بقلم: سالم الكتبي*
وسط صخب الصراعات العسكرية في العراق وسوريا واليمن، تتوارد أنباء وتقارير غير مبشرة من ليبيا تشير إلى أن تنظيم داعش يستولى على المناطق والبنى التحتية والمدن ويتوسع جغرافيا بوتيرة متسارعة ولافتة، وتستحق وقفة متأنية من المجتمع الدولي كي لا يصحو العالم على وقع إعلان “دولة” جديدة للتنظيم في ليبيا.
التقارير الاعلامية تتحدث عن سيطرة داعش على محطة كهرباء هامة على امتداد الطريق الساحلي الممتد من غرب معلقها في سرت صوب مدينة مصراتة، التي تعد مركزاً تجارياً والدعامة الرئيسية لتحالف الميليشيات المتطرفة التي تسيطر على العاصمة طرابلس، وياتي هذا الحدث بعد نحو أسبوعين من استيلاء داعش على مطار في ضواحي سرت وكذلك محطة المياه التي استخدمتها ميليشيات مصراتة في السابق كقاعدة. وهذا الأمر يعني ان تنظيم داعش يستخدم استراتيجية السيطرة على المرافق والبنى تحتية التي نجح من خلالها في العراق في إيلام الحكومة من خلال السيطرة على الخدمات، وفي ليبيا بات بإمكانه قطع الكهرباء عن اجزاء كبيرة من وسط وغرب البلاد!
رغم الاهتمام الاعلامي بتغطية أنباء تمدد تنظيم داعش في مناطق شتى من العالم، فإن مايفعله التنظيم في ليبيا يبدو خارج دائرة الاهتمام ومعركة منسية من المجتمع الدولي بكل المعايير رغم جهود الوساطة التي تضطلع بها دول عربية عدة بين الأطراف الليبية المتصارعة.
اللافت أن بعض التقارير الاعلامية الغربية تتحدث عن ان ليبيا “حالة” تعكس امتلاك داعش مايعرف بفائض القوة، الذي يقوم بتوجيهه إلى مناطق نفوذ جديدة مثل ليبيا، حيث ينظر التنظيم إلى ليبيا باعتبارها منجم ذهب قادر على تمويل خططه ومشروعاته التوسعية في بلاد الشام والعراق وغيره من مناطق العالم الاسلامي!
كما تشير تقارير اخرى إلى أن داعش ينظر إلى ليبيا باعتبارها أرض بكر قادرة على احتواء مايفيض عن الحاجة الاساسية للتنظيم من موارد بشرية ناتجة عن زيادة اعداد العناصر التي يستقطبها التنظيم من دول عربية وأجنبية، حيث أصبحت ليبيا وجهة مفضلة بالنسبة لقدامى المحاربين الذين شاركوا في الحرب السورية، فضلاً عن المتطرفين العراقيين والتونسيين، فضلا عن جاهزية الأرض الليبية للتحول إلى ساحات تدريب داعشية على مهارات السيطرة والحكم في الاراضي المكتسبة حديثا، كما تقول بعض التقارير الاعلامية!
الاحصاءات المنشورة تشير إلى أن داعش يمتلك نحو ألفي مقاتل في سرت ونحو 700 مقاتل في مدينة صبراتة الساحلية، التي تبعد 41 ميلاً فحسب عن العاصمة طرابلس، أي أنه في وقت وجيز للغاية قد نجح في تحويل ليبيا إلى ساحة تدريب مترامية الأطراف وآمنة تماماً في ظل الصمت بل والعجز الغربي عن التصدي لهذا التنظيم السرطاني سواء في ليبيا أو في غيرها من الدول التي يتمدد فيها. وما يثير التساؤلات أن الميلشيات المتطرفة تترك مناطق سيطرتها وتهرب في مواجهة داعش بشكل مريب، وينسف كل ادعاءات هذه الميلشيات بشأن دفاعها عن المبادىء ومزاعمها عن الشرعية وغير ذلك من هرطقات.
أخطر مافي التمدد الداعشي في ليبيا أنه يتبع نهجا معاديا للاقليات الدينية، ومن ثم فهو يحمل فتيل الانفجارات الطائفية في مناطق جديدة من العالم. ومن الواضح أن الإدارة الاميركية عندما تحدثت عن أن الحرب ضد داعش قد تستغرق سنوات طويلة كانت تعني ماتقول، وأن الاخرون قد أساؤوا الظن بها واعتقدوا أنا ماتقول به هو نوع من سوء التقدير الاستراتيجي للخطر، ولكن الآن بات من المؤكد ان المسألة لا تتعلق بسوء التقدير بل برغبة أميركية جامحة لإبقاء هذا التنظيم على قيد الحياة خلال السنوات العشر المقبلة على أقل التقديرات.
الواضح أيضا أن مشكلة الولايات المتحدة ليست في صراعات الشرق الأوسط، التي لا تقلق البيت الابيض قيد أنملة، بل في صياغة نتائج وحصاد هذه الصراعات توجيهه كي يصب في سلة المصالح الأميركية.
تمدد داعش في ليبيا كارثة تمس الأمن القومي لدول عربية عدة، فضلا عن أن ليبيا تحديدا ستفور للتنظيم رئة اقتصادية قوية للتنفس والتمدد باتجاه مناطق وربما دول أخرى، حيث سيقبض التنظيم وقتذاك على عوائد النفط الليبية الضخمة، التي قد تتيح له تحمل أعباء المناطق التي يسيطر عليها في العراق وسوريا وإرسال الأموال إلى مقر دولة الخلافة المزعومة حسب أدبيات التنظيم الارهابي، ومن ثم إغراء مزيد من المتطرفين على الانضواء تحت راية داعش سواء في الشام او ليبيا، وهنا منبع هائل للخطر، إذا أخذنا في الاعتبار الرافد البشري المهم الذي يمكن أن يفتح امام بوابات التجنيد الداعشية سواء من خلال تنظيمات التطرف والارهاب في الدول العربية الافريقية، أو في امكانية استغلال التنظيم لآلاف الفارين من البؤس والفقر في إفريقيا عبر قوارب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، واليت تعد الشواطئ الليبية أحد اهم مراسيها ومحطاتها الانتقالية، ما قد يوفر احتمالية عالية لأن يلجأ التنظيم إلى استغلال هذه الأعداد الضخمة ويجندها ويرسلها في مهام قتالية لنشر الفوضى في دول الجوار، أو حتى في دول أوروبا سعيا وراء مزيد من “الفتوحات” كما يقول التنظيم في أدبياته الاعلامية المنشورة.
ليبيا تحديداً يمكن أن تمثل نقطة تحول نوعية في حياة تنظيم داعش وقادته، فهي نقطة انتقال جغرافية بالغة الأهمية، وهي كنز اقتصادي ينعش موارد التنظيم، وأراضيها الشاسعة تغري التنظيم بإقامة دولته من دون معاناة او ضغوط عسكرية كبيرة، خصوصا أن جزء كبير من الأراضي الليبية تسيطر عليه بالفعل ميلشيات متطرفة تشاطر التنظيم قدرا كبير من أفكاره وتطلعاته الأيديولوجية.
هل يفيق المجتمع الدولي ويسارع بالتصدي لخطر داعش في ليبيا أم يكرر أخطاء العراق وسوريا ويترك التنظيم حتى يصدر إعلاناً بإقامة “ولاية الخلافة” رسميا في ليبيا؟
* كاتب من الإمارات /” ميدل ايست أونلاين”