لا يحتاج الأمر الى كثير من الدرس والتمحيص لإدراك أن الإرهاب الذي يضرب تونس ودولاً أخرى في المنطقة، إنما يستهدف استقرار شعوبها، وبالتالي أي بصيص أمل في تحقيق إصلاح أو نهضة لخدمة تلك الشعوب. ومن المؤكد أن هذا الإرهاب مهما تستّر بشعارات، فهو بعيد كل البعد من أي من رسائل الأديان السماوية، لذا فإن حججه واهية وساقطة بسقوط الأقنعة التي يختبئ وراءها.
«شغل مخابرات» يقول لك رجل الشارع البسيط، مشيراً الى مخططات أجنبية وراء التحركات المشبوهة للتنظيمات الإرهابية المتستّرة في الدين. ومن العراق الى تونس مروراً بسيناء، هدف واحد هو منع الدول التي شهدت تحولات، من النهوض واستعادة مسيرة البناء والاستقرار.
ما حققه الإرهاب في تونس حتى الآن، هو أنه دفع السلطات الى إعلان حال طوارئ، يخشى كثر من التونسيين أن تعيدهم الى وضع أمني أسوأ مما كان عليه قبل سقوط نظام بن علي، ذلك أن «الطوارئ» تفرض بطبيعة الحال سيطرة للأجهزة الأمنية على المجتمع، بما في ذلك تقييد حريات التعبير والتظاهر والاحتجاج، إضافة الى إتاحة توقيفات قد تكون اعتباطية، ودهم منازل وأماكن عمل وتجمّع.
صحيح أن التونسيين عاشوا ثلاث سنوات في ظل «حال طوارئ» أعلنت في كانون الثاني (يناير) 2011، قبل فرار الرئيس السابق، ومددت خلال الثورة وبعدها، ولم ترفع إلا في آذار (مارس) 2014 بقرار من السلطات المنتخبة ديموقراطياً، لكن وضع «الطوارئ» اليوم يختلف عما كان عليه خلال الثورة، من مراعاة للناشطين وتقدير للمنابر التي واكبت التحوّل الديموقراطي، بما في ذلك وسائل الإعلام المحسوبة على هذا التحوّل.
الوضع اختلف، مع إشارة الرئيس الباجي قائد السبسي صراحة، الى فشل الأجهزة في توقّع اعتداءات بعد الهجوم على متحف باردو في قلب العاصمة، وتحذيره من «انهيار الدولة» والذي ترافق مع حديث عن خلل أمني نسبه البعض الى اختراقات للأجهزة الرسمية، ما يجعل الكل في معرض الشبهة ويرفع الحصانة عن الشارع ذاته الذي تلقّف التحوّل الديموقراطي، وأيضاً عن الجمهور الذي سعى إليه سلماً عبر صناديق الاقتراع.
من الطبيعي ألا يختلف الخطاب الرسمي التونسي عن مثيلاته، في تحديد مصادر الخطر باعتبار أنها من وراء الحدود، ومن هنا إشارة السبسي الى ليبيا، وتوجيه أجهزة الداخلية التونسية أصابع الاتهام في المقابل، الى مجموعات متحصّنة في الجبال المحاذية للحدود مع الجزائر.
لكن ما يغفل عنه الخطاب الرسمي التونسي، هو تلك الأعداد الهائلة والتي تقدّر بالآلاف، لمتشدّدين تونسيين التجأوا بطبيعة الحال في ليبيا، مستغلّين المساحات الشاسعة وانعدام الأمن في الدولة الجارة، ناهيك عن انتقال أعداد لا يستهان بها منهم الى العراق وسورية، على رغم إصرار حكومة بلادهم على أن خطر الإرهاب المحدق بها، يتركز أساساً على التنظيمات المنبثقة من «القاعدة»، أكثر من كونه امتداداً لنزعة «داعش» التوسعية.
بالأمس، اعتبر معلّقون في تونس أن تعبير رئيسها في «خطاب الطوارئ» عن مخاوفه من «انهيار الدولة»، دليل ضعف، وهو بلا شك زلة لسان، إذا كان المقصود الخوف على مكاسب الثورة، وإلا فإن كل الدول التي اتّخذ فيها الإرهاب موطئ قدم، يمكن أن تعتبر أنها مهدّدة بالانهيار. ولعلّ الزلة الأكبر هي في الرهان على مساعدة أجنبية لتفادي ذلك، إلا إذا أغفلنا تجربة العراق في هذا الصدد.
*كاتب صحفي/”الحياة”