بقلم: محمد بوخزار
تراجعت موجات التأييد والتعاطف الغريب وغير المسبوق، مع مدرب “التكواندو” المتسبب في حادث غرق 11طفلا في عمر الزهور، بشاطئ “واد الشراط”.
ولربما ادرك المتعاطفون، وهم في الغالب حسنو النية، انهم تسرعوا في مواقفهم، وحكموا على قضية يكتنفها بعض الغموض حتى الآن، بل لربما ارتكبوا خطأ برقوفهم مسبقا ضد التحقيق الذي باشرته السلطات القضائية، لدرجة المطالبة بالافراج الفوري،دون قيد او شرط، عن المدرب، كونه غير مسؤول عما حدث: منهم من اتهم البحر وعلو الموج واحوال الطقس التي اهاجته في فصل الصيف؛ ومنهم من القى اللائمة على الدولة، وتحديدا وزارة التجهيز والنقل،لانها لم تضع في مكان الحادث، علامات الانذار والتحذير من السباحة ؛ وبالتالي طالب أصحاب هذا الموقف بمحكاكمة الدولة في شخص الوزير المسؤول عن القطاع.
طائفة اخرى من المؤيدين دفعتها حماسة التعاطف الاعمى، مع المدرب، الى التنديد بالعدالة في المغرب لانها لا تنزل العقاب إلا بأبناء الشعب الفقراء!! أما المحظوظون المرفهون من ذوي الجاه، فإنهم لا يساقون الى السجن ولا يطالهم العقاب.
وما كان لهذه العاصفة من التأييد، التي هبت على مواقع التواصل الاجتماعي، أن تنتشر لولا الأخطاء التي وقعت فيها بعض الأحزاب السياسية وقادتها، فقد تسابقوا فيما بينهم، من يكون الاول والأعلى صوتا في التعبير عن المساندة والوقوف الى جانب المتسبب في الفاجعة الذي اصبح بطلا، وليس عائلات وأسر الضحايا الأبرياء.
لا اعتراض في ان يطالب المحامون بتمتيع “موكلهم” بالسراح المؤقت،بعد التحقيق الاولي معه، باعتباره مكلوما بدوره، فقد احد ابنائه في ذات الفاجعة؛ خاصة وان تهوره واضح وعدم تقديره لخطورة ما اقدم عليه من مغامرة خطرة،لا يحتاج الى دليل إثبات ؛ لكن ان يتطوع اكثر من 100 محامي لاسناده والمطالبة بتبرئته مسبقا، دون اكتراث بالارواح المزهقة وكلهم اطفال، فهذا مؤشر خطير على انحدار قيم التضامن والمؤازرة، بل هو سعي منذر بأوخم العواقب ً يصب في خانة المزيد من تبخيس صورة القانون والعدالة في نظر الرأي العام والمتقاضين، فضلا عن الاخلال الصارخ بالقاعدة الفقهية الذهبية “كل متهم برئ إلى ان تثبت براءته”.
ما يؤسف له بخصوص هذه النازلة، المواقف المتسرعة التي تورطت فيها كذلك بعض “تعبيرات” المجتمع المدني، فقد انساقت بدورها مع مشجعي المدرب وشاركتهم في استقباله على شاكلة الابطال المتوجين بالنصر في المعارك النبيلة!!
ليست هذه دعوة للقصاص،وإنزال العقاب القاسي بالمدرب، جراء تهوره وعدم اتخاذه الاحتياطات التي يتطلبها ترحيل حوالي 40 طفلا، بوسيلة نقل غير مرخصة، الى مكان بعيد،محفوف بالمخاطر في البر والبحر. فهل كان الضحايا مؤمنين؟ وهل النادي في وضعية قانونية تتيح له ممارسة أنشطة رياضية او ترفيهية خارج النطاق الترابي لمقره؟ وهل يستخلص المدرب رسوما من الاطفال ام انه متطوع؟
أسئلة كثيرة من هذا القبيل. المحققون الامنيون والقضائيون أدرى بتقنياتها وبالمدى الذي يمكن ان تصل اليه، من قبيل السلامة العقلية والنفسية للمدرب والتقصي في سوابقه السلوكية ودرجة تقديره للأخطار؛ وهل ارتكب اخطاء مماثلة في السابق؟
هذا هو المسلك القانوني الذي كان يفترض ان تتبعه النازلة، بدل تحويلها الى مناحة مصطنعة، ومناسبة للتشكيك في العدالة والتشفي من الدولة مهما كانت درجة تقصيرها او عدمه.
لكن المثير الذي يستوقف المتأمل في الفاجعة، تلك الاقوال المسجلة بالصوت والصورة على لسان المدرب ؛ ففي غمرة الحفاوة التي استقبل بها، وربما ايضا من شدة سذاجته ان تفوه بكلام خطير، إذ شكر الله سبحانه وتعالى،لانه مكنه من ان يهدي إليه قربانا 11 طفلا!!!
وفي تسجيل آخر قال المدرب ان القدرة الالهية كفيلة بان تامر البحر ليتراجع حتى تظهر الجثتان الغارقتان اللتان لم يقع العثور عليهما.
هذا كلام اذا ثبت بعد الاستماع الى التسجيل كاملا، فإن صاحبه يستحق إما الرجم ولو الرمزي، وفي اخف الاحوال إجراء فحص طبي عليه من قبل اخصائي نفسي.
إن الكوارث بعد وقوعها، تنبهنا الى نواحي التقصير في الاستعداد والتصدي لها ؛ ليس في الجانب المادي وإنما في الامور المعنوية.
الدرس المستخلص من فاجعة واد الشراط، يحملنا على التفكير في الانزلاقات المحدقة بنا والمتمثلة في عدم التمييز بين فضيلة التسامح والاستهتار بأرواح الابرياء، فقط لان المتسبب فيها، ولو عن طريق الخطأ غير المقصود، من الفئات الشعبية المستضعفة !!. تلك شعبوية قاتلة ومقيتة، يلزم التحذير منها ومحاربتها، من اجل ان لا تتكرر الفواجع بالقدر الذي عشناه في المدة الاخيرة؛ فقد مل هذا البلد منها.
هذه ليست دعوة الى الانتقام، وانما للإعلاء من شأن القضاء والقانون، مهما كانت النواقص والاختلالات التي لا تعالج بتبخيسه.
بقيت الاشارة الى فقرة دالة في كلام المدرب المتداول في “اليوتوبات”. قال في معرض تسليمه بالقضاء والقدر، ما معناه ان الفاجعة كان يمكن ان تقع لو انقلبت السيارتان اللتين حملتا الضحايا مكدسين كالخراف. هذا اعتراف ضمني بالتهور.
أية حماية للطفولة هذه؟؟؟