لم يأت بوتفليقة أو بالأحرى لم يؤت به لإنعاش الحياة السياسية في الجزائر بعد عشرية حمراء امتدت من 1991 إلى 1999 أو لإرساء الديمقراطية وإعادة الكلمة للشعب بقدر ما كانت عودته ضمانة لاستمرار النظام المتسلط على البلد منذ 1962. وهل باستطاعة رجل آت من الماضي ليرتب الحاضر ويحضر المستقبل.
لقد أعاد بوتفليقة الجزائر إلى ما قبل الانفتاح الديمقراطي التعددي الذي عاشته ما بين 1988 و1992. وبمجرد قبوله للمنصب سنة 1999 إثر انتخابات شكلية لا طعم سياسيا لها – إذ انسحبت كل الأسماء المرشحة الثقيلة بعد أن بات مؤكدا أن الانتخابات كانت مرتبة ومحسومة سلفا لصالح بوتفليقة- بدأ يفرغ ما تبقى من روح في مؤسسات الدولة وبدأت الجمعيات السياسية والأحزاب تتفجر الواحدة تلو الأخرى والذمم تشترى في وضح النهار وبات معلوما للجميع ثمن مقعد في البرلمان الجزائري وتيقن الجزائريون أن الكفاءة لا تنفع وأن وحده الانتماء إلى قبيلة أو جهة معينة أو هيئة ما هو المقياس في توزيع المناصب والغنائم ويكفي إطلالة سريعة مثلا على قائمة الوزراء والوزيرات المتعاقبين والمتعاقبات منذ مجيء بوتفليقة لنعرف أن اختيارهم لم يكن مرده إلى كفاءة وإنما إلى ولائهم اللامشروط للرئيس.
لقد صحّر بوتفليقة وحاشيته الحياة السياسية وضرب الطموح الديمقراطي في البلد إلى درجة لم يجد مجتمعا مدنيا يقف في وجهه حينما عبث بالدستور عبثا مفضوحا سنة 2008 حينما ألغى المادة 74 من الدستور المحددة لمدة الرئاسة في عهدتين ليبقى متمسكا بالكرسي إلى آخر رمق رغم عجزه وغيابه والمجلس الدستوري يتفرج وهل هو دستوري في شيء مجلس عين بوتفليقة على رأسه صديقه الوفي؟
وهل يمكن أن يُفعّل هذا الصديق المادة 88 من الدستور ضد ولي نعمته، المادة التي لو احترمت لما تمكن السيد بوتفليقة من الترشح لعهدة رابعة لأنها ببساطة تقول «إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامّه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدّستوري وجوبا، وبعد أن يتـثـبّـت من حقيقة هذا المانع بكلّ الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع». وهو ما لم يفعله هذا المجلس المسمى دستوريا على الرغم من ثبوت المانع. أما البرلمان فلم يعد في عهد بوتفليقة سوى غرفة ترفع فيها اليد لتأييد كل ما جاء من الرئاسة وما جاورها.
وربما أكبر ضربة وجهها بوتفليقة للعمل السياسي في الجزائر هي تلك التي حرم بها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية بغض النظر عن صدقية تلك الانتخابات من تشكيل الحكومة والقيام بالمسؤوليات التي خولها له الشعب.. هل يعقل أن نفوز في انتخابات ثم تسند مهمة التسيير لغيرنا. ما جدوى العمل السياسي في هذه الحال. وما موقع الإرادة الشعبية من الإعراب.
هكذا اغتال الرئيس بوتفليقة السياسة في الجزائر كما اغتال الإسلاميون الديمقراطية فيها وأفرغا معا المؤسسات من محتواها القانوني والسياسي وعادا بالجزائر إلى عهد الدروشة السياسة.
* كاتب جزائري/”العرب”