من يتابع المشهد الإسرائيلي لانتخابات الكنيست، يستنتج بسرعة أن تركيز معظم الأحزاب في حملتها الانتخابية على القدح والذم للأحزاب المنافسة، ويكاد لا يطرح في هذه المعركة، برامج سياسية واقتصادية واجتماعية، أما موضوع السلام وحل القضية الفلسطينية فلا وجود لهما، ويبدو أن معظم الإسرائيليين، من مواطنين وأحزاب وجهات رسمية، لم يعد الفساد المستشري في إسرائيل يعنيهم، إذ أصبح الفساد مألوفاً في المجتمع الإسرائيلي، فمكتب مراقب الدولة، يحقق في نفقات بيت “نتنياهو”، وعلاقة زوجته “سارة” بالعاملين بالدار، بعد مجموعة من الفضائح، كان آخرها بيعها للزجاجات الفارغة، وزجاجات المشروبات الروحية، لصالح جيبها الخاص، فبيت “نتنياهو” ينفق(100) ألف شيكل شهرياً على شراء المشروبات الروحية، على حساب دافعي الضريبة، كما باعت زوجة “نتنياهو”، أثاث الحديقة وأدخلته إلى حسابها الخاص دون رقيب وحسيب.
فـ “نتنياهو” وبعد تدخله بجائزة الدولة في الآداب والسينما والفنون، واتهامه لأعضاء اللجنة المكلفة باختيار المستحق لهذه الجائزة، بأنهم يساريون متطرفون، فهو يريد منح الجائزة لأحد أتباعه، وأدى الأمر إلى استقالة وانسحاب معظم أعضاء اللجنة، مما أدى إلى انهيارها، فالمعركة الانتخابية تجري وسط قضايا فساد، وتشويهات سياسية، وفضائح جنسية لكبار ضباط الجيش والشرطة، مع تجاهل أوضاع الفقر والسكن والأوضاع الاجتماعية.
“نتنياهو” يحاول تحويل المعركة الانتخابية إلى موضوع الأمن، ومن هو الأقدر على حفظ الأمن، فالمعركة ملتهبة، وكل شيء حقيقي وغير حقيقي يقال فيها، وأحزاب الليكود واليمين يجاهرون في حملاتهم بدعمهم للاستيطان في الضفة الغربية، ودعمهم مادياً للمستوطنين على حساب الأحياء الشعبية، فهذه الأحزاب تجاهر بحلمها بإسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر، فيما تركز أحزاب الوسط على الأوضاع الاقتصادية والحياتية وحالة الفقر، وغلاء الشقق السكنية، إلا أن حزب العمل-الحركة، ما زالا يعتبران أن الحل يكمن بحل الدولتين، من أجل المصلحة الإسرائيلية، كي لا تصبح إسرائيل دولة ثنائية القومية، سيفوق عدد الفلسطينيين فيها بعد عدة سنوات، في فلسطين التاريخية، عدد اليهود، وهذا يخيفهم جداً، فإذا منحوا الحقوق المدنية وحق الانتخابات لجميع الفلسطينيين، كما هو حال منطقة 1948، فإن الفلسطينيين سيسيطرون على الدولة، وإذا لم تمنحهم الحقوق المدنية، فستتحول إسرائيل إلى دولة “أبرتهايد” عنصرية كجنوب إفريقيا في العهد البائس، مع أن إسرائيل تمارس العنصرية في الماضي وفي الحاضر، وهذا سيؤدي إلى عزلتها في العالم، وقد تتعرض لنزع الشرعية عنها، خاصة بعد توجه الفلسطينيين إلى محكمة جرائم الحرب في “لاهاي” وأن النتيجة واضحة، وهذا ما يحذر منه القلة من اليهود المعتدلين.
“نتنياهو” الذي أشعل النار في إسرائيل، وفي الكونغرس الأميركي، عبر إعلانه إلقاء خطاب في الكونغرس قبل أسبوعين من موعد الانتخابات الإسرائيلية، هذا الخطاب وتوقيته رتب بين “نتنياهو” والجمهوريين من خلف ظهر الرئيس الأميركي، و”نتنياهو” يقول أن من واجبه العمل على إحباط الاتفاقية الأميركية التي ستُوقع مع إيران، بخصوص النووي الإيراني، فهو يساهم بدق إسفين بين الجمهوريين والبيت الأبيض، لكن بيت القصيد، أنه يريد أن يستعين بالساحة السياسية الأميركية، في المعركة الانتخابية للكنيست، في الطريق إلى صناديق الاقتراع، ففي الماضي كان الهوس الإيراني يُفقد “نتنياهو” صوابه، بينما يتمسك “نتنياهو” في البقاء في موقع رئيس الوزراء، وفي منزل الرئاسة الذي يتمتع بالكثير من المميزات، فمقاطعة أعداد من النواب الأميركيين لخطابه، والاعتراضات القائمة في إسرائيل لهذا الخطاب، الذي زاد من الخلافات بين إسرائيل والبيت الأبيض، والمحللون الإسرائيليون يقولون بأن هذا الخطاب سيكلف إسرائيل كثيراً، كل هذا لا يهز نتنياهو فهو يقول بأن هذه الضجة لا تُحرك عنده ساكناً؛ فالدولة هي أنا …. وأن هي الدولة، وبعدي الطوفان، ويقول محلل إسرائيلي “شيكو منشيه” وجريدة “هآرتس 8-2-2015″، بأن “نتنياهو” بحاجة إلى تدخل إلهي للخروج من الحفرة التي حفرها لنفسه، وأن “نتنياهو” سيخسر في واشنطن، فهناك تصعيد في هذه الأزمة، بين “نتنياهو” والبيت الأبيض، ومنظمات يهودية أميركية تتنصل من خطوة “نتنياهو” وإصراره لإلقاء الخطاب، وحركة “جوستريت” تجمع التواقيع من يهود أميركا، التي تطالب نتنياهو بالتراجع.
يقول “نتنياهو”: إن سفري وخطابي في الكونغرس الأميركي، من أجل حماية أمن إسرائيل من الخطر الإيراني، ومن واجبي كرئيس للحكومة، السعي لوقف مشروع النووي الإيراني العسكري، (وماذا عن النووي الإسرائيلي)، ويرفض محاولات مسؤولين أميركيين إقناعه بإلغاء الخطاب، الذي يعتبرونه خطاباً انتخابيا، لصالحه وصالح حزبه، أما إلغاء الخطاب فإنه سيضر به وبالحزب الجمهوري صاحب الدعوة، وإدارة “أوباما” تشدد احتجاجاتها على دعوته، التي ستؤدي إلى تمزيق العلاقات الإسرائيلية مع واشنطن، فيرد “نتنياهو” بأن أحداثاً وأزمات كثيرة مرت بالعلاقات الإسرائيلية-الأميركية وبقيت العلاقات ثابتة، و”نتنياهو” وجد بصاحب جريدة “يديعوت احرونوت” ضالته، فاتهمه بإدارة حملة تشويه ضده وضد زوجته وحزبه، فذنب صاحب الجريدة “موزيس” أنه كشف بأن وجبة إفطار “نتنياهو”، تكلف (20) ألف شيكل.
وزير الخارجية سيء الذكر، الذي كان وراء رفع نسبة الحسم من 2% إلى 3.25%، للتخلص من النواب العرب في الكنيست، كي لا يحصلوا على النسبة الجديدة، لكنه يعلم أنه زاد من قوة القائمة العربية الموحدة في استطلاعات الرأي العام، بينما حزب “ليبرمان” يحتاج إلى جهد كبير لتجاوزها، ومع ذلك وقبل نتائج الانتخابات، فإنه يشترط حقيبة وزارة الدفاع للدخول في الحكومة الائتلافية القادمة، مبرراً ذلك، بأن الوزير الحالي يعالون فشل بالقضاء على حماس في غزة، وفي جنوب لبنان، لكن الوزير “نفتالي بينت”، من الحزب اليهودي يطالب بهذه الحقيبة أيضاً، و”ليبرمان” اشتكى إلى المحكمة العليا، لمنعه من إعادة طباعة مجلة “شارلي أبيدو” الفرنسية في إسرائيل، وتوزيعها مجاناً، و”ليبرمان” يرفع صورة لسيدنا النبي(ص)، التي نشرت في مجلة “شيلي”، لدعايته الانتخابية دون جدوى في تحسين صورته بين الإسرائيليين.
هناك حرب في استطلاعات الرأي العام بين الأحزاب، ونتائجها يستغله كل حزب كما يريد، ومع أن هذه النتائج متحركة، فإن الحزبين الرئيسيين الليكود،العمل- لفني، تكاد نتائجهما تكون متطابقة، لكن وحسب الاستطلاعات، هناك تراجع لحزب البيت اليهودي، وانهيار لحزب إسرائيل بيتنا، وزيادة للقائمة العربية الموحدة، التي قد تصبح الحزب الثالث في عدد المقاعد في الكنيست، وأن كل زيادة بعدد نوابها، قد يمنع اليمين الإسرائيلي من تشكيل الحكومة القادمة، وهذا يعتمد على رفع نسبة المصوتين من عرب الداخل، فاستطلاعات الرأي العام تعطيهم ارتفاعاً مقعدين عن وضعهم الحالي، ليصل إلى (13) مقعداً أما إذا وصلوا إلى 14-15 مقعداً، فهذا من شأنه حرمان “نتنياهو” من تشكيل الحكومة القادمة، فـ “نتنياهو” الذي أعلن أنه لن يشكل حكومة مع أحزاب اليسار، فمثل هذه الأقوال سابقة لأوانها، قبل معرفة نتائج الانتخابات النهائية، فهناك حراك شعبي إسرائيلي لإسقاط “نتنياهو”، وحرمان اليمين الإسرائيلي من تشكيل الحكومة القادمة، مع أننا أشرنا إلى أن حجم الفضائح التي يتعرض لها وحكومته كبير جداً، وكأن المجتمع الإسرائيلي أخذ يتعايش مع هذه الفضائح، دون محاسبة المسؤولين عنها، وباعتقادنا، فإن هناك ثلاثة احتمالات لتشكيل الحكومة القادمة هي:
– الخيار الأول أن تشكل من قبل “نتنياهو” والأحزاب اليمينية والدينية.
– الخيار الثاني أن تشكل من قبل “هيرتسوغ – لفني” بالمشاركة مع أحزاب الوسط واليسار، وبتأييد النواب العرب.
– الخيار الثالث وهو المرجح بتشكيل حكومة وحدة وطنية بين الليكود والعمل والأحزاب الأخرى، وهذا يتوقف على نتائج الانتخابات أيضاً.
وخلاصة القول، فإن هزيمة “نتنياهو” واستبدال حكومته بحكومة أخرى، لن يؤدي إلى تحول جذري في تقريب العملية السلمية، قد يحد من ممارسة حكومة اليمين الحالية وبطشها، وقوانينها العنصرية التي تعمل بها، وشيء أخير، فإن إعادة انتخاب “نتنياهو” وحزبه، رغم كل الفساد والرشاوى السياسية، فهذا يعني أن المجتمع الإسرائيلي والفساد صنوان.
*كاتب فلسطيني