الحلم الإفريقي

يتخذ الانتماء الإفريقي للمغرب بعدا راسخا لاعتبارات عرقية وثقافية وروحية، فقد ظل المغرب عبر التاريخ وفيا لهويته الإفريقية الأصيلة منفتحا ومتفاعلا مع عمقه الإفريقي مساندا لحركات التحرر في ستينيات القرن الما ضي، مدافعا عن مبادئ الحق والشرعية والسيادة، منخرطا في جهود التنمية المستدامة ومحاربة مخاطر الإرهاب والجرائم العابرة للحدود.
ومن هذا المنطلق، فإن البعد الإفريقي شكل التزاما قويا وأولوية واضحة ضمن دوائر السياسة الخارجية المغربية وخاصة وفق محددات دستور سنة 2011م.
وقد عمل صاحب الجلالة الملك محمد السادس على إعطاء هذا التوجه الثابت مضمونا ملموسا ومزيدا من الحركية بروح من التضامن والشراكة الفاعلة والمبادرات الخلاقة منها إلغاء كافة الديون التي كانت مستحقة لدى الدول الإفريقية الأقل نموا في سنة 2000 ، وإنشاء منظمة البلدان الإفريقية المطلة على الأطلسي، واقتراح تأسيس ائتلاف إفريقي للهجرة والتنمية ، وإطلاق عملية تسوية وضعية المهاجرين الأفارقة الموجودين بالمغرب بصفة غير قانونية اعتبارا من يناير 2014م.
وخلال المنتدى المغربي – الإيفواري الذي نظم مؤخرا بأبيدجان بحضور شخصي من جلالة الملك في إطار جولته الإفريقية أكد أن إفريقيا مطالبة اليوم بأن تضع ثقتها في إفريقيا وبأنها ليست في حاجة للمساعدات، بقدر ما تحتاج لشراكات ذات نفع متبادل .. وإذا كان القرن الماضي بمثابة قرن الانعتاق من الاستعمار بالنسبة للدول الإفريقية، فإن القرن الحادي والعشرين ينبغي أن يكون قرن انتصار الشعوب على آفات التخلف والفقر والإقصاء”.
إن المغرب الذي قدم على امتداد عقود نموذجا متميزا للتعاون جنوب – جنوب على المستوى الإفريقي، واثق بأن بناء إفريقيا جديدة ومتطورة ومتحررة من رواسب الماضي هو حلم جماعي قابل للإنجاز إذا ما تمت تعبئة حازمة للقدرات الإفريقية. فإفريقيا التي تضم 6/1 من ساكنة العالم أزيد من مليار نسمة وفر ص إنتاج واعدة ما زال 50 في المائة من سكانها يعيشون تحت حافة الفقر بل إن معظم فقراء العالم في أفق 2030 سيعيشون في إفريقيا في ظل استمرار معضلات الحكامة الرشيدة والانعكاسات الوخيمة للتغييرات المناخية.
وبهذا الاقتناع، يعمل المغرب على تقاسم خبرته الوطنية ولا سيما في مجال التنمية البشرية مع الأشقاء الأفارقة من خلال مشاريع صحية وتعليمية وتقنية وخدماتية الفلاحة، الري والاتصالات والبنيات التحتية والماء والكهرباء ، في نطاق مقاربة إرادية طموحة تجسدت في تعزيز رصيد الاتفاقيات وبرامج التعاون، بشكل غير مسبوق، (أزيد من 500 اتفاقية منذ 1999) سواء على المستوى الثنائي أو في إطار تعاون ثلاثي أو تعاون بين قاري علما أن المغرب يستقبل أزيد من 8000 طالب جلهم يستفيدون من منحة مغربية ينتمون لأربعين دولة إفريقية.
وفي سياق هذه الدينامية ،تحلى القطاع الخاص المغربي بجرأة في ولوج الأسواق الإفريقية مستفيدا أولا، وقبل كل شيء، من الزخم السياسي للزيارات الملكية الموفقة والمتواصلة للبلدان الإفريقية، وكذا من روابط الانتماء والمعرفة المعمقة بالخصوصيات الإفريقية، والإطار القانوني المتنوع، ووجود شبكة بنكية متطورة، وتأمين خطوط جوية مما أهل المغرب ليصبح ثاني مستثمر في إفريقيا والأول في إفريقيا الغربية متطلعا لتكثيف وتنمية المبادلات التجارية التي ما زالت تعيقها صعوبات جمركية وغير جمركية.
وبفضل الرؤية الملكية الاستراتيجية، فإن المغرب بموازاة هذا العمل التشاركي لم يدخر جهدا للمساهمة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وإخماد بؤر التوتر واستتباب الأمن والاستقرار وتيسير الانتقال الديمقراطي في قارة تعاني من ويلات النزاعات الأهلية ومخاطر الهشاشة والتمزق ومحاولات الانفصال فلا تنمية حقيقية دون استقرار سياسي.
إن المغرب ورغم وجوده خارج المنظومة الإفريقية منذ 1994 للأسباب المعروفة يعد في صدارة البلدان الإفريقية الداعمة لقضايا التنمية المستدامة أمام المحافل الدولية والتجمعات الإقليمية كالمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وتجمع الساحل والصحراء.. ويؤمن بأن النهوض بأحوال الإنسان الإفريقي وتحقيق تطلعاته، بعيدا عن الشعارات العقيمة التي دخلت متحف التاريخ، هو بين أيدي الأفارقة متضامنين في بناء شراكة قائمة على المكسب المشترك.
* سفير المغرب في البحرين
“وكالة أنباء البحرين”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *