بقدر أكبر من المشاركة الأوروبية»، هو تحديداً في الوقوف على الأسباب، وإيجاد الحلول الجذرية.
أضف إلى ذلك، أن «الأعداد» التي لا يستهان بها من المهاجرين الذين يتدفقون على السواحل الإيطالية واليونانية، تأتي من دول مثل أفغانستان وسورية والعراق حيث ذهبت العواصم الكبرى مثل واشنطن ولندن وباريس، إلى حد فاق اللعب بالنسيج الاجتماعي لتلك الدول، من خلال إيهام شعوبها بـ «حياة جديدة»، إذا هي انتفضت على الأوضاع القائمة في بلدانها. وكيف يمكن في حينها وضع «ضوابط» لحق اللجوء بالنسبة إلى شعوب انخرطت الدول الكبرى ولا تزال، في عملية تقرير مصيرها؟
من هنا فالإصرار على مجرد إيجاد وسائل لصد تدفق المهاجرين وإعادتهم إلى حيث أتوا، عملية لا ترقى إلى تجاهل الحلول الجذرية فحسب، بل هي محاولة عقيمة تعتبر بمثابة البحث عن سبل لإعادة إلقاء المهاجرين في البحر!
*كاتب صحفي/”الحياة”