إن أكثر ما يقلق إسرائيل، في أعقاب عدوانها على قافلة حزب الله في الجولان قرب القنيطرة، بتاريخ 18-1-2015- والذي ذهب ضحيته ستة من قادة حزب الله، وستة عسكريين إيرانيين، بينهم الجنرال الإيراني، القائد في الحرس الوطني “محمد علي الله دادي”- ومن حزب الله “محمد عيسى” قائد جبهة الجولان، إضافة إلى “جهاد مغنية”- الذين كانوا في موكب من ثلاث سيارات يتفقدون مزرعة “الأمل” في القنيطرة، وقد قتلوا بصواريخ أطلقت عليهم من قبل طائرات “هيلوكبتر” إسرائيلية، ومنذ هذا الحادث، وإسرائيل في حالة طوارئ، تعزز قواتها ودباباتها وتقوم يإغلاق الطرق على الحدود السورية-اللبنانية، توقعاً لردود فعل حزب الله على هذا العدوان، لكن أكثر ما تخشاه إسرائيل، بداية حرب استنزاف وتوتر على الحدود السورية-الإسرائيلية، انتقل هذا التوتر إلى الحدود اللبنانية أيضاً، وأدى إلى تعطيل الحياة والأمن في الجانب الإسرائيلي من الحدود، وتعطلت السياحة الإسرائيلية وبخاصة سياحة التزلج على الثلج في الجولان، وطلب من المستوطنين البقاء في منازلهم.
ومع أن الحكومة الإسرائيلية لم تعترف رسمياً بقيامها بهذا العدوان، لكن وحسب اللواء احتياط “غيورا آيلاند”- رئيس مجلس الأمن القومي السابق- فإن الجولة المشتركة لحزب الله والإيرانيين كان هدفها عملية استطلاع لبناء قواعد عسكرية وقواعد صواريخ، موجهة ضد إسرائيل من الجولان، كما أن “ملف ديفكه 19-1-2015″، المقرب من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، أشار إلى أن جولة حزب الله والإيرانيين كانت لاختيار المكان المناسب لنشر صواريخ في الجولان، لكن هذا العدوان قوبل بانتقادات من قبل المحللين الإسرائيليين، فالصحفي “ناحوم بارنيع”، انتقد في تحليل له في جريدة “يديعوت احرونوت 21-1-2015″، العملية، وقال بأنه بدل الجنرال الإيراني القتيل، سيأتي جنرال آخر، وبدل “جهاد مغنية” سيأتي آخر، أما إسرائيل فقد اشترت موجة من العمليات دون أن تربح شيئاً، وكتب المحرر العسكري لـ “يديعوت احرونوت 21-1-2015″، عن الارتباك الإسرائيلي الذي تحول إلى ذعر، ولا يمكن وصف ما حصل سوى انفصام حكومة إسرائيل، فمن ناحية لا تعترف بقيامها بهذه العملية، ومن ناحية أخرى فإنها تعترف بخطئها باغتيال الجنرال الإيراني، وفي نفس الوقت لم تعلن مسؤوليتها عنها وهذا دليل خوف، واتهمت جريدة “هآرتس22-1-2015” الحكومة، أنها كانت على علم بوجود الجنرال الإيراني في القافلة، ورغم ذلك صدر أمر القصف.
لكن كيف يتم اتخاذ القرار الإسرائيلي، في مواضيع مثل ضرب هذا الموكب، أو القيام بعمليات الاغتيالات في الداخل والخارج؟
هذا القرار يتم على مرحلتين، المرحلة الأولى تبدأ بالمشاورات بين وزير الجيش، وكبار القادة العسكريين، وقادة الأجهزة الأمنية من الشاباك وحتى الموساد، بعد الإطلاع على المعلومات المتوفرة، ويحولون قرارهم بالضربة أو الاغتيال إلى رئيس الوزراء لإعطاء أو عدم إعطاء الضوء الأخضر للتنفيذ، ودون قرار رئيس الوزراء لن تتم مثل هذه العمليات، وفي هذه الحالات، فإن سياسة الغموض المتبعة لعدم اعتراف إسرائيل رسمياً بمثل هذا النوع من العمليات، مع أن مصدراً أمنياً إسرائيليا أدلى بنوع من الاعتذار بأنه لم تكن هناك نية لقتل الجنرال الإيراني فجميع الأدلة والمعطيات والتقارير تحمل إسرائيل المسؤولية عن هذه العملية.
حزب الله أعلن أن المعركة الآن في الجولان، وإيران تهدد بقصف حقول الغاز الإسرائيلي في البحر المتوسط، وقائد الحرس الثوري الإيراني هدد بقصف إسرائيل مثل البرق، وعلى الصهاينة الاستعداد لعاصفة مدمرة، مما دفع بإسرائيل إلى زيادة الحراسة على حقول الغاز، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي ألغى سفره للمشاركة في اجتماعات رؤساء أركان حلف الناتو، واستعدادات عسكرية أخرى.
وبينما اعتبرت جريدة “هآرتس 20-1-2015″، أن العملية كانت استعراضية انتخابية بعد هبوط شعبية “نتنياهو” وحزبه في استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، قدمت النصيحة إلى “نتنياهو” ووزير جيشه “يعالون” أنه من الأفضل عدم التوصية بمثل هذه العمليات، لكن الحسابات الإسرائيلية على ما يبدو، اعتبرت أن مصلحة حزب الله وإيران الأولى هي سورية، وأنهم لن يقوموا بالرد على قصف الموكب، كي لا تتعرض سورية إلى رد إسرائيلي لتقويض النظام السوري، مع أن حزب الله من الناحية المعنوية والإعلامية، لا يستطيع عدم الرد، فقد أخطأوا في استنتاجاتهم، ففي منتصف ليلة الأربعاء 28-1-2015، أطلقت صفارات الإنذار في الجانب الإسرائيلي من الجولان، بعد إطلاق عدد من القذائف الصاروخية من الجانب السوري، لتشويش الحياة، وهو أسلوب جديد يتبعه حزب الله، وصباح الأربعاء 28-1-2015، قصفت صواريخ حزب الله، قافلة عسكرية بالقرب من بلدة “شبعا” المحتلة، وحسب اعتراف الجيش، قتل ضابطان وأصيب سبعة بجروح، وتم تدمير تسع سيارات عسكرية مما زاد من حالة التوتر، وجريدة “يديعوت احرونوت 22-1-2015″، حذرت من تورط إسرائيل بالمستنقع السوري، وأنه بمثل هذا التدخل، ستخسر إسرائيل التأثير الإستراتيجي الأهم في تاريخها، وهو البرهنة على أن إسرائيل ليست المشكلة في الشرق الأوسط المنشغل بحروب عربية وإسلامية داخلية، للتدليل بأن الصراع مع إسرائيل هامشي، على حد قول الجريدة.
لقد أنشأت إسرائيل حزاماً أمنياً في الجولان، كذلك نجحت باختراق المعارضة السورية بما فيها جبهة النصرة، الذين يوفرون لإسرائيل المعلومات، فقد كشفت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي بتاريخ “23-1-2015″، أنه إضافة إلى الرصد الإلكتروني والتكنولوجي، زعمت أن عملاء سوريين بينهم ضباط من الجيش السوري يعملون لصالح الموساد، وأن مراقبي الأمم المتحدة أكدوا أنه تم أكثر من (59) لقاء بين الجيش الإسرائيلي والعملاء، كما أنهم شاهدوا أن جنوداً إسرائيليين ينقلون صناديق مغلقة، يعتقدون أنها أسلحة لمسلحين سوريين، ولاحظ مراقبو الأمم المتحدة، قيام ضباط إسرائيليين بإدخال اثنين من السوريين إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، وحسب مجلة “فورتي بوليسي”، فإن إسرائيل أسست لعلاقات سرية مع مجموعات بين صفوف المتمردين السوريين، وأن تلك العلاقات تحت مسمى معالجة المصابين السوريين، كانت عبارة عن قناة استخبارية لتزويد إسرائيل بالمعلومات، خاصة التي ترتبط بالتنظيمات المتطرفة والقاعدة، وأن الجنرال الإيراني “محمد علي الله دادي”، كان يحمل هاتفاً نقالاً بشريحة اتصال سورية، مما يؤكد إذا صحت هذه المعلومات، بأن إسرائيل كانت على علم بوجوده، وحسب جريدة “هآرتس 7-12-2014″، فإن الأمم المتحدة في الجولان كشفت في تقاريرها ما يحدث على الحدود الإسرائيلية-السورية، وعن حجم التعاون بين إسرائيل ومنظمات المعارضة السورية، وأن هذه التقارير رفعت إلى أعضاء مجلس الأمن الـ (15)، وكانت البداية في آذار 2013، حين بدأت إسرائيل باستقبال جرحى سوريين للعلاج داخل حدودها، زعمت أنهم يصلون بمبادرتهم الشخصية، لكن تقارير الأمم المتحدة كشفت عن صلة مباشرة، بين الجيش الإسرائيلي، وبين مسلحين من المنظمات السورية المعارضة.
لقد أكدت المصادر الإسرائيلية، ومصادر الأمم المتحدة بأن المعارضين السوريين هم الذين زودوا الجيش الإسرائيلي بموكب حزب الله والإيرانيين في الجولان، لأنهم يريدون جر إسرائيل للقيام بتوجيه ضربات عسكرية لسورية، ورد سوري مقابل لافتعال حرب استنزاف بين الجانبين، تستفيد منه المعارضة السورية.
إسرائيل التي كانت البادئة، بعملية إطلاق الصواريخ على قافلة حزب الله، وتسببت بمقتل مسؤولين من حزب الله وإيران، وبدلاً من الاعتذار، فإنها تحمل إيران وسورية ولبنان مسؤولية انتقام حزب الله لعملية القنيطرة، بعملية شبعا، ووزير الجيش الإسرائيلي “موشيه يعالون”، بدلاً من الاعتراف بفشله في حماية الأمن الإسرائيلي، يتبجح بأن ذراع إسرائيل طويلة، وأن الجيش الإسرائيلي مستعد للتصدي لأي اعتداء، ورئيس الحكومة “نتنياهو” يهدد، لكن همه الانتخابات والعودة إلى رئاسة الحكومة، ومن بعده الطوفان، لكن رئيس الموساد السابق “مئير داغان”، حسب موقع “واللا الإسرائيلي 29-1-2015″، انضم إلى منتقدي الحكومة، ويتهم “نتنياهو” أنه يعرض أمن إسرائيل للخطر، مؤكداً أنه أصبح شخصية غير مرغوب فيها.
هناك من يقول من بين المعلقين الإسرائيليين، بأن الفوضى وأزمة سورية الداخلية، تسهل مهمة إسرائيل في خدمة أهدافها.
الرسالة المزعومة من حزب الله، حسب جريدة “معاريف” التي نقلت لإسرائيل بواسطة الأمم المتحدة، وجاء فيها: لسنا معنيين بالتصعيد بعد ردنا في عملية شبعا، فإسرائيل تستغل هذه الرسالة، كي تقلل من خسارتها بأعين الإسرائيليين، والدوائر السياسية في إسرائيل، تدعو لامتصاص الضربة من أجل منع المزيد من التدهور، بعد أن أظهرت الصور التي نشرتها مصادر إسرائيلية، أن شظايا قذائف الهاون التي دمرت المركبات الإسرائيلية العسكرية التسعة بجوار “شبعا”، حملت أسماء شهداء القنيطرة، الذين استشهدوا في قافلة حزب الله في القنيطرة.
هناك من يعتقد لدى المحللين السياسيين الإسرائيليين، بأن التوتر يعمل لصالح “نتنياهو” واليمين في معركتهم الانتخابية، وهناك من يعتقد العكس، لكن الشيء الواضح أن إسرائيل المعتدية، لا تريد من يرد على عدوانها، ومن أهم ما يلفت النظر، في موضوعي العدوان والرد، أن إسرائيل ولأول مرة تعتذر عن مقتل الجنرال الإيراني، وذلك في أعقاب إبلاغ الولايات المتحدة لإسرائيل، أن عدم الاعتذار سيدفع إيران للقيام برد مباشر على مقتل جنرالها، أما النقطة الأخرى، فإن إسرائيل ولأول مرة، لم تقم برد عسكري على عملية حزب الله في شبعا، التي أدت إلى مقتل وجرح تسعة جنود إسرائيليين، وهذا مؤشر، على وجود ترتيب جديد، وإلى توازنات جديدة للمنطقة.
*كاتب فلسطيني