بقلم: فاطمة بن عبد الله الكرّاي*
كثيرة هي الأزمات التي تمرّ بها تونس… وقليلة هي الأزمات التي استطاعت الحكومة الدائمة (الحالية) إيجاد حلّ لها…
لكن أزمة التعليم المتمثّلة أساسا في العلاقة المتشنّجة بين حكومة الصيد و«مجتمع» المعلمين بالتعليم الأساسي، «لم تبق ولم تذر» من العقل شيئا، حيث سادت العلاقة، مواقف متشنّجة، فيها الكثير من سياسة الهروب الى الأمام.
الآن، وقد وصلت الأمور الى ما لا يرضي البلاد والعباد، مطلوب أصوات حكمة تبرز من هنا وهناك، حتى تطفئ هذه النيران التي هبّت في أكثر من قطاع، نخال جزءا كبيرا منها خاضعا لمراكز قوى خفيّة عبر كلمة الحق التي يُراد بها باطل…
ليس هناك حكومة وطنيّة وديمقراطية، منتخبة مكوّناتها انطلاقا من البرلمان، تلجأ الى ما لجأت إليه الحكومة التونسية، عندما اختارت الحل السهل، لتدرأ عن نفسها المسؤولية..
والحلّ هنا تمثّل بالنسبة الى التعليم الاساسي، في شقّين، حيث وبمجرّد تعثّر المفاوضات بين وزارة التربية ونقابة التعليم الأساسي. لجأ الصيد الى إلغاء دور مجالس الأقسام، وقرّر في خطوة غير مسبوقة أن يرتقي تلاميذ المدرسة الاساسية بلا امتحانات.
أما الشق الثاني من الحل، فهو لجوء الحكومة ممثّلة في وزارة التربية، الى الاستغناء عن المعلّمين المضربين وتعويضهم مع فضاء إجراء مناظرة «السيزيام»، بدون سند قانوني ولا تفاوض…
إنّ مسألة التعليم في تونس، ليست شأنا قطاعيا أو هي اختصاص يحتكره وزير أو رئيس حكومة، بل المرحلة الآن، وبعد كلّ هذه التطوّرات الغريبة عن بلادنا، تقتضي تدخّل الحكماء… الذين نفتقدهم اليوم والليلة أضحت ظلماء…
كثيرا ما قلنا ونقول، إن معالجة الملفّات الاستراتيجية، لا تكون عبر القرارات المسقطة، ولا من خلال حاكميّة هشّة، بل تكون أجدى عندما تنبع القرارات بشأنها، من حوار وتشاور وتدخّل بالحسنى بين أطراف التفاوض، حتى وإن كان الطرفان هما الحكومة من جهة والنقابة من جهة أخرى…
فهذا جمهور التلاميذ الذين طبعت مخيلتهم وذاكرتهم الغضّة خيارات لن تسهم بالتأكيد في أن تجعلهم حالمين بمستقبل تربوي أفضل!
تونس تفتقد الى الحكماء فيها، لأن تراكم المشاكل والقضايا، يبدو كأنه مركّب أو هو مكيّف وفق أهداف غير أهداف النقابيين وأبناء الشعب…
الشعوب تأمل في الديمقراطية كشكل للحكم من أجل أن يكون صوتها مسموعا ورأيها مطاعا وأهدافها قابلة للتحقيق… لكن الديمقراطية في بلدي، نجدها تخضع الى مخابر خارج حدود الوطن وبعيدا عن أهداف التونسيين، والدليل أن هذه المشاكل العالقة، لم نجد من يتناولها من منظار تقديم الحكمة وفكّ «الاشتباك» عندما يكون في غير محلّه، وفي غير صالح الحاكم والمحكوم، الطالب والمطلوب…
لذلك يجدر بنا أن نسأل اليوم، وملفّ التعليم يتأزّم: لماذا غاب عن تونس الحكماء؟
* باحثة في الإعلام والاتّصال والعلوم السّياسيّة/”الشروق” التونسية