عندما تكون الحكومة التي انتخبها التونسيون، تحكم بلا استراتيجيا وبلا بوصلة، فإن الجميع لا يستغرب التصريحات التي تتعالى هنا وهناك منتقدة أداء هذه الحكومة.
وعندما تتكاثر الاضرابات وتتنوّع، في كامل أنحاء البلاد ومن خلال عديد القطاعات، فإنّه حريّ بصاحب الحل والعقد أن يتفحّص في المرآة ويدرس مكامن الخلل في سياسة حكومته، لا أن يعمد سياسة الهروب الى الأمام، فتصبح النتيجة سببا ويضيع الحلّ باغفال سبب الاضرابات…
تونس اليوم تعيش أزمة جديدة، لكنّها من نوع آخر… أزمة تستنقص من شأن الحريّة وتكفّر مظاهرها (الأزمة) بالديمقراطية وبالأحزاب أحيانا.
لماذا؟ لأن لوبيّات المال والسلاح والتهريب والعمالة للخارج، هي جهات معرقلة للمسار الديمقراطي، ومسمّمة للأجواء الاجتماعية، وقاطعة الأمل أمام التونسيين في غد أفضل…
أركان السّلطة في تونس، عليها أن تعيد حساباتها، لأن الحكم ليس الوصول الى السلطة فقط، فتلك مبادئ المرحلة برمّتها… السّلطة هي تخطيط للحكم صلب الحكم… وهي استراتيجيا للحكم من داخل الحكم. ضمن الدستور ونصّ على مبادئها العامّة، وتكون نتائج الانتخابات دافعا لممارستها…
اليوم عندما نستعرض المشهد في تونس، نقف على نفس هنات الحكم وعلى نفس مظاهر العجز أمام ظاهرة التهريب، وكذلك نفس الشأن بالنسبة لظاهرة التهرّب الجبائي… حيث تقف حكومة الصيد عاجزة لا حول ولا قوّة لها… رغم أنّها حكومة منتخبة ودائمة ولها سند النص القانوني…
هذا رغم أن القاصي والداني في تونس اليوم، يعلم هويّة المارقين الجدد، المستقوين على القانون، حيث تجد هذه الأسماء تتقاسم، دون مواربة ولا خوف، مسالك التهريب من سلع وسلاح… ولا يأخذ القانون مجراه…
تونس مقبلة على مرحلة أخطر من هذه التي نعيش من حيث الضبابية في الرؤية ومن حيث اختلاط الحابل بالنابل… وأخشى ما نخشاه في هذا الباب، أن يتحوّل الاخفاق المرحلي للحكومة الى قدر يعمّ على كلّ تونس، وعندها سوف نرى ما هو أشدّ صدمة لنا جميعا، ونقصد الانتداب الجديد… وهذه المرّة ستكون تونس أرض التنازع على المصالح بين القوى الدولية والاقليمية أيضا.
* باحثة في الإعلام والاتّصال والعلوم السّياسيّة/”الشروق” التونسية