بقلم: فاروق يوسف*
يُقال إن سقوط انظمة الاستبداد هو سبب مقنع لإنتشار العنف والفوضى في العالم العربي. قول يتبناه المتفائلون بانقشاع الغمة المؤقتة، منطلقين من كون داعش وسواه من التنظيمات الارهابية هي نتائج مختبرية لمعادلات مخابراتية وليست ظواهر اجتماعية راسخة تدعمها منظومة أفكار تكاد تكون مقبولة من قبل الكثيرين.
هناك مَن يصل به التفاؤل إلى درجة مقارنة ما يجري في العالم العربي وما شهدته فرنسا بعد ثورة 1789. في هذه المقارنة يكمن الكثير من الاستخفاف بعقول متوسطي الثقافة، ممن لا يعرفون شيئا عن مآلات الثورة الفرنسية. وعلى العموم فإن مرحلة الاضطراب التي عاشتها فرنسا التي لا تزيد عن عشر سنوات كانت قد صنعت فرنسا جديدة، استطاعت أن تستعيد خلال سنوات مكانتها العالمية، بإعتبارها امبراطورية، أغرتها قوتها بالقيام في فتوحات والدخول في حروب عديدة.
لو ألقينا نظرة سريعة على العراق لوجدناه مضطربا منذ أكثر من عشر سنوات، من غير أن تظهر اشارة واحدة يمكنها أن تشكل بارقة لقليل من الأمل. بل العكس هو الصحيح. فكل ما يصدر عن ذلك البلد المنكوب إنما يؤكد أن كارثته لا تزال في طور التشكل، وأن ما ينتظره من السيئات سيكون أكثر مرارة مما مضى.
في سوريا لم ينته عصر الاستبداد بعد، غير ان البلاد دخلت في متاهة عنف، لن تكون لها نهاية في القريب المنظور، ولن تقع تلك النهاية إلا في اطار اتفاق مافيوي، سيستغرق الوصول إليه سنوات عديدة، بسبب تعثر المفاوضات المتوقع بين الأشباح.
بالنسبة لليبيا، فهي مستسلمة أصلا ومن ورائها المجتمع الدولي لمبدأ تقاسم السلطة بين الميليشيات التي لن يهدا لها بال إلا عن طريق القتال المستمر. وقد يكون اليمن سعيدا بحوثييه الذين استطاعوا ان يبسطوا سيطرتهم على البلد كله لولا ان شبح الشرعية لا يزال يقض مضاجعهم.
أكل هذا العنف يعود فعلا إلى اختفاء النظام الشمولي وسقوط الطغاة؟
هناك طاغية وحيد مكنه القدر من المساهمة اللافتة في العنف الجديد، هو علي عبدالله صالح وهو الذي فضل أن يمد يده إلى أعدائه السابقين على أن يمدها إلى الشعب، الذي صار يعتبره عدوا بعد أن حرمه من توريث ابنه السلطة.
اما ما يقال عن داعش وأخواته وأخواته فهو مزيج من الحقائق الناقصة والافتراءات التي يُراد بها اخلاء مسؤولية مجتماعاتنا عما انتجته ثقافاتها التراثية من أسباب تحث على العنف وتدعو إليه جهارا، ولا مبالغة في القول إن خلايا داعش النائمة تحت اسرتنا وفي زوايا عقولنا وبين الصحون على موائدنا هي اكثر بكثير من خلاياها التي استيقظنا على ضجيجها في الرقة السورية والموصل العراقية. ذلك الضجيج الذي وصل إلى تونس مرورا بمصر، ولن يكون مستبعدا أن يملأ بهذياناته أماكن عربية أخرى، لا تنام ليلها إلا حالمة بمقدمه.
كان المعارضون السوريون يراهنون على علاقة مفترضة بين النظام السوري وتنظيم داعش، حتى أن بعضهم صار يؤكد أن التنظيم الارهابي هو واحدة من اختراعات النظام. غير أن الوقائع على الأرض صارت تؤكد أن النظام لا يستثني داعش في حربه التي يشنها ضد معارضيه.
ليس يسيرا أن نلقي بتبعات كل هذا العنف الذي يعيشه العالم العربي على جهة بعينها، وإن كانت نظرية المؤامرة تيسر علينا الافلات من المسؤولية، وهو جل ما يتمناه العربي لينعم برضاه عن نفسه وسط تعاسة لا مثيل لها في التاريخ.
ولكن الأمور ليست بهذا اليسر.
صحيح أن أنظمة الاستبداد التي انقرضت كانت قد حرمت مواطنيها من حياة سياسية سوية، غير أن الصحيح أيضا أننا لم نكن نعيش في مجتمعات مسالمة. كان الخوف من العقاب هو سبب جنوح تلك المجتمعات إلى السلم. اما حين اختفى الخوف فقد ظهرت مجتمعاتنا على حقيقتها.
*كاتب صحفي/” ميدل ايست أونلاين”