مفهوم المواطنة في النظام الديمقراطي

كنت في إحدى الليالي اتصفح كتيب صغير صادر عن برنامج الماجستير في الديمقراطية و حقوق الإنسان في جامعة بيرزيت ، و استوقفني سؤال تحدث عنه الدكتور نصير عاروري الذي قال بان الديمقراطية جاءت لتجيب على سؤال هو :- من الذي يجب أن يحكم ؟ فوقفت عن القراءة لفترة وجيزة قبل أن استشعر ما يحمله هذا السؤال من معنى و ما يحتويه من عناصر ، ففي هذا السؤال نستخلص عنصرين أساسيين هما الحاكم الذي سيحكم والمحكومين الذين سيخضعون للحكم ، وهذين العنصرين يشكلان بطبيعة الحال الشعب أو هيئة المواطنين ، فالحاكم بالتأكيد مواطن من هيئة المواطنين وسيخرج من بينهم ويحكم بناءاً على اختيارهم في ظل عملية ديمقراطية حقيقية ، وكنتيجة منطقية أستطيع القول بان عصب العملية الديمقراطية يتمثل بهيئة المواطنين ، فمن خلالهم تتم العملية الديمقراطية ، واليهم تصب هذه العملية ، وبدونهم لا معنى للديمقراطية ولا يمكن تحقيقها ، فمن خلال هيئة المواطنين يتم اختيار النظام الذي سيحكمهم و اختيار الشخص الذي سيحكمهم و يمثل مصالحهم و من خلالهم تتم المشاركة الفعالة في إدارة الحياة العامة واتخاذ القرارات التي تشكل بجملها المعنى الحقيقي للديمقراطية ، فبدون الاعتراف بهيئة المواطنين وبأهمية دورهم يكون الحديث عن الديمقراطية كما الحديث عن العنقاء ذلك الطير الخيالي و تكون نسيج من الأوهام وشعارات لا يراد بها سوى تحقيق مصالح الفئة الحاكمة و المستفيدة التي تسعى بالدرجة الأولى إلى أن تستمر في حكمها بدون منازع ، لذا فأنا اعتقد بان مفهوم المواطنة الذي تستمد منه هيئة المواطنين في أي مجتمع قوتها ووجودها هو الركيزة الأولى والمبدأ الأساسي لأي نظام يعتبر نفسه ديمقراطياً وبدونه لا تتحقق الديمقراطية بمفهومها الحقيقي .
** فرضية الدراسة :
من خلال ما تقدم أرى بان مفهوم المواطنة الذي يكون هيئة المواطنين هو أساس العملية و لبنتها الأساسية ، ولكن هل يولد الإنسان مواطناً ؟ ومتى يصير الفرد مواطناً مستنيراً ؟ فعلى الرغم من ان المواطنة لا تعتمد على مبادئ عامة و على الرغم من انها لا تحمل معناً واحداً ثابتاً متفقاً عليه ، إلا أنها تحتوي على مبدأ أساسي وعنصر حيوي هو الانتماء الذي لا يمكن أن يتحقق بدون التربية المواطنية ، فهي ضرورية لتحقيق مفهوم ومعنى المواطنة الحقيقية وبدونها يبقى الفرد مواطناً تابعاً ليس اكثر ، فالمواطنة لا تعرف كجوهر بقدر ما تمارس على ارض الواقع فكيف لها أن تتحقق بدون فهم واضح لمعناها وما يترتب عليها ، وبالتالي كيف لها أن تتحقق بدون التربية المواطنية ! و هذا كله يجعلني اسأل سؤالي الأخير و هو عقدة الفرضية ، ما الذي يجعل التربية مهمة لتحقيق المواطنة ؟
أهمية الدراسة :
تنبع أهمية هذه الدراسة من الأهمية الخاصة التي يتمتع بها مفهوم المواطنة الذي يعتبر أساس الديمقراطية ، فطالما ان قلب الديمقراطية تكمن في مشاركة هيئة المواطنين في صنع القرارات الحكومية و طالما ان روح الديمقراطية تكمن في مقدرة المواطنين العاديين على محاسبة مسؤولي الحكومة على أعمالهم . فكيف يمكن حماية قلب الديمقراطية بدون تحقيق و فهم المواطنة داخل المجتمع بشكل حقيقي وفعال ؟
لذلك رأيت أن الحديث عن مفهوم المواطنة يجب أن يسبق الحديث عن الديمقراطية كمفهوم لان الديمقراطية لا يكمن زراعتها في مجتمع ما بدون فهم واضح وتطبيق عملي لمبدأ المواطنة داخل هذا المجتمع ، فكيف يمكن ان تكون هنالك ديمقراطية بدون مواطنين وبالتالي بدون مواطنة؟ فالديمقراطية تصبح حقاً مكتسباً فيما لو تحققت مبادئها داخل المجتمع ، وفي نفس الوقت كيف يمكن الحديث عن مواطنة داخل مجتمع معين بدون فهم حقيقي لما تحمله هذه الكلمة من معنى وما يترتب عليها من حقوق وواجبات وما ينتج عنها من تحقيق لمبادئ أخرى داعمة للديمقراطية مثل الحقوق والحريات المدنية ومبدأ المساواة وغيرها من المبادئ وهنا تبرز أهمية هذه الدراسة .
هدف الدراسة وأسلوبها :
تهدف هذه الدراسة إلى بيان المعنى الحقيقي لمفهوم المواطنة و التعرف على الاساس الذي يعتبر الفرد مواطناً في الدولة ، و الحقوق والواجبات المترتبة على المواطنة و العلاقة بين التربية والمواطنة بحيث يتم التوصل الى فهم واضح للمعنى الحقيقي للمواطنة وترسيخها بداخل النفس وهذا الفهم الواضح للمواطنة سيؤدي بالضرورة إلى أن يكون هنالك مصالحه مع الذات أولا ومصالحه مع الآخرين ثانياً وتحقيق الانتماء الوطني .
سأستخدم في دراستي هذه الأسلوب التحليلي المنطقي الذي آمل آن يؤدي إلى فهم واضح لهذه الدراسة .
– اود أن أشير أنني عندما اتحدث عن الدولة في هذه الدراسة ، انما اقصد بها دولة مستقلة السيادة ، حرة ، قرارها بيدها بدون تدخل اجنبي ولا باي شكل من الأشكال ، فأنا اتفق تماماً مع الدكتور محمد حسنين هيكل عندما قال بان ” ليس هناك ديمقراطية في وطن اذا كان الوطن نفسه يفتقد حريته ” (1)
مخطط الدراسة :
تتكون هذه الدراسة من فصلين ، يتحدث الفصل الأول عن مفهوم المواطنة في النظام الديمقراطي من خلال تعرضه للمحة تاريخية عن مفهوم المواطنة ، و الحديث عن مفهوم المواطنة من خلال تعريف المواطنة و معنى المواطنة وما يترتب عليها والأسس التي تقوم عليها المواطنة و الكيفية التي من خلالها تمنح المواطنة ، الحقوق الأساسية للمواطنة الديمقراطية ، والواجبات الأساسية المترتبة على المواطنة الديمقراطية ، ويتحدث الفصل الثاني عن التربية و علاقتها بتحقيق معنى المواطنة من خلال الحديث عن تعريف التربية المواطنية ، والذي يجعل التربية مهمة لتحقيق المواطنة وشروط التربية المواطنية . يتبع بعد ذلك خلاصة لهذه الدراسة وخاتمة
(1) اشكاليات تعثر التحول الديمقراطي في الوطن العربي / مؤسسة مواطن ص11
تعريف المصطلحات الواردة في الدراسة :
* الديمقراطية : نظرية سياسية تكون بموجبها الحكومة منتخبة من الشعب انتخاباً مباشراً او غير مباشر ، مع إجراء انتخابات حرة بصورة متواصلة ، وتكون الفرصة متاحة امام جميع المواطنين للمشاركة فيها (1)
والنظام الديمقراطي نظام سياسي تكون الفرصة فيه للمشاركة في اتخاذ القرارات السياسية العامة متاحة أمام جميع المواطنين البالغين السن القانونية .
* الدستور : القانون الاسمي الذي يحدد المبادئ الأساسية العامة المتعلقة بالسلطة السياسية و نظام السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وحقوق الدولة والأفراد (2)
* الدولة :- تجمع بشري يقيم على وجه الدوام بنية الاستقرار فوق إقليم معين وتقوم بينهم سلطة سياسية تتولى تنظيم العلاقات داخل هذا المجتمع .كما تتولى تمثيله في مواجهة الآخرين (3)
* القانون :- مجموعة القواعد والأنظمة والتعليمات الصادرة عن الدولة او الهيئات الرسمية لتنظيم العيش ، وتحكم سلوك الأفراد في المجتمع الذين يتعين عليهم احترامها والالتزام بها و الخضوع لها (4)
* قانون الأرض :- وهو القانون الذي يعطي الفرد الحق في الحصول على جنسيته بموجب مكان ولادته بغض النظر عن الجنسية التي يحملها والداه (5)
* قانون الدم :- وهو القانون الذي يعطي الشخص الحق عند الولادة في الحصول على جنسية والده (6)
* التربية :- هي عملية ذات مضمون ومنهج . آما المضمون فهو” المعرفة ” و ” كل ما هو ذو قيمة ” في حين أن المنهج يجب ان يتيح لمتعلم ان يدرك (يفهم ) ما يتعلمه . (7)
* المواطن :- هو الإنسان الذي يستقر بشكل ثابت بداخل الدولة أو يحمل جنسيتها ويكون مشاركاً في الحكم ويخضع للقوانين الصادرة عنها فيتمتع بشكل متساوي مع بقية المواطنين مجموعة من الحقوق ويلتزم بأداء مجموعة من الواجبات اتجاه الدولة .
____________
(1) المدخل إلى النظام السياسي الأردني د. محمد الدجاني د. منذر الدجاني ص441
(2) نفس المرجع السابق ص439
(3) التنظيم الدولي د. محمد سعيد الدقاق ص43
(4) ًالمدخل إلى النظام السياسي الأردني د.محمد الدجاني د. منذر الدجاني ص 444
(5) السياسة نظريات ومفاهيم د. محمد الدجاني د. منذر الدجاني ص 195
(6) نفس المرجع السابق ص195
(7) التربية و الديمقراطية د. رجا بهلول ص 27
الفصل الأول :- مفهوم المواطنة في النظام الديمقراطي
اولاً :- لمحة تاريخية عن مفهوم المواطنة :-
يعتبر تاريخ مفهوم المواطنة قديماً يعود إلي زمن الديمقراطية المباشرة الإغريقية التي تعتبر أساس ديمقراطية عالم اليوم ، حيث يرجع أصل استعمال مفهوم المواطنة الى الحضارتين اليونانية والرومانية ، فقد استعملت الألفاظ civis ( المواطن ) civitas ( المواطنة ) في هاتين الحضارتين لتحديد الوضع القانوني والسياسي للفرد اليوناني والروماني .
كانت الديمقراطية اليونانية القديمة مبنية على أساس أن المدينة تحكم من اجل الأكثرية والحرية هي مبدأ الحياة العامة وكانت الحكومة اليونانية في طابعها دولة مدنية ، وكانت الروابط بين المواطنين فيها وثيقة بدرجة كبيرة بسب القرابة والصداقة والجيرة التي كانت تجمعهم ،واشتراكهم في الحياة العامة اليومية ، وكانت تجمعهم لغة واحدة ودين عام ، و كانت تجمعاتهم ومباحثاتهم تتم في ساحة السوق وبالتالي كان المواطنين يقضون معظم وقتهم في المدنية وهذا كله أدى إلى أن يكون ولاء المواطن اليوناني لدولة المدينة وليس لمجموعة معينة أو لعائلته أو لعشيرته أو لبلدته . كانت المواطنه اليونانية حقاً وراثياً محصوراً في أبناء أثينا من الرجال ولم تكن الإقامة مؤهلاً يعتد به لنيل حق المواطنة فقد استثني من حق المواطنة الغرباء المقيمين والأطفال والنساء والعبيد المحررين وغير المحررين فقد كانوا جميعاً محرومين من الحق في المواطنة لذلك كان عدد المواطنين من سكان اثينا الذين كانوا يبلغون ما بين 300 ألف _ 400 ألف رجل ، كان عدد المواطنين منهم يتراوح ما بين 20 ألف _ 40 ألف رجل فقط كانت المواطنة في الدولة الاثينية اكبر من مجرد حق في الاقتراع فقد كانت مسؤولية تتضمن حق المشاركة في حكم المدينة اليونانية بشكل فعلي ،أو على الأقل حضور الاجتماع الذي كان يعقد في المدينة للتباحث في شؤون الحياة العامة (1)
وبالنظر إلى طبيعة عمل الديمقراطية المباشرة التي كانت سائدة في المجتمع اليوناني القديم نجد ان المواطنين تمتعوا بحقوق عديدة بشكل متساوي ، فكان هنالك مساواة بين المواطنين جميعاً في الحق في المشاركة في عمليات الحكم و الحق في عضوية عدد من الهيئات الحاكمة في المدينة الاثينية وهي جمعية المواطنين و المجلس والمحاكم ، ففي جمعية المواطنين التي كانت تمثل السلطة العليا التي تمثل إرادة الشعب وتقوم ببحث مسائل السياسة الداخلية والخارجية واتخاذ القرارات والإشراف على الإدارة والقضاء ، وكان يحق لكل اثيني رجل تعدى الثلاثين من عمرة – وهو سن الأهلية في ذلك الوقت – أن يحضر الاجتماع وله حرية الكلام فيها والتعبير عما يجول في خاطرة والمناقشة في جدول الأعمال المطروح بكل حرية ، وكذلك في المجلس وهو القوة
(1) الديمقراطية ، دوروثي بيكلس ص 32
التنفيذية أو اللجنة الموجهة ويضع لجمعية المواطنين جدول أعمالها وينظم عملها ويشرف على العمل الإداري وكان يتألف من خمسمائة عضو يختارهم المواطنون سنوياً بالقرعة من أقسام اثينا المختلفة بحسب حجمها ويجب أن يكون العضو اثيني رجل تعدى الثلاثين من عمره ولا يسمح بالخدمة لاكثر من سنتين وأما المحاكم ( هيئة المحلفين ) فقد كانت مؤلفة من ستة آلاف من المواطنين يختارون سنوياً بالقرعة ، هذا بالإضافة إلى عشرة جنرالات تنتخبهم هيئة المواطنين جمعياً لقيادة الجيش والأسطول والأشراف على الدفاع والسياسة الخارجية بصورة عامة ولا يحتلون مناصب مدنية (1 )
مما تقدم نلاحظ انه على الرغم من قصور مفهوم المواطنة على أبناء اثينا من الرجال واستثاء الفئات الأخرى التي تم ذكرها سابقاً وعلى الرغم من عدم تغطية مفهوم المواطنة لبعض الجوانب مثل المساواة الاجتماعية مثلاً ، على الرغم من ذلك كله فقد تحققت المساواة السياسية على قاعدة المواطنة بين من تم اعتبارهم مواطنين حسب مفهوم المواطنة الاثينية ، بمعنى أن المواطنين جميعاً كانت لهم الحقوق والواجبات السياسية نفسها ، والمساواة في تولي الوظائف العامة ، ولم تكن هذه الحقوق مجرد حقوقاً نظرية بل كانت مطبقة بالفعل على ارض الواقع ولم تكن الوظائف السياسية وقفاً على أصحاب الثروات ومالكين الأراضي ، واصحاب المكانه الاجتماعية ، فقد كانت حقاً لابسط مواطن اثيني وعلى الرغم من توفر المساواة السياسية إلا أن المساواة الاجتماعية لم تكن متوفرة بين جميع المواطنين في المجتمع الاثيني القديم ، فكانت هناك طبقات متفاوتة في المجتمع اليوناني هذا بالإضافة الى وجود طبقة العبيد على الرغم من أنه لم يكن هناك عزل اجتماعي بين الأحرار والعبيد .
تطور مفهوم المواطنه في ظل الإمبراطورية الرومانية بعد أن كان حقاً وراثياً لابناء روما وذلك بعد صدور مرسوم إمبراطوري باسم consitutio Antoniniana في سنة 212 ميلادية حيث توسع حق المواطنة بحيث شمل جميع أراضي الإمبراطورية الرومانية واقطارها وحصل سكانها من الذكور باستثناء العبيد على حق المواطنة الرومانية (2) وبعد ذلك تراجع مفهوم المواطنة بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية ، وفي فترة الإقطاع وحتى نهاية العصور الوسطى التي امتدت بين 300_ 1300 ميلادية ، كانت المواطنة في أوربا حقاً محصوراً لما لكي الاراضي وبحسب الوضع الاجتماعي والسياسي للفرد .
تطور مفهوم المواطنة بعد ذلك لتأثره بحدثين مهمين هما إعلان استقلال الولايات المتحدة في عام 1776 ، والمبادئ التي أتت بها الثورة الفرنسية في عام 1789 فكانا نقطة تحول تاريخية في
(1) الديمقراطية ، دوروثي بيكلس ص 36
(2) ما هي المواطنة ، نبيل الصالح ص 17
مفهوم المواطنة من خلال ما جاء به إعلان الاستقلال من ان الناس جميعاً ولدوا متساوين وان لهم حقوقاً أصيلة فيهم منذ خلقهم وان الشعب هو صاحب السيادة وهو ما جاءت به مبادئ الثورة الفرنسية ، فاصبح أساس مفهوم المواطنة مبني على فكرة الشعب صاحب السيادة ، وفكرة وجود حقوق أساسية للفرد كأنسان أولا وكمواطن من أبناء الشعب ثانياً .
بقي مفهوم المواطنة في تطور مستمر خلال القرون السابقة منذ نهاية القرن الثامن عشر الى وقتنا الحاضر ، وكان تطوره متزايداً على اعتبار ان الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة ووجود حقوق أساسية للإنسان فاصبح مفهوم المواطنة حقاً غير منازع فيه ، وامتد ليشمل فئات مواطنين لم تكن تتمتع بحق المواطنة مثل النساء ، فاصبحن يتمتعن بحق المشاركة السياسية في اتخاذ القرارات الجماعية إلا أن ذلك لم يكن إلا في القرن العشرين ففي بريطانيا لم تحصل النساء على حق الانتخاب إلا في عام 1929 وفي فرنسا في عام 1945 . وتعددت أبعاد مفهوم المواطنه فشملت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ولم تقتصر على الجوانب السياسية والقانونية (1).
ثانياً : مفهوم المواطنه :
لتحديد مفهوم المواطنه يجب ان اشير الى :
1- تعريف مفهوم المواطنة . 2. معنى المواطنة وما يترتب عليها .
3.الأسس التي تقوم عليه المواطنة . 4. في كيف تمنح المواطنة .
(1) تعريفات لمفهوم المواطنة :
المواطنة كلمة عربية استحدثت للتعبير بها عند تحديد الوضع الحقوقي والسياسي للفرد في المجتمع ، ففي اللغة المواطنة ( المنزل تقيم به وهو موطن الإنسان ومحله ) حسب ابن منظور في لسان العرب (2) ، فالمواطن حسب هذا التعريف هو الإنسان الذي يستقر في بقعة ارض معينة وينتسب إليها ، أي مكان الإقامة أو الاستقرار أو الولادة أو التربية .
عرفت دائرة المعارف البريطانية المواطنة ( citizenship ) بأنها (علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق في تلك الدولة ، والمواطنة تدل ضمناً على مرتبة من الحرية مع ما يصاحبها من مسؤوليات ، وهي على وجه العموم تسبغ على المواطنة حقوقاً سياسيةً مثل حق الانتخاب وتولي المناصب العامة) .
وعرفت موسوعة الكتاب الدولي المواطنه بانها ( عضوية كاملة في دولة او في بعض وحدات الحكم ، وان المواطنين لديهم بعض الحقوق ، مثل حق التصويت وحق تولي المناصب العامة وكذلك عليهم بعض الواجبات مثل واجب دفع الضرائب والدفاع عن بلدهم )
وعرفت موسوعة كولير الأمريكية بأنها (اكثر أشكال العضوية في جماعة سياسية اكتمالاً ) (3)
(1) المواطنة والديمقراطية في الوطن العربي ، د.علي الكواري ص 117 مجلة المستقبل العربي
(2) المواطنية في التاريخ العربي الإسلامي ، د. هيثم مناع ص 5
(3) المواطنة والديمقراطية في الوطن العربي ، د. علي الكواري ص 118 مجلة المستقبل العربي
لم تُميز موسوعة الكتاب الدولي وموسوعة كولير الأمريكية بين مصطلح المواطنة ومصطلح الجنسية كما فعلت دائرة المعارف البريطانية ، فالجنسية وان كانت مرادفة للمواطنة فهي تعطي امتيازات خاصة مثل الحماية خارج الدولة وبطاقة لتعريف بشخصية الفرد وهوية رسمية له عندما يخرج من حدود بلده . استطيع القول انه من خلال هذه التعريفات اجد ان المواطنة رابطة قانونية قائمة بين الفرد ودولته التي يقيم فيها بشكل ثابت ويتمتع بجنسيتها على اساس جملة من الواجبات والحقوق فهي – أي المواطنه – مجموعة من العلاقات المتبادلة بين الفرد والدولة وبين الأفراد بعضهم ببعض قائمة على اساس ما يسمى بالحقوق والواجبات وهي التي يحددها القانون الأساسي ( الدستور ) وبالطبع في ظل نظام ديمقراطي حقيقي ، هيئة المواطنون أو الشعب هو الذي يقر الدستور باعتباره الوثيقة الأساسية التي بمقتضاها يتم الحكم.
2- في معنى المواطنه وما يترتب عليها : –
أنا اعلم انه لا يمكن الاعتماد على مبادئ عامة محددة لتحديد معنى المواطنه بشكل دقيق فهو مفهوم تاريخي شامل يختلف من زمان لاخر ومن مكان لمكان و يتاثر بالنضج السياسي والرُقي الحضاري للدولة ، فكما شاهدنا في اللمحة التاريخية لهذا المفهوم من انه تأثر عبر العصور السابقة بالتطورات السياسية والاجتماعية والعقائد المختلفة وبقيم الحضارات والأحداث العالمية الكبرى ، فنجد أن معنى المواطنه في العصر الاثيني يختلف عن معنى المواطنة في عصر الإقطاع واختلف كثيراً عبر العصور اللاحقة من حيث توسع نطاقه فاشتمل على فئات لم يكن يعترف بمواطنتها سابقاً ، كما تطورت أبعادها فأصبحت تضم أبعادا اجتماعية واقتصادية وبيئية بالإضافة إلى الأبعاد القانونية والسياسية ، وبالتالي قد تحمل المواطنه اكثر من معنى فقد تحمل معنى تاريخي ديني أو معنى عرقي أو على أساس الجغرافيا السياسية أو غيرها .
إلا أن ذلك كله لا يعني أبداً من انه لا يوجد محتوى اساسي لمعنى المواطنه فمهما اختلفت المعاني لمفهوم المواطنه يبقى هنالك مبدأ اساسي لمعنى المواطنة وهو الانتماء على الرغم من انه هو الآخر يختلف بمعناه من حيث الانتماء إلى الوطن أو الانتماء إلى الموطن الذي يستقر فيه الإنسان أو الانتماء إلى الأمة (1)
فلو رجعنا إلى تعريف كلمة المواطنه فسنجد أن أساسها الموطن وهي بذلك تختلف عن كلمة المواطنية التي اساسها الوطن ، فالموطن هو مكان الاقامة او الاستقرار او الولادة او التربية ، اما الوطن فهو المكان الذي ينتمي اليه الفرد من خلال انتمائه لجماعة هذا الوطن ، وعلى الرغم من أن الفرد في كلتا الحالتين يعتبر مواطناً ومشاركاً ومنتمياً من الناحية الاجتماعية والجغرافية إلا أن مشاركته وانتمائه في الوطن تكون من ناحية اجتماعية سياسية ، وبالتأكيد أن الانتماء للوطن اعمق
(1) نساء ديمقراطيات بدون ديمقراطية ، فادية الفقير ص29 مجلة المستقبل العربي
بكثير من المشاركة كمواطن في الموطن لانه يعتبر نفسه شريكاً وليس تابعاً كما هو الحال في الموطن (1) ، وهذا ما عبر عنه د. هيثم مناع من أن كلمة المواطنة قلما تستعمل ” في الوعي أو اللاوعي الجماعي بالمعنى العميق لها . وغالباً ما انحسر معناها في ذهن القائل والسامع بأبناء هذا الوطن ، اتباع لقادة أو رعايا لسلطان او سفهاء لعمامة ” (2)
ذهبت في إحدى الليالي لزيارة صديق لي قادم من الولايات المتحدة الأمريكية وهو بالطبع يحمل الجنسية الأمريكية ،، فاخبرني عن الأحداث التي حصلت في ولاية نيويورك و عملية التفجيرات بالطائرات التي استهدفت مركز التجارة العالمي بتارخ 11 سبتمبر 2001 وابلغني بانه وفي نفس اليوم واثناء تواجده في محله في نيويورك حضر لطرفه مواطن أمريكي وسأله عن سبب تواجده هنا، وان عليه مغادرة الولايات المتحدة الأمريكية ويعود إلى وطنه ، فقال له صديقي انه مواطن امريكي وان أمريكا هي بلده ويتمتع بجنسيتها ، فقال له أنت لست مواطناً أمريكياً ويجب أن تغادر إلى وطنك وقام بضربه ….، وهنا تدخلت أنا وسألته هل تشعر يا صديقي بالانتماء للولايات المتحدة الأمريكية التي تحمل جنسيتها وانك مواطن أمريكي ، فقال له بالحرف الواحد أنا احمل الجنسية الأمريكية ولكن أنا مواطن فلسطيني ولا اشعر بالانتماء لغير فلسطين .
ما أود توضيحه هنا أن عنصر الانتماء هو المعنى الحقيقي لمفهوم المواطنه وبدونه لا قيمة للمواطنه التي تبقى مجرد جنسية تمنح حقوقاً وتفرض واجبات ولا تعبر إلا عن التابعية ووثيقة سفر لاجتياز الحدود .
على كل الأحوال إذا تحققت المواطنه بمعناها الحقيقي وتوفر عنصر الانتماء _وباعتقادي بأنه يتحقق من خلال التربية المواطنية وهذا ما سأشرحه لاحقاً _ سيترتب على ذلك تضامن اجتماعي بين هيئة مواطني الدولة لان الوضع القانوني للمواطنه سيكون عام ينتج عنه مساواة تامة في الحقوق الممنوحة للمواطنين قانوناً ودستورياً ومساواة في الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين ومساواة في الواجبات والالتزامات المفروضة على المواطنين مقابل الحقوق والخدمات المقدمة لهم ، والمساواة بين المواطنين أمام القانون ، فالشعور بهذه المساواة من قبل المواطنين يوحدهم ويزيد التضامن بينهم ويؤدي إلى الاحترام المتبادل بين المواطنين جميعاً والتحلي بالتسامح ، ويترتب على المواطنه أن تحافظ على حد أدنى من عدم تدخل الدولة في حياة المواطنين وان تسعى دائماً إلى حماية هذا الحد الأدنى من الانتهاك وتوسعه باستمرار أمام الدولة ، بالإضافة إلى ذلك كله سيترتب على تحقيق المواطنه السعي المشترك بين المواطنين نحو تحقيق المصلحة العليا والخير العام الذي يستهدف كافة المواطنين ، فطالما أن انتماء كل مواطن موجه نحو الدولة والمجتمع وليس نحو فئة
(1)في التربية والسياسة ، ناصيف نصار ص15
(2)المواطنه في التاريخ العربي والإسلامي ، د. هيثم مناع ص 6
معينة أو نحو عائلته و عشيرته أو نحو قريته أو بلدته أو غيرها فان ذلك سيؤدي بالضرورة إلى توجيه العمل بشكل جماعي نحو المصلحة المشتركة والخير العام ، بمعنى أن الانتماء والولاء للدولة والمجتمع وليس لغيرها سيؤدي بالضرورة إلى الايمان بالخير العام والمصلحة المشتركة للجميع .
فقديماً في زمن المدينة الاثينية كان ولاء المواطن الاثيني مقصوراً على دولة المدينة فلم تعرف ولاءات وانتماءات لغيرها ، ولا أحد ينكر على الإطلاق بان ديمقراطية اثينا هي الأساس الأصلي لمفهوم الديمقراطية في عالم اليوم .
3- الأسس التي تقوم عليها المواطنه :-
طالما ان مفهوم المواطنة ينطوي على جملة من الحقوق الممنوحة للأفراد وواجبات مفروضة عليهم وطالما أن المعنى الحقيقي للمواطنة يعتمد على انتماء الفرد وولائه لوطنه ، تكون المواطنه في مواجه تنظيم علاقة على مستويين ، المستوى الأول:- العلاقة القائمة بين الأفراد والدولة والمستوى الثاني :- العلاقة القائمة بين الأفراد بعضهم ببعض وهذا يحتم ان تكون المواطنه قائمة على أساسين جوهربين يتمثلان بما يلي :-
(أ) الأساس الأول :-المشاركة في الحكم
يجب ان تكون هذه المشاركة من خلال العملية الديمقراطية التي تقوم على جملة من المعايير تتمثل في المساهمة الفاعلة و التي تعطي الفرصة المناسبة لكل مواطن للتعبير والمشاركة عن رغباته وآماله وطرح الاسئلة على جدول الأعمال و التعبير عن الأسباب التي دفعته إلى إقرار نتيجة معينة ، والمساواة في الاقتراع في المرحلة الحاسمة و هي مرحلة اتخاذ القرارات وان يتوفر لكل مواطن الحق في اكتساب المعلومات بشكل يمكنه من فهم الأمور المراد اتخاذ القرار بشانها بحيث يتكون عنده الفهم المستنير ، وان يكون هنالك سيطرة نهائية من قبل المواطنين على جدول الاعمال بحيث تتوفر لهم الفرصة لاتخاذ القرار حول الكيفية التي يتم بموجبها وضع القضايا على جدول الاعمال التي يراد اصدار قرار بخصوصها عن طريق العملية الديمقراطية (1).
فهذه المعايير هي التي تشكل العملية الديمقراطية و التي من خلالها يستطيع المواطن المشاركة في الحكم وبدون هذه المشاركة تصبح المواطنه شكلية لا اساس لها وغير مطبقة على ارض الواقع بشكل فعلي .
(1) الديمقراطية وقادها ، روبرت دال ص 187
كنتيجة منطقية من ان المشاركة في الحكم يجب ان تكون من خلال العملية الديمقراطية تعني بالضرورة زوال حكم الفرد او القلة والاعتراف بهيئة المواطنين على اعتبار ان الشعب هو مصدر السلطات وفق شرعية دستور ديمقراطي . ولكن ممن تتكون هيئة المواطنين التي يحق لها المشاركة في الحكم ؟ هل تشمل كل الشعب بما فيهم الاطفال والمقيمون بشكل مؤقت والمواطنين المصابين بإعاقات عقلية ؟ هل هنالك شروط معينة يجب ان تتوفر في المواطن المتمتع بجنسية الدولة ليستطيع الانضمام الى هيئة المواطنين التي تشارك في الحكم ؟.
بالتاكيد ان الاهلية القانونية والعقلية مطلوبة وضرورية وتعتبر شرط اساسي في المواطن المشارك في الحكم فالاطفال غير مؤهلين لحكم انفسهم او مجتعهم حتى يبلغوا السن القانوني الذي تقره الدولة – أي الاهلية القانونية – وهذا السن يختلف من دولة الى اخرى ومن مجتمع لآخر ومن زمن الى اخر فنجد قديماً في زمن اثينا ان السن المطلوب يجب أن يتعدى الثلاثين من العمر وفي دول نجد ان العمر المطلوب يجب ان يتعدى الثامنة عشر في حين في بعض الدول يجب ان يتعدى الحادية والعشرون ، وكذلك لا يعتبر المواطن الذي يثبت انه مصاب بتخلف عقلي من ضمن هيئة المواطنين التي تشارك في الحكم لانه غير مؤهل من الناحية العقلية والادراكية وبالتالي غير مؤهل لحكم نفسه او مجتمعه ، وكذلك المقيم المؤقت في الدولة مثل العامل والمسافر والسائح وغيره لا يعتبر عضواً في هيئة المواطنين فهو غير ملزم بجميع الواجبات المفروضة على المواطنين ولا يتمتع بكل الحقوق الممنوحة لهم وكما يقول روبرت دال : ” لا بد لهيئات المواطنين (الديموس ) من ان تشمل كافة البالغين من اعضاء التجمع باستثناء العابرين ومن يثبت انهم متخلفون عقلياً “(1)
وبالتالي فان هيئة المواطنين التي يحق لها المشاركة في الحكم هي عبارة عن كل الافراد البالغين من اعضاء المجتمع باستثناء المقيمين بشكل مؤقت ومن يثبت انهم انهم متخلفون عقلياً .
(ب) المساواة بين جميع المواطنين :
فلا بد من الايمان بالمساواة بين جميع المواطنين واعتبار جميع السكان الذين يتمتعون بجنسية الدولة او الذين يقيمون بشكل دائم على ارض الدولة وليس لهم في الحقيقة وطن غيرها _ ولكنهم لا يتمتعون بجنسية الدولة _ مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات ، يتمتع كل فرد منهم بحقوق والتزامات مدنية وقانونية واجتماعية واقتصادية وبيئية متساوية ، بالاضافة الى المساواة بين المواطنين امام القانون كل ذلك بدون الأخذ بعين الاعتبار الوضع الاجتماعي او المركز الاقتصادي او العقيدة السياسية او العرق او الدين او الجنس او غيرها من الاعتبارات (2)
(1) الديمقراطية ونقادها ، روبرت دال ص 222
(2) المدخل الى النظام السياسي الأردني ، د. محمد الدجاني ، د. منذر الدجاني ص 266
فتحقيق مفهوم المواطنة ومعناها مرتبط بشكل وثيق بالأساسين السابقين ، فبتحقيق هذين الأساسين يتحقق انتماء المواطن وولاؤه لوطنه وتفاعله الإيجابي مع مواطنيه ، نتيجة القدرة على المشاركة الفعلية والشعور بالإنصاف وارتفاع الروح الوطنية لديه عند أداء واجباته في الدفاع عن الوطن ودفع الضرائب واطاعة القوانين والأنظمة ، مما لا شك فيه انه من الضروري أن يكون هذين الأساسين منصوص عليهما بشكل واضح لا يحتمل التأويل في دستور ديمقراطي مرتكز على مبادئ ديمقراطية قائمة على أساس أن الشعب مصدر السلطات ، وسيطرة أحكام القانون والمساواة أمامه ، وعدم الجمع بين أي من السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية في يد شخص أو جهة واحدة ، وضمان الحقوق والحريات العامة دستورياً وقانونياً ومجتمعياً من خلال تنمية قدرة الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني على الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان ، وتداول السلطة بشكل سلمي ودوري وفق انتخابات عامة حرة نزيهة تحت إشراف قضائي مستقل .
4- في كيف تمنح المواطنة :
تختلف عملية منح المواطنة من دولة الى اخرى بحسب القوانين او الدستور المعمول بها او به بداخل الدولة ، فهنالك عدة اسس لمنح المواطنة اهمها ما يلي :
الاساس الاول : قرابة الدم او ما يسمىبقانون الدم وهو الذي يعطي حق المواطنة للفرد بناءاً على مواطنة والديه فهو حق وراثي .
الاساس الثاني : مكان الولادة أو ما يسمى بقانون الأرض وهو الذي يعطي حق المواطنة للفرد بحسب مكان ولادته بغض النظر عن مواطنة الوالدين . (1)
الاساس الثالث : اكتساب المواطنة بالهجرة او ما يسمى بقانون الهجرة والذي تعتمده العديد من الدول ، فيحصل الفرد على مواطنة هذه الدوله التي يهاجر اليها اذا توفرت فيه شروط الهجرة المطلوبة وتمت الموافقة عليه من قبل الدولة ، وفي بعض الدول التي تتعامل بقانون الهجرة تدخل فيه اعتبارات تاريخية دينية عنصرية مثل دولة اسرائيل ، فاليهودي يصبح مواطناً بالفعل بمجرد الهجرة الى دولة اسرائيل وتوقيع بعض الاوراق الرسمية بحسب قانون العودة الذي لا يسري الا على اليهود فقط ، فحق العودة حق ديني مصدره الانتماء الى الدين اليهودي ، وحق تاريخي مصدره الانتماء الى الشعب اليهودي ، في حين نجد ان الفلسطينيين ( عرب اسرائيل ) المقيمين بشكل ثابت ودائم وقديم في دولة اسرائيل لا يعتبرون مواطنين بالمعنى الدقيق للمواطنة . (2)
ثالثاً : الحقوق الاساسية للمواطنة الديمقراطية :
يترتب على المواطنة الديمقراطية ثلاثة انواع رئيسية من الحقوق والحريات التي يجب ان يتمتع
(1) السياسة نظريات ومفاهيم ، د. محمد الدجاني ، د. منذر الدجاني ص195.
(2) المواطنة الديمقراطية والعرب في اسرائيل ، د. سعيد زيداني ص46 ، مجلة الدراسات الفلسطينية.
بها جميع مواطني الدولة دونما تميز من اي نوع ولا سيما التميز بسبب العنصر او اللون او الجنس ، او اللغة ، او اي وضع آخر (1) ، وهذه الحقوق كما يلي :
1- الحقوق المدنية :
وهي مجموعة من الحقوق تتمثل في حق المواطن في الحياة وعدم اخضاعه للتعذيب ولا للمعاملة او العقوبة القاسية او اللاانسانية او الحاطة بالكرامة وعدم اجراء اية تجربة طبية او علمية على اي مواطن دون رضاه ، وعدم استرقاق احد او اخضاعه للعبودية وعدم اكراه احد على السخرة أو العمل الإلزامي ، والاعتراف بحرية كل مواطن طالما لا تخالف القوانين ولا تتعارض مع حرية الآخرين ، وحق كل مواطن في الامان على شخصه وعدم اعتقاله او توقيفه تعسفاً ، وحق كل مواطن في الملكية الخاصة ، وحقه في حرية التنقل وحرية اختيار مكان اقامته داخل حدود الدولة ومغادرتها والعودة اليها وحق كل مواطن في المساواة امام القانون ، وحقه في ان يعترف له بالشخصية القانونية وعدم التدخل في خصوصية المواطن او شؤون اسرته او بيته او مراسلاته ولا لاي حملات غير قانونية تمس شرفه او سمعته وحق كل مواطن في حماية القانون له ، وحق التعاقد لكل مواطن في الدولة ، وحقه في حرية الفكر ، والوجدان والدين واعتناق الآراء وحرية التعبير وفق النظام والقانون ، و حق كل طفل في اكتساب جنسيته .(2)
2- الحقوق السياسية :
وتتمثل هذه الحقوق بحق الانتخابات في السلطة التشريعية والسلطات المحلية والبلديات والترشيح ، وحق كل مواطن بالعضوية في الاحزاب وتنظيم حركات وجمعيات ومحاولة التأثير على القرار السياسي وشكل اتخاذه من خلال الحصول على المعلومات ضمن القانون والحق في تقلد الوظائف العامة في الدولة والحق في التجمع السلمي . (3)
3- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية :-
وتتمثل الحقوق الاقتصادية اساساً بحق كل مواطن في العمل و الحق في العمل في ظروف منصفه والحرية النقابية من حيث تكوين النقابات والانضمام إليها والحق في الإضراب ، وتتمثل الحقوق الاجتماعية بحق كل مواطن بحد أدنى من الرفاه الاجتماعي والاقتصادي وتوفير الحماية الاجتماعية والحق في الرعاية الصحية والحق في الغذاء الكافي والحق في التامين الاجتماعي والحق في المسكن والحق في المساعدة والحق في التنمية والحق في بيئة نظيفه والحق في خدمات كافيه لكل مواطن ، وتتمثل الحقوق الثقافيه بحق كل مواطن بالتعليم والثقافة(4)
(1) الشرعة الدولية لحقوق الانسان /الاعلان العالمي لحقوق الانسان / جمعية القانون ص10 .
(2) نفس المرجع ص 19 .
(3) نفس المرجع ص 25 .
(4) نفس المرجع ص39 .
مما تقدم نلاحظ أن هناك جملة من الواجبات الملقاه على عائق الدولة تتمثل بحقوق المواطنين المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تمنح لهم من خلال مواطنتهم ولما يترتب على المواطنين من واجبات اتجاه دولتهم .
رابعاً:- الواجبات الأساسية للمواطنه الديمقراطية:-
تعتبر الواجبات المترتبة على المواطنه نتيجة منطقية وامراً مقبولاً في ظل نظام ديمقراطي حقيقي يوفر الحقوق والحريات الأساسية المترتبة على المواطنه لجميع المواطنين و بشكل متساوي ، فمقابل هذه الحقوق تظهر هذه الواجبات التي يجب أن يؤديها المواطنين أيضا بشكل متساوي بين الجميع وبدون تمييز لأي سبب من الأسباب التي تم ذكرها سابقاً فهي علاقة تبادلية والهدف منها هو مصلحة الفرد والدولة وتحسين الأوضاع في المجتمع وتطويره نحو الأفضل وهذه الواجبات قد ينص عليها القانون وبالتالي تتحدد بشكل رسمي وقد تكون هذه الواجبات مفهومة ضمنياً للمواطن فيلتزم بها .
تتمثل هذه الواجبات بما يلي :-
1-واجب دفع الضرائب للدولة :- فالمواطن عندما يلتزم بهذا الواجب يكون بالضرورة مساهماً في اقتصاد الدولة ، وبالتأكيد ان هذا الدعم في النهاية يعود إليه على شكل خدمات وحقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية فالضمان الاجتماعي مثلا تستطيع الدولة توفيره من خلال هذه الضرائب التي تعد أحد الموارد الأساسية للدولة وبالتالي فهي ضرورية لاستمرارية الدولة والمجتمع.
2-واجب إطاعة القوانين :- فطالما أن القوانين تشرع عن طريق السلطة التي يقرها الشعب والمخولة بذلك قانوناً وطالما أن هذه القوانين ستطبق على الجميع بشكل متساوي بدون تمييز ، فالأمر الطبيعي أن يقوم المواطن باحترام هذه القوانين التي تحقق بدورها الأمن والنظام والحماية المطلوبة وستؤدي إطاعة القوانين إلى تحقيق المساواة والديمقراطية وتحقيق التكافل الاجتماعي بين جميع المواطنين في الدولة .
3-واجب الدفاع عن الدولة :
-وهو ما يسمى بواجب الخدمة العسكرية او خدمة العلم فهو واجب مطلوب من كل مواطن اذا طُلب منه التجنيد فهو بهذا الواجب يشارك بالدفاع عن وطنه و مواطنيه في حالات النزاع او الحرب وهو واجب منطقي لانه سيدافع عن دوله حققت له مواطنته ، من خلال ما وفرت له من حقوق وحريات وخدمات ، وسمحت له بالمشاركة في الحكم ، بالإضافة إلى الشعور بالأنصاف من خلال تحقيق مبدأ المساواة بين أفراد شعبه مما يشكل بداخله ما يسمى بالانتماء الوطني (1)
(1)ما هي المواطنة ، نبيل الصالح ص12
الفصل الثاني : التربية وعلاقتها بتحقيق معنى المواطنه :
اولاً : تعريف التربية المواطنية :-
أرى لزاماً علي قبل البدء بتعريف التربية المواطنية ، ان اعرف المواطن الذي ستدور التربية المواطنية حول مفهومه ، فالمواطن هو الانسان الذي يستقر بشكل ثابت في بقعة ارض معينة وينتسب وينتمي اليها .
اما التربية المواطنية فيعنيها ناصيف نصار في كتابه التربية والسياسة بانها : ” تدل على مجموعة مواد ونشاطات من شانها ان تغذي الوعي الوطني والالتزام الوطني والعمل الوطني بطبيعة مضمونها وموضوعها و تشكيل المواطن وتنميته انطلاقاً من تصور فلسفي معين لماهية المواطن ومن واقع التجربة في حياة الجماعة الوطنية ووجودها السياسي (1)”
فالتربية المواطنية انطلاقاً من هذا التعريف مدارها المواطن واهتمامها الأساسي به فيريد ناصيف نصار من خلال التربية المواطنية تكوين المواطن واعداده وتنميته من حيث وعيه والتزامه وعمله الوطني وذلك من خلال مضمون مجموعة مواد ونشاطات ، وكأنه بذلك يقول بان الفرد لا يصبح مواطناً بدون هذه التربية فالتربية المواطنية تفتح مدارك تفكير المواطن وتؤدي بالضرورة الى خلق روح الانتماء الوطني بداخله وهي روح المواطنه وجوهرها _ وهذا ما سأشرحه بعد قليل _ طبعاً بالتاكيد ان ذلك لن يحدث اذا لم تكن هذه التربية مصوبه نحو هدفها الاساسي وهو المواطن وخلق روح الانتماء الوطني بداخله فمن الممكن ان تكون التربية مصوبه نحو هدف السلطة الحاكمة المتمثل بتحقيق مصالحها الشخصية .
ثانياً : ما الذي يجعل التربية مهمة لتحقيق المواطنه ؟
لا استطيع الاكتفاء بهذا السؤال ، فهل يولد الانسان مواطناً ؟ واذا كان ذلك صحيحاً فكيف يمكن للفرد ان يصبح مواطناً مستنيراً اذا لم يفهم معنىالمواطنه ، ولم يعرف ما له وما عليه من حقوق وواجبات ولو افترضت جدلاً بانه عرف ما له وما عليه من الحقوق والواجبات فما هو تفسير ان هذا المواطن لا يطالب بحقوقه ويتهرب من واجباته ؟ انا اعلم تماماً بان هناك فرقاً وفجوة كبيرة بين العلم بالشيء وتطبيقه على ارض الواقع فلا يكفي على الاطلاق ان يعرف المواطنين مبادئ المواطنه ومعناها الحقيقي وما يترتب عليها من حقوق وواجبات بل ايضاً يجب ان يقوم هؤلاء المواطنون بالممارسة العملية بالفعل على ارض الواقع لمعنى المواطنة وهذا يجب ان يكون بشكل جماعي باهتمام الجميع فلماذا لم يحصل ذلك على الرغم من وجود المعرفة اذا كانت قد وجدت اصلاً ؟!
(1)في التربية والسياسة ، ناصيف نصار ص18 .
اسئلة كثيرة جوابها يتمثل في ان عنصر الانتماء الوطني لم يتحقق بعد ، فهذا المواطن الذي تكونت لديهم العرفة والدراية بماهية المواطنة لم يتكون لديه عنصر الانتماء الوطني ليدفعه للمطالبة بحقوقه واداء التزاماته اتجاه دولته فهذا الشعور الذي يجب ان يزرع بداخل المواطن لم يزرع وبالتالي لم يتحقق الانتماء ، ولكن لحظة ، لماذا لم يتحقق ؟ بالتاكيد لان هذا المواطن لم يُعد ولم يشكل ولم يغذي وعيه والتزامه وعمله الوطني بمجموعة مواد ونشاطات تهدف الى تنمية وتحقيق شعور المواطنه بداخله وهذا ما اسميه بالتربية المواطنيه ، وقد يسأل سائل ما الذي يؤكد بان التربية هي التي تخلق هذا الشعور بالانتماء الوطني ؟ هذا السؤال مهم والاجابة عليه بسيطة من ان وظيفة التربية الفعلية هي تحقيق هذا الشعور وهذا ما ساثبته من خلال شرحي للأسس التي تقوم عليها وظيفة التربية الفعلية فالوظيفة الفعلية للتربية تقوم على اساسين هما:
الأساس الأول :- تحقيق المعرفة لدى الفرد المتعلم :-
يقول الدكتور رجا بهلول في كتابه ” التربية والديمقراطية ” ( إن كل مجتمع يسعى جاهداً لإعادة “خلق للنفس ” في كل عضو جديد ينضم اليه . وليس هناك من اسم افضل لتلك العملية المؤديه الى هذه الغاية من ” التربية ” ) (1) ويكمل حديثه بعد ذلك بانه ( المضمون التربوي يتكون اساساً من “معارف ” و” قيم ” ) .
فهذا العضو الجديد بحسب راي الدكتور رجا بهلول يتم اعادة خلق نفسه من قبل الجتمع من خلال هذه المعارف والقيم التي سيتم ايصالها لهذا العضو من خلال عملية التربية ، أي بمعنى تحقيق الجانب المعرفي لدى الفرد المنتسب لهذا المجتمع او لهذه الدولة ، فالتربية بمفهومها الوظيفي تسعى لتحقيق هذا الجانب لدى الافراد في داخل المجتمع ، ولكن ما المقصود بالمعرفة ؟ يميز الدكتور رجا بهلول بين المعارف والقيم فيعرف مصطلح المعارف بانه ( مجموع المفاهيم و المعتقدات التي يحاول الناس من خلالها فهم انفسهم والعالم المحيط بهم ، وتشتمل على النظريات العلمية والمعتقدات الدينية والفلسفية وما يدعى احياناً بـ ” الحس السليم ” )(2) و يتابع الدكتور رجا قوله بانه ” لا ضير في ادراج مهارات من انواع مختلفة مثل المهارات اللغوية والمهنية وغيرها ضمن اطار ما نسمية بـ” “المعارف ” ، طالما انها امور يكمن ادراكها وفهمها ( تعلمها ) دون ان يكون هناك ضرورة للمشاركة العاطفية من قبل التلميذ ( موضوع العملية التربوية ) ” فالدكتور رجا لا يرى ضرورة للمشاركة العاطفية من قبل الفرد لتحقيق الفهم والادراك لهذه المعارف بمعنى ان المهم في الموضوع هو الادراك العقلي بشكل مجرد عن أي عاطفة ، وهذا ما يميز المعارف عن القيم التي لا بد ان يرافقها مشاركة عاطفية وتعتبر ضرورية لتحقيقها ، ولكن ما
(1) التربية والديمقراطية د. رجا بهلول ص31
(2) نفس المرجع ص32
اريد ان اساله هل المواطنه تعتبر من ضمن المعارف ام من ضمن القيم ؟ على ما اعتقد انها تعتبر من المعارف لانه حسب تعرف الدكتور بهلول ، استطيع القول بان النظرية الديمقراطيه تعتبر من المعارف وكنتيجة منطقية تكون المواطنه من هذا التصنيف كون المواطنة المبدأ الاساسي لهذه النظرية الديمقراطية ، على كل الاحوال ما اريد ان أسأله هو هل أن التربية على المواطنه تتحقق بمجرد وصول هذه المعارف والقيم الى المتعلم ؟ بمعنى هل الوظيفة الفعلية للتربية تكون قد اكتملت بمجرد إيصال المعرفة للفرد وبالتالي تتحقق التربية المواطنيه ؟، بالتاكيد لا فهنالك شعور ما يجب ان يتكون لدى الفرد المتعلم ليتكون لديه الانتماء الوطني وهو المعنى الحقيقي للمواطنه واساس تحقيقها ، هذا الشعور ما اسميه بالاساس الثاني والمهم الذي تقوم عليه الوظيفة الفعلية للتربية .
الاساس الثاني : خلق الرغبة والشعور في نفس الفرد المتعلم :
يعرف افلاطون التربية في كتابه القوانين فيقول “……اعني بـ” التربية ” ذلك التدريب الذي يمنح للقدرات الطبيعية للفضيلة في الاطفال ، وذلك بواسطة غرس العادات المناسبة عندهم … لكن التدريب … الذي يقودك دائما لتكره الشيء الذي يجب ان تكرهه وتحب الشيء الذي يجب ان تحبه من بداية الحياة الى نهايتها ، سوف ندعوه ” تربية بحق ” (1) اذا كان هذا ما يسميه افلاطون بالتربية _ مع تحفظي على هذا التعريف فيما يتعلق بالشيء الذي يجب ان يكره او يحب _ من غرس العادات المناسبة عند الافراد فتبقى بداخلهم من بداية حياتهم حتى مماتهم فكيف يمكن ان يتحقق ذلك ؟ كيف يمكن ان تربى على كره شيء او على حب شيء ؟ اعتقد ان ذلك من الممكن جداً ان يحدث عن طريق ما اسميه بذلك الشعور الداخلي العميق المزروع بداخل النفس والذي يبقى يعيش بداخل روح الفرد طالما لا يزال فيه عرق ينبض بالحياة . فهذه هي روح الوظيفة التربوية التي تقوم بخلق هذا الشعور في نفس الفرد المتعلم ، فبهذا الشعور الذي يزرع بداخله مع ما تلقاه من الجانب المعرفي تتحقق الوظيفة الفعلية للتربية ويتحقق الانتماء .
اذن باعتقادي بان الوظيفة الفعلية للتربية تقوم على هذين الاساسين ، وبالمقابل وبما ان التربية المواطنيه او التربية على المواطنه هي جزء من التربية بشكل عام ، فان وظيفة التربية المواطنيه الفعلية تقوم ايضاً على هذين الاساسين ، فمطلوب من التربية المواطنيه _ التي ساتناول شروطها بعد قليل _ ان تقوم بايصال وتحقيق المعرفة الخاصة بالمواطنه لدى الافراد ومطلوب منها ان تخلق ذلك الشعور في نفوس الافراد ، فبهذه المعرفة وبهذا الشعور يتولد عنصر الانتماء الوطني لدى الافراد وهو المعنى الحقيقي للمواطنه ، وبذلك فقط نستطيع ان نقول ان وظيفة التربية المواطنيه الفعلية قد تحققت ومن خلالها تحقق مفهوم المواطنه على ارض الواقع .
(1)التربية والديمقراطية ، رجا بهلول ص24 .
نستخلص مما ذكر ان التربية مهمة لتحقيق مفهوم المواطنه على ارض الواقع في ظل نظام ديمقراطي ، وهي ما تسمى بالتربية المواطنيه ، لانها تقوم بايصال المعرفة للافراد حول مفهوم المواطنه ومعناها الحقيقي وما يترتب عليها من حقوق وواجبات للافراد وللدولة ، و كل ما يتعلق بهذا المفهوم ، كما تقوم هذه التربية بغرس ذلك الشعور في داخل نفس الفرد المتلقي للمعرفة الخاصة بالمواطنة مما يشكل بداخل الفرد المتعلم عنصر الانتماء الوطني وهذا الأخير هو المعنى الحقيقي للمواطنه والذي يؤدي إلى تطبيقها بكل تأكيد على ارض الواقع فهي نتيجة منطقية ، لذلك صحيح أن الإنسان يولد وهو يتمتع بمواطنه دولته أي بجنسيتها إلا انه لا يصبح مواطناً مستنيراً حقيقياً بدون هذه التربية المواطنيه .
فهذه التربية هي التي تهيئ وتعد وتنمي الفرد لتمكنه من الاندماج في النظام السياسي وهي الوسيلة التي من خلالها – كما يقول الدكتور رجا بهلول – يتمكن المجتمع من أن يستمر في الوجود . (1)
ثالثاً : شروط التربية المواطنية :
يقول ارسطو “…لكل نظام حكم نمط محدد من الشخصية يتكون على أساسه في الأصل ، ويقوم هذا النمط المحدد بالمحافظة على ذلك النظام . فالشخصية الديمقراطية تخلق النظام الديمقراطي كما أن الشخصية الاوليغاركية تخلق النظام الاوليغاركي . وفي كل الأحوال ، كلما كانت الشخصية افضل ، كلما كان نظام الحكم افضل ” .(2)
الأفراد هم محور الشخصية التي يتكلم عنها ارسطو ، و التربية كما شرحناها سابقاً هي التي تعد الافراد وتقوم بتهيئتهم وايصال المعارف والقيم اليهم ، وبالتالي فالتربية هي التي تخلق هذه الشخصية التي تحدث عنها أرسطو وهي التي تشكلها فقد تكون شخصية ديمقراطية أو شخصية أوليغاركية او شخصية ديكتاتورية او شخصية تحترم المواطنة وبالتالي تخلق نظاماً يقال بأنه نظام يحترم المواطنة والعكس صحيح ، كل ذلك بحسب التربية ، لذلك يجب ان نحدد شروط التربية المواطنية الفعلية بحيث تؤدي بالضرورة الى تشكيل شخصية افضل ليتكون لدينا نظام حكم افضل يحترم المواطنة ويقوم بتحقيقها على ارض الواقع .
وهذه الشروط تتمثل بمجموعة من الافكار تحدث عنها ناصيف نصار في كتابه في التربية و السياسة (3) وهي كما يلي :-
(1) التربية والديمقراطية ، رجا بهلول ص 34 .
(2) نفس المرجع ص70 .
(3) في التربية والسياسة ، ناصيف نصار ص 48 .
1) التربية المواطنية عملية تربوية نضالية مستمرة :
فهي عملية تأخذ جانب النضال من جهة وجانب الاستمرارية من جهة أخرى ، فهي عملية نضالية تسعى وتهدف لان تعترف الدولة والنظام بهذه المواطنه فإذا تم هذا الاعتراف دستورياً بشكل واضح بدون تناقض ، فأننا ننتقل إلى جانب الاستمرارية وهذا الجانب مهم لانه من خلاله سيتم ترسيخ وتحسين الممارسة الفعلية العملية للمواطنيه وهذا ما نسعى إليه اصلاً من التربية المواطنية أن تتم هذه الممارسة الفعلية للمواطنيه على ارض الواقع من خلال مؤسسات الدولة والمواطنين. سأقوم بتوضيح هذه النقطة بمثال ، فالفلسطينيون (عرب 1948 ) لا يعترف بهم كمواطنين في الدولة إسرائيل فيقول د. عزمي بشارة في كتابه الخطاب السياسي المبتور ” فالفلسطينيون مواطنو دولة إسرائيل ، إذا هم مواطنو دولة تعلن نفسها أنها ليست دولتهم ، وهي في الوقت نفسه دولة أناس كثيرين ليسوا مواطنيها ” (1) أي بمعنى أن هذه الدولة لا تعترف بمواطنه الفلسطينيين فيها وأنها دولة لليهود فقط ،فيجب أن تكون عملية التربية المواطنيه فيها عملية نضالية تسعى وتهدف لان تقر هذه الدولة بمواطنه الفلسطينيين المقيمين بداخلها كأقلية قومية ، وان يكون هذا الاعتراف دستورياً وبشكل واضح خالي من أي تناقض أو نقص أو تميز ، فتكون هذه الخطوة الدستورية هي الخطوة الأساسية الأولى على طريق التربية المواطنيه التي يجب أن يتبعها ممارسة فعلية لهذه المواطنه على ارض الواقع من خلال مؤسسات الدولة وجميع مواطني الدولة ، وقد يقول احدهم ان دولة اسرائيل دولة احتلال فكيف يمكن ان تقر بمواطنة هؤلاء الفلسطينيون الضعفاء فأقول له اذا لم تبادر بما لديك من حق فسيبادر غيرك بما لديه من باطل ، فالفلسطينيون اصحاب حق ، هذا بالاضافة الى انه لا يحصل اي تغير على صعيد النظام السياسي الاجتماعي الا اذا حصل تغير على صعيد الافراد . (2)
2) يجب على التربية المواطنية أن تعمل على تغليب الانتماء الى الوطن – اي الى الجماعة الوطنية ودولتها الوطنية – على اي انتماء سياسي آخر .
ولكن هل معنى ذلك ان هذه التربية المواطنية ستكون باتجاه الدولة وتصب فيها ؟ بالتأكيد نعم ، فاذا كانت هذه الدولة وطنية – بمعنى ان الوطن والمواطن اهتمامها الاول – وكانت تستطيع بالفعل ان تعامل اعضائها كجماعة مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات ، وقادرة على تطبيق المواطنة على اصولها ، فيجب ان تكون هذه التربية المواطنية تصب باتجاه هذه الدولة الوطنية فلا يجوز ان يقدم الانتماء او الولاء السياسي لاي سلطة جزئية في الدولة على الانتماء او الولاء لسلطة الدولة نفسها ، وهذا ما شاهدناه قديماً في المدينة الاثينية حيث كان انتماء المواطنين اليونانيين فيها موجهاً
(1) الخطاب السياسي المبتور ، د. عزمي بشارة ص 17 .
(2) التربية و الديمقراطية ، رجا بهلول ص 79 .
لدولة المدينة لأنها بالفعل كانت تعاملهم كجماعة مواطنين وبالتالي كان الامر طبيعياً ان نجد هذا الولاء والانتماء من المواطن الاثيني لدولة المدينة وليس سواها .
اما اذا كانت الدولة تعامل اعضائها كجماعة عبيد او لم تكن تعترف بمواطنتهم المتساوية ، فبالتأكيد ان هذا الانتماء المطلوب من التربية المواطنية لن يكون متجهاً الى الدولة بل سيكون متجهاً لمطالبة الدولة بان تعاملهم كمواطنين .
3) يجب على التربية المواطنية ان تنظر الى اعضاء الدولة على اساس انهم كائنات عاقلة وحرة.
فالانسان كما يقول د. رجا بهلول ليس مجرد جسد ولا المجتمع مجرد مجموعة من الاجساد (1) ، فهو يمتلك عقلاً يستطيع من خلاله تحديد ومعرفة المصلحة العامة والالتزام بالقوانين والتفكير بالحقوق وتحمل المسؤوليات ، وعليه فانه من المفروض ان يكون نظام الحقوق والواجبات التي تربط المواطنين بالدولة والدولة بالمواطنين من صنع هؤلاء المواطنين العقلاء الذين يتمتعون بارادة حرة . فالتربية المواطنية بما انها تتعامل مع افراد عقلاء واحرار ، فمطلوب منها أن تربي الافراد على تحمل المسؤولية السياسية والمشاركة في بناء نظام الحقوق والواجبات المتبادلة بين الدولة واعضائها ، فلو افترضت جدلاً ان هذه التربية تتعامل مع اشخاص متخلفين عقلياً أو عبيداً يتلقون اوامرهم من اسيادهم ، فالامر الطبيعي ان لا يطلب منهم تحمل المسؤولية السياسية والمشاركة في الحكم وسيبحث عن بديل لهم لتحمل هذه المسؤولية عنهم .
فمطلوب من التربية المواطنية ان تربي على تحمل المسؤولية السياسية والمشاركة الفعالة ، خصوصاً ان الناس في العادة يفضلون الاذعان السلبي على الموافقة الفعالة ويرفضون قبول مسؤوليات المشاركة ، فالناس عديموا المبالاة سياسياً (2) ، وبالتالي فمطلوب من التربية ان تنمي فيهم روح المسؤولية والمشاركة المطلوبة .
4) يجب على التربية المواطنية ان تنظر الى جميع اعضاء الدولة على اساس انهم متساوون امام القانون .
ولكن بدايةً يجب تحديد من هو المواطن ، فاذا تم تحديده ، فيجب التعامل مع هؤلاء المواطنين على اساس المساواة بينهم امام القانون لان ذلك يحقق العدل ويحقق وحدة الجماعة الوطنية فعندما يكون هناك قانون واحد يخضع له جميع المواطنين بدون التمييز فيما بينهم على اساس الوضع السياسي او الوضع الاجتماعي او المركز الاقتصادي او بسبب العرق او الدين او الجنس او غيرها . (3) فان ذلك يعني ان هنالك عدلاً قد تحقق ، فالغني والفقير ، والمسلم والمسيحي ، والرجل والمرأة ، والمدير العام والفراش ، يخضعون لنفس القانون ومتساوين امامه فهم بذلك مشتركين في حياة
(1) التربية و الديمقراطية ، د. رجا بهلول ص37 .
(2) الديمقراطية ، دوروثي بيكلس ص17 .
(3) المدخل الى النظام السياسي الاردني ، د. محمد الدجاني ، د. منذر الدجاني ص266 .
قانونية واحدة تؤدي بالضرورة الى وحدة حياتهم الوطنية ، وبالتالي الى ازالة او على الاقل تخفيف الفوارق الموجودة بين المواطنين بسبب الوضع الاقتصادي او الاجتماعي او السياسي او غير ذلك ، طالما ان هذه المساواة مستمدة اصلاً من المساواة في الكرامة الانسانية .
5) يجب على التربية الوطنية ان تتحدد – كتربية – بنطاق الخير المشترك للمواطنين .
انا اعلم بان فكرة الخير المشترك تختلف باختلاف التصورات والمذاهب والمعتقدات وتختلف من مكان وزمان لآخر ، فهناك من يرى في الخير المشترك ذلك المفهوم الاول للخير العام او ما يسمى بالتقليد الجمهوري الذي كان سائداً في زمن ما قديماً ، حيث كانت الحياة العامة يتحكم فيها تفان واخلاص موجهان للخير العام ، وهناك من يرى في الخير المشترك ، خير الشعب داخل مجالات مختلفة من القرار الجماعي مثل الامن ، العمل ، الرفاه المعيشي وغيرها . (1)
المطلوب من التربية المواطنية ان يتحدد اطارها كعملية تربوية بالخير المشترك للمواطنين ذلك الخير والمصالح التي نشترك بها مع الآخرين ، فبهذا الاطار يتم تهيئة المواطن وتحقيق الفهم المستنير للخير المشترك الذي يعتبر اساساً لمعنى الخير المشترك .
6) يجب على التربية المواطنية ان تهتم بشكل متوازن بحقوق المواطن من جهة وبواجباته من جهة اخرى .
فالمواطنة تقوم بالاساس على رابطة تبادلية بين حقوق المواطنين التي تعتبر واجبات على الدولة وبين حقوق الدولة التي تعتبر واجبات على المواطنين ، فلا يجوز ان تطغى حقوق طرف على الآخر لأن ذلك يؤدي الى الاخلال بهذه الرابطة التي تعتبر اساس المواطنة وبدونها يسقط مفهوم المواطنة وبالتالي يجب على التربية المواطنية ان يكون اهتمامها متوازناً بين الحقوق والواجبات لتبقى هذه الرابطة المتبادلة وثيقة وبالتالي يتحقق مفهوم المواطنة .
7- يجب على التربية المواطنية ان تقوم بتطوير محتوى نظام الحقوق والواجبات المتبادلة بين المواطنين والدولة وبشكل مستمر .
فالمفاهيم والمبادئ والافكار متغيرة لان الناس في تغير مستمر وبالتالي لابد ان تقوم التربية المواطنية بمراجعة دائمة او دورية للحقوق والواجبات التي تتعلق بالمواطنين وبالدولة وتغير ما ينبغي تغييره وتطوير وتوسيع ما يلزم منها فبذلك – كما يقول ناصيف نصار – يتعمق وعي المواطنين بوحدة الحياة والمصير التي تجمعهم في دولتهم وبواسطتها . (2)
(1) الديمقراطية ونقادها ، روبرت دال ص505 .
(2) في التربية والسياسة ، ناصيف نصار ص52 .
كلمة أخيرة :
بعد ان تم شرح الشروط الاساسية التي يجب ان تراعيها التربية المواطنية ، بقي ان اقول كلمتي الاخيرة فيما يتعلق بدور المؤسسات التربوية التي ستقوم بعملية التربية المواطنية ، فيقع على عاتق كل مؤسسة تربوية ان تقوم بوظيفتها بشكل متكامل ومترابط مع المؤسسة الاخرى ضمن اطار هذه الافكار الفلسفية التي تم شرحها ، فعملية صهر آراء المواطن وافكاره ومعتقداته وسلوكه وقيمه تتم من خلال هذه المؤسسات التربوية التي تتمثل بالاسرة والمدرسة والمؤسسة الدينية والزمره ( الاصدقاء ، الجيران ، الرفاق …الخ ) ، ووسائل الاعلام ، وبالتالي يجب ان تكون عملية الصهر هذه متوافقة ومبادئ المواطنة ومعناها الحقيقي وما يترتب عليها بدون اي قيود قد تفرض على هذه التربية المواطنية .
فعملية التربية المواطنية يعتمد نجاحها بالاساس على الدور الذي ستقوم به هذه المؤسسات التربوية ، فاذا قامت بدورها كما يجب وبالشكل المطلوب منها بدون اي تحفظات او اي قيود ، فسيؤدي بالضرورة الى نجاح عمليةالتربية المواطنية الحقة . ونجاح هذه العملية سيؤدي الى تحقيق المعنى الحقيقي للمواطنة وتطبيقها على ارض الواقع في ظل نظام ديمقراطي .
الخلاصة والخاتمة :-
ما أودُ ان اعيد واذكر به هي تلك الامور التي حاولت ان اثبتها من خلال ما تقدم ، وتم شرحه في هذا البحث ، فخلاصة هذا البحث تتركز على هذه الامور التي يمكن اجمالها بما يلي :
أولاً : ان مفهوم المواطنة هو المبدأ الاساسي الرئيسي للديمقراطية ، فلا وجود ولا معنى لاي نظام ديمقراطي بدون تحقيق لمفهوم المواطنة ( فهل هناك ديمقراطية بدون مواطنين ؟ )
ثانياً : ان المحتوى الاساسي لمفهوم المواطنة نابع من مبدأ الانتماء الوطني الذي يتشكل نتيجة التربية المواطنية ، والقدرة على المشاركة الفعالة في الحكم . والشعور بالانصاف والمساواة .
ثالثاً : ان المواطنة تقوم على اساسين مهمين هما : أ- المشاركة في الحكم ب- المساواة بين جميع المواطنين .
رابعاً : ان تحقيق المواطنة على ارض الواقع بشكل فعال مرهون ومرتبط بعملية التربية المواطنية التي من خلالها يتم ايصال المعرفة وخلق الشعور الذي يؤدي الى تشكيل الانتماء الوطني .
خامساً : تقديم رؤية لتربية مواطنية من خلال افكار فلسفية ، وما لها من اهمية في تحقيق مفهوم المواطنة بشكل فعال على ارض الواقع .
هذه الامور هي التي حاولت ان أرسخها . من خلال ما جاء به هذا البحث ، من شرح و تحليل و استنتاجات منطقية داعمة لها ، فمن خلال هذا البحث تم شرح السياق التاريخي لمفهوم المواطنة ، وتم بيان المعنى الحقيقي للمواطنة وما يترتب عليها من نتائج ومن حقوق ومن واجبات متبادلة بين المواطن والدولة ، و الأسس التي تقوم عليها المواطنة ، و كيف تمنح المواطنة ، كما تم شرح التربية المواطنية و معناها و علاقتها و أهميتها في تحقيق المواطنة ، و شروط التربية المواطنية الحقه ما كنت اتمناه في نهاية هذا البحث أن أكون قد وفقت في ترسيخ هذه الأمور المختلفة حول مفاهيم المواطنة و التربية و الديمقراطية ، من أجل تحقيق هدف هذا البحث و هو تحقيق المصالحة مع الذات أولاً و مصالحة مع الاّخرين ثانياً ، و تحقيق الإنتماء الوطني ثالثاً ، و بالتالي تحقيق مفهوم المواطنة على أرض الواقع التي هي اساس النظام الديمقراطي الفعال .
فعندما تتم المصالحة مع الذات ومع الآخرين ويتحقق الانتماء الوطني ، تنتقل المواطنة من كونها مجرد نصوص مكتوبة الى ممارسة تترجم لتصبح المساواة بين المواطنين فيها قيمة اجتماعية واخلاقية وممارسة سلوكية يومية من قبل المواطنين فيعبر ذلك عن مدى انتمائهم ووعيهم الثقافي ورقيهم الحضاري وادراكهم السياسي من خلال تربية مواطنية حقة قامت باعدادهم وتنميتهم على ذلك .
فهذه التربية المواطنية التي هدفها الأول ومحورها الأساسي هم الأفراد الذين يجب إيصال المعرفة لهم وخلق الرغبة والشعور بداخلهم ، يجب ان تكون نضالية مستمرة ، تعمل على تغليب الانتماء إلى الوطن على أي انتماء سياسي آخر ، وان تتعامل مع المواطنين على انهم يمتلكون قدرات عقلية وانهم أحرار ، وانهم متساوون أمام القانون ، وأنها تسعى للخير المشترك للمواطنين جميعاً ، وان تخلق نوعاً من التوازن بين حقوق المواطنين وواجباتهم ، فبذلك تكون التربية المواطنية قد قامت بوظيفتها الفعلية وتكون قد حققت أهدافها بإعداد المواطنين وتنميتهم وفتح إدراكهم السياسي وبذلك يؤدي إلى تحقيق المواطنة الحقيقية المطلوبة في ظل نظام سيقال عنه أنه بالفعل نظام ديمقراطي يحترم المواطنة .

اقرأ أيضا

المفتي العام للقدس يشيد بالدعم الذي يقدمه المغرب بقيادة الملك لدعم صمود الشعب الفلسطيني

أشاد المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، خطيب المسجد الأقصى المبارك، الشيخ محمد حسين، اليوم الأحد …

المنتدى المغربي الموريتاني يرسم مستقبل تطور العلاقات بين البلدين

أشاد المنتدى المغربي الموريتاني، باللقاء التاريخي بين الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ …

مكسيكو.. مشاركة مغربية في مؤتمر دولي حول حماية البيئة

شارك الأمين العام لحزب الخضر المغربي ورئيس أحزاب الخضر الأفارقة، محمد فارس، مؤخرا بمكسيكو، في مؤتمر دولي حول حماية البيئة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *