الطفل محمد أبو خضير باستشهاده الصارخ في وجه البشرية التعِسة كشف عمق الحقد الأسود لدى حاخامات التاريخ التوراتي الأسطوري، وأسس بجسده المحترق شكلا جديدا من النضال الرافض للاحتلال في المسجد الاقصى وعموم القدس ، وأثبت ومن سبقه عنصرية اليمين اليهودي الذي يتفنن في إيذاء فلسطين بالقتل أوالحرق للفلسطينيين ولأشجار بلادنا وبيوتنا سيان، وأوضح بجلاء أن الخوف الاسرائيلي من الشجرة لا يقل عن خوفهم من الماء أو البشر؟!
كان الحاخام الإسرائيلي “نسيم مؤويل” أحد أهم المرجعيات الشرقية قد “أفتى”بوجوب اقتلاع أشجار الفلسطينيين وجواز تسميم آبارهم، كما فعل الحاخام “شلومو ريتسكين” أيضا من قبله وهو مدير المعهد العسكري الديني في مستوطنة كرنيه شمرون بمحافظة قلقيلية شمال غربي الضفة الغربية الذي أفتى لطلابه من الجنود بـ “جواز نهب محاصيل الزيتون من الفلسطينيين وجواز تسميم آبار مياههم”. كما أفتى الحاخام “دوف ليئور” أحد زعماء الصهيونية الدينية في (إسرائيل) وحاخام مستوطنة “كريات أربع” بمدينة الخليل جنوب الضفة والمرجعية الدينية لحزب “البيت اليهودي” اليميني المتطرف ثالث أكبر حزب في الائتلاف الحاكم بـ”تدمير غزة عن بكرة أبيها لتحقيق سلام (إسرائيل)”.
كما كان لاستشهاد فارس عودة في الانتفاضة الثالثة هدير كبير أسمع أمة، تفهم المقاومة بلا حدود ، ولم يبخل أطفال غزة ومخيم جنين والضفة الغربية بدمائهم ليجعلوا من رائحتها الزكية عنوانا للبطولة والفداء والتضحية ورفض الحقد والعنصرية والاحتلال والوحشية .
الطفلة المعتقلة سابقا ملاك الخطيب من رام الله والطفل المعتقل خالد الشيخ من القدس وأترابهم فرضوا شكلا جديدا من التحدي للمستوطنين وأتباع اليمين العنصري، تحدي الطفولة، كما فعلت عشرات الفعاليات الشبابية الفلسطينية من “باب الشمس وعين الحجلة وبوابة القدس” التي دشنت فيها حركة فتح مع كافة المناضلين في بلعين ونعلين وكفر قدوم والخليل وحوارة والمعصرة وسنجل وترمسعيا وسلوان وقلنديا والنبي صالح وعشرات المواقع على امتداد طول فلسطين وعرضها، دشنت الشكل الجديد في مسار النضال الوطني الفلسطيني.
عثرت الفعاليات الوطنية على ضالتها بالنضال الجماهيري في مناطق التماس مع المستوطنات وقرب الجدار وعلى الأراضي المصادرة، ودشنت الفصائل الوطنية عهدا جديدا من النضال الوطني في مختلف القرى، وامتطى الشباب قاعدة البناء للحفاظ على الأرض كما ثبتوا ولو جزئيا مبدأ المقاطعة للمنتجات الاسرائيلية كتفا الى كتف مع ما تقوم به منظمة BDS) ) العالمية.
وعمل السياسيون على الاستثمار السياسي الناجح للاعتراف العالمي بدولة فلسطين بدءا من السويد ثم بتوقيع الاتفاقيات الدولية والانضمام للمؤسسات وصولا للصراع القانوني الهام والمستحدث.
ان المطلّ على الخريطة النضالية في فلسطين اليوم يجد الكثير مما يستفاد منه ويمكن مراكمته، ولكنه يقف حائرا عند حدود الفعالية بمعنى النتيجة والتأثير المباشر على الغاصب الصهيوني، وذلك رغم تآزر الشباب والنساء والرجال وحتى الأطفال والشجر في فعاليات المقاومة الشعبية.
مع كثرة الابداعات النضالية الشعبية وتوزعها على كل مساحة الوطن الا أنها ما زالت تفتقر للقدرة على التأثير الكبير في واقع الاسرائيلي اليومي وطريقة تفكيره وسياساته ومواقفه، إذ أننا في حقيقة الأمر بحاجة لمزيد من الترابط والتنسيق والتواصل بين الفعاليات والنشاطات والقائمين عليها في حبل متين واحد، كما اننا بحاجة لديمومة واستمرارية لا لنشاطات موسمية محدودة الأثر والدويّ، ولنكون واضحين فإنه بدون دعم منهجي من السلطة ومن الحاضنة الشعبية، والعربية فان الامتداد والاستمرارية والتأثير تصبح غير متحققة.
إن المقاومة الوطنية ذات الامتداد والترابط والتنسيق وبالثقافة النضالية الشعبية، وبرفض الفكر الخرافي التوراتي وروايته وفتاويه الشائنة، وبقيادة يومية موحدة ودعم رسمي وشعبي داخلي وخارجي هو ما يمكننا من القول أن المنهج المقاوم بدأ يثبت أقدامه.
إننا بحاجة لتحويل المقاومة الوطنية الفلسطينية الشعبية الى منهج حياة يومية للكبار والأطفال وفي كل المحافل والمؤسسات، كما أشار لنا بيده الطفل أبوخضير مودعا وتاركا وصيته التي لم تحترق، وكما رسمت لنا الطفلة ملاك الفلسطينية في دفترها، ما يجعل من راحتنا في خبر كان، وما يغير من ثقافتنا وطبيعة حياتنا، ويضيف لعاداتنا اليومية مفردات وممارسات وقيم جديدة ،فإما نكون أبو خضير والشيخ وملاك، فعمل وصبر فنصر، وإما هلاك.
* مفكر وكاتب وأديب