وأنا أستمع إلى بلبل الخليج والجزيرة أبو بكر سالم في لونه الحضرمي الجميل، أشعر بمدى هذه الروابط التي تجمعنا نحن التونسيين بحضرموت، ففي القرن التاسع قبل الميلاد تم تأسيس مدينة سوسة الساحلية وأطلق عليها اسم حضرموت في تأكيد على روابط العلاقة التي كانت تجمع بين جنوب الجزيرة وشمالها، بين الحضارمة في اليمن والفينيقيين القادمين من الخليج العربي إلى ساحل سوريا ولبنان قبل أن ينتشروا على ضفاف البحر الأبيض المتوسط ويؤسسوا قرطاجة أو “القرية الحديثة” كما هو اسمها الأصلي والتي تحولت إلى إمبراطورية عظيمة امتدت إلى جنوب أوروبا وغرب أفريقيا، وقبلها أوتيكا واسمها العربي “العتيقة” نظرا إلى أسبقية تأسيسها عن قرطاجة.
واليوم تحمل مدينة سوسة اسم حضرموت تميمة في عنق تاريخها الخالد، فتراه وشما على الشارع والفندق وعنوانا للمجلة والجمعية والمؤسسة الخيرية.
وفي شارع الحبيب بورقيبة بقلب العاصمة تونس يوجد تمثال عبدالرحمن بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي (1332- 1406م)، تونسي المولد أندلسي الأصل حضرمي الجذور، ومؤسس علم الاجتماع الحديث وأب للتاريخ والاقتصاد.
وقبل ألف عام جاء الهلاليون إلى تونس بجذورهم الحضرمية ليغيروا الجغرافيا البشرية في البلاد والمنطقة نحو تعريب شبه كامل وخاصة في البلاد التونسية التي توجد بها اليوم قبائل جلها يعود إلى جذور يمنية.
كما أن العادات والتقاليد واللهجات الحضرمية واليمنية عموما وحتى أسماء بعض المدن والقرى، تربط جسورا للتواصل بين التونسيين وأهلهم في حضرموت واليمن.
ويبدو من الأسماء والألقاب المتواترة في تونس أنها في جزء مهم منها حضرمية يمنية، وقد استغربت مؤخرا عندما قرأت تدوينة لناشط تونسي قال فيها إن قبيلته الموجودة بالشمال الغربي من البلاد هي أمازيغية الأصل، وعندما عدت إلى المراجع التاريخية اكتشفت أن القبيلة يمنية، ولا تزال مضاربها راسخة هناك في حضرموت.
طيلة عقود حاول تونسيون تجاوز حقائق التاريخ ولكنهم فشلوا في ذلك، ومع كل يوم جديد يتبيّن أن مصير العرب واحد كما أن تاريخهم واحد، وحتى العواصف التي تمر بهم تبقى واحدة في الأخير، وعاصفة الربيع العربي خير دليل على ذلك.
حمى الله أهلنا في حضرموت واليمن، ونصرهم على الفئة الباغية
*كاتب ليبي/”العرب”