حشود غفيرة من آلاف التونسيين، وعشرات الشخصيات الدولية، كلهم تجمعوا الأحد في مسيرة دولية للتنديد بالإرهاب، والتعبير بأسلوب متحضر عن أن هذه الظاهرة لا يمكن أن تقهر الملايين إذا توافقت شعوب الأرض على محاربتها وقطع أسبابها، في إطار من التحالف الصادق والتعاون الفاعل.
المسيرة التونسية، التي جاءت تكريماً لأرواح 22 سائحاً أجنبياً وشرطياً تونسياً قتلوا في الاعتداء على متحف باردو، تشبه في شكلها المسيرة الدولية التي جابت باريس في يناير/ كانون الثاني الماضي بعد الاعتداء على مجلة “شارلي إيبدو”، أما من حيث جوهرها فهي تريد أن توصل رسالة مكررة مفادها أن العالم كله مسؤول عن مقاومة الإرهاب الذي لم يكن عدو تونس وحدها. وتأتي رمزية مشاركة زعماء فرنسا وإيطاليا وبولندا وبلجيكا وليبيا والجزائر والسلطة الفلسطينية وممثلي دول عربية وأجنبية، لتؤكد ضرورة وقوف جميع الشعوب على اختلاف أديانها وأنظمتها السياسية والاجتماعية جبهة واحدة في وجه القوى الشر والظلام، من أجل تأمين حياة بلا خوف من ضربات غادرة قد تصيب هذا المجتمع أو ذاك، مثلما يحصل منذ نحو عقدين من الزمان.
تونس، التي يمتدح الغرب تجربتها الديمقراطية الوليدة ونجاحها في قطع خطوات الانتقال السياسي بسلام، ما زالت تنتظر ترجمة خطابات الإعجاب والثناء إلى دعم فعلي للاقتصاد المثقل، ومساعدتها على حل بعض الأزمات الاجتماعية. لو يتحقق ذلك أو بعضه، فهو كفيل بقطع خطوات بعيدة في تفكيك ما بقي من خلايا إرهابية. أما المساعدات الأمنية المنتظرة فهي ضرورية، مع أنها لا تمثل حاجة أساسية بالنظر إلى المساعدات الأخرى، فأجهزة الأمن التونسية، ورغم ما بذلته من أرواح وخسائر، فقد حققت إنجازات لافتة في السنوات الثلاث الماضية، وأثبتت أنها قادرة على التصدي بفاعلية لكل الأخطار الإرهابية، لا سيما المتسللة عبر الحدود.
عشية المسيرة الدولية في اتجاه باردو، جاءت من قفصة جنوباً أخبار ترفع معنويات العاصمة بعد أن تمكنت قوة أمنية من قتل ثمانية إرهابيين وزعيمهم في ما يسمى “كتيبة عقبة بن نافع” الإرهابية المسؤولة عن عديد الجرائم بحق الدولة وأجهزتها، ومن آخر تلك الجرائم مجزرة السياح الأجانب في متحف باردو. وربما تشكل تلك الواقعة أوفى تكريم لأرواح ضحايا المتحف، كما تأتي لتضيف رسالة إلى زوار تونس بأنها بلد آمن وقادر على خنق الجماعات الإرهابية في الأطراف وليس في المناطق الحضرية، حيث المنشآت الحيوية للاقتصاد مثل السياحة.
من حسن حظ تونس أن الإرهاب لا حاضنة شعبية له، ومن حسن حظها أيضاً أن شعبها يرفض بأغلبيته الساحقة التعصب والتطرف، ويأمل أن يحافظ على نمطه الاجتماعي. يضاف إلى ذلك قربها الجغرافي من إيطاليا وفرنسا، وكل هذه العوامل تجعل من قدرات تونس عالية في محاربة الجماعات الإرهابية. أما العامل الوحيد الذي ما زال يشكل تهديداً لأي نجاح، فهو الحالة الليبية، فهناك ما زال الإرهاب ينتشر ويزرع خلاياه في كل مكان، ورغم ما يبذل من جهود عسكرية للتوقي منها، فما زال هناك عمل طويل حتى تأمن تونس نهائياً من الشر المتطاير من ليبيا.
*كاتب صحفي/”الخليج”