كما تفعل الحكومة، أضافت “فيدرالية ناشري الصحف بالمغرب “درهما واحدا لسومة الجرائد اليومية التي يدفع القراء مقابلها ثلاثة دراهم، كسعر مرجعي لليوميات.
وعزت الفدرالية الزيادة الى الخسارات المتتالية التي تعرضت لها الصحف في المدد الاخيرة، جراء تراجع المبيعات وظهور مواقع الكترونية باتت تشكل المنافس الاخطر والتهديد المباشر لاستمرار الجرائد الورقية.
ربما يستدعي هذا القرار ملاحظات،منها انه اتخذ بناء على شكوى ارباب الجرائد من ضعف الموارد المالية المتأتية من المبيعات، وليس بناء على تشخيص موضوعي ومحاسباتي لمشاكل وصعوبات الصحافة الورقية، لتكون الزيارة مبررة بمنطق تجاري صرف (زدني نزيدك) خاصة وان اوضاع الصحف ليست متشابهة،وعلى اكثر من صعيد.
توجد صحف حزبية تصر التشكيلات السياسية على اصدارها، رغم قلة مبيعاتها والخسارة اليومية التي تتكبدها،تؤدي بها احيانا الى الإخلال بواجباتها المالية حيال المشتغلين في منابرها. وقطعا لن تنقذها زيادة درهم.
ومن المفارقات المثيرة في هذا الصدد ان الأحزاب الاقل جماهيرية، هي التي تتمسك في الغالب، باسماع صوتها وايصال رأيها الى الناس،غير أبهة بالمصير الذي يتهدد جرائدها؛ في حين لا تتوفر تشكيلات كبيرة ممثلة في البرلمان ومشاركة في الحكومة الحالية،او ذات حضور قوي في المعارضة،على لسان ورقي يعرف بنشاطها ويبشر ببرامجها.
فكيف يحصل حزب ما على أصوات وتمثيل في المؤسسة التشريعية وفي المجالس البلدية،دون امتلاكه لوسيلة تواصل جماهيرية، مسموعة او مرئيّة او مكتوبة، تبقي على الصلة مع أنصاره القدامى ويستقطب بها منتسبين جددا؟ هذا وضع فريد،يوجب مساءلة ارباب الصحف والمجتمع والاحزاب والدولة.
وكمثال ساطع على هذه الحالة،ان حزب “التجمع الوطني للأحرار” يتولى رئاسة مجلس النواب ووزارتين سياديتين هما الخارجية والمالية،عدا حقائب حكومية اخرى،ليست له جريدة يومية تسوق برنامجه واداءه الحكومي.
ويشبهه حزب الاصالة والمعاصرة (معارض مشارك في السلطة التشريعية) الذي تعثر إطلاق مشاريعه الإعلامية الموعودة،بعدما انتبه خبراؤه الى صعوبة التوفيق بين معادلة الكلفة المالية المرتفعة اللازمة لأية مقاولة إعلامية، بمواصفات مهنية حديثة، وبين المردودية المتوقعة ؛ بالنظر الى ضيق السوق وعزوف تلقائي عن منتوج اعلامي مثقل،من لدن الشرائح العريضة من المستهلكين.
القراء في غالبيتهم ميالون الى الخفيف والسريع والمثيرمن المواد الصحافية، انسجاما مع ايقاع العصر.
وبطبيعة الحال ليست ازمة الصحافة المطبوعة مقصورة على المغرب ؛ فكثير من المؤسسات الإعلامية الراسخة في بيئات متعودة على القراءة،أقفلت أبوابها نهائيا او غيرت جلدها، لمواكبة متطلبات السوق والاذواق الجديدة المشبعة بثقافة العصر.
هاجرت تلك الصحف الغربية الواجهة التقليدية نحو المنصة الالكترونية، بدل انسحاب كلي من الميدان والاستسلام لاكراهات المنافسة المغرية في سوق القراءة.
ولا يصح مقارنة وضع الاعلام في المغرب بمختلف الوانه بنظيره في الغرب. هناك تتلازم الحرية مع المسؤولية، كوسيلة لحماية المؤسسات الصحافية من خسارة المصداقية وثقة المستهلكين،فيظل رصيدها الرمزي والمالي مستقرا، ما يمكنها من الصمود وتجاوز العثرات.
اما في في المغرب فلا يزال القانون المنظم لمهنة الصحافة والنشر، على سبيل المثال، يراوح مكانه، بسبب خلاف بين السلطة الوصية وممثلي المهنيين (نقابة الصحافة وفدرالية
الناشرين) يتمحور اجمالا حول حدود حرية الصحافي في كتابة ما يعتقد انه حق وصواب وواجب حيال القارئ؛ بينما ترى الدولة ومن يمثلها،ضرورة التقنين ووضع الشروط الدنيا، منعا للتجاوزات والشطط، سواء من الصحافة او من السلطة .
التأخر في توصل الجانبين إلى صيغة متوازنة، متوافق عليها، تأسيسا على مبدأ “لا ضرر ولا ضرار” يعكس جانبا من أزمة المرفق، تحيل بدورها على منظومة القيم المجتمعية في ارتباط بتصور الراي العام للدور التوعوي والتنويري الذي يجب ان يضطلع به الاعلام بكافة اجناسه، في مجتمع يصبو نحو الديموقراطية
ولا يتقاسم الطرفان اي السلطة التنفيذية والرابعة، تصورا واضحا ودقيقا عن انتظارات الرأي العام المغربي من صحافته. ربما يطلعنا المسح الشامل للواقع على حقائق مزعجة،تستوجب تطهير المهنة من المتطفلين، عبر سن تدابير تحترم قيم الحرية واخلاقيات المهنة وشروط المقاولة الناجعة لا تستفيد من دعم الدولة الا اذا كانت مهيكلة وفق دفتر تحملات، لحماية السوق من طوفان الاوراق المتشابهة والفارغة.
يحس المستهلك للمنتوج الاعلامي في المغرب انه مقصي من المساهمة في تطوير المرفق الاعلامي، لا يستشار او تؤخذ اقتراحاته وتجميعها في “بنك” او عبر اليات بسيطة مثل استمزاج الاراء وتحقيقات عن ميولات ورغبات القراء.
وليس عيبا القول ان كثيرا من المؤسسات الاعلامية تخشى الشفافية والحكامة، لكي لا تكشف عللها. وسواء كانت (حكومية، حزبية أو مستقلة) فإنها تمارس اشكالا من التعتيم والتستر على مكامن ضعفها، ما يدفعها الى ترضيات ظرفية مع الدولة،فيتأجل الارتقاء بالصناعة الاعلامية وتتعطل مشاريع التحديث.
امهل المستهلكون المغاربة مقاولاتهم الاعلامية مدة كافية، لتطور نفسها وتعيد هيكلة بنائها،او تنسحب في حالة العجز.
وبماانها لم تستجب للتنبيهات والانذارات، اضطر المستهلك الى استعمال السلاح الذي بيده: الاحجام عن اقتناء منتوج يرفض تغيير جلبابه.
اشتكى بيان ناشري الصحف المغربية، من منافسة شرسة يمثلها تناسل المواقع الالكترونية،كونها استحوذت على نسب متنامية من متصفحي المواقع،وتحول المعلنين نحوها.
والحقيقة ان هذه الشكوى، هي جانب من الازمة، لان الذين هربوا الى المواقع الالكترونية، ليسوا قراء سابقين للصحف الورقية، بل جمهور جديد وزبناء مختلفون، تحركهم اهتمامات مغايرة، وجدوا ضالتهم وراحتهم في صحافة الانترنيت.
لن يحل رفع ثمن الجرائد المشكل،بل يمكن ان يفاقمه. فقد تتقلص المبيعات اكثر وستقل الحصص الاشهارية.
وعوض الخوف من اكتساح التكنولوجيا، يجب على المقاولات الانخراط فيها والاستفادة من منجزاتها. وفي هذه الحالة لا ضرر في طلب دعم لوجيستي من الدولة،لانجاز مهمة التطوير، مع التأكيد على انه يستحيل تشييد طوابق تكنولوجية فوق عمارة اعلامية مهددة بالانهيار.
ولربما كان حريا بفدرالية الناشرين،التطرق في بلاغ تبرير الزيادة، الى مشكل أزمة الخدمة الصحافية وممارستها نقدا ذاتيا والتزاما امام القراء بتجويد الجرائد، شكلا ومحتوى، لتكون الزيادة مشروعة ولضمان تعددية وتنافسية المنتوج.
الدراهم الاربع التي سيدفعها القارئ ابتداء من رابع مايو، يفترض، وهو يتصفح جريدته،ان يعثر فيها على ما مقابل يروقه، يشعره انه يقرأ مطبوعة جديرة بالدعم، تفي بالحدود المهنية الدنيا المتعارف عليها.
وبالطبع،لا يتمنى المغاربة الخسارة لصحفهم الورقية واختفاءها، لكنهم يرفضون ابقاء الحال على ما هو عليه. ولا تكون التضحية المادية واجبة حين انتفاء المبرر.
وهذه الدعوة موجهة للصحافة الحزبية قبل غيرها، ما دام الصالح العام هاجسها، اذ بات عليها مواجهة سؤال الجدوى بالحاح!
يقول امير الشعراء في قصيدة مشهورة:
لكل زمان مضى آية
وآية هذا الزمان الصحف
ولكي لا تظل الصحافة المغربية، آية على زمان مضى، يجب ان تقتحم الحداثة، ليس بزيادة درهم.