السيد الحبيب الصيد رئيس الحكومة المعيّن قد يكون دخل التاريخ الوطني مرتين.
مرة أولى كونه أول رئيس لأول حكومة للجمهورية الثانية التونسية، ومرة ثانية كون حكومته تتعثّر قبل أن تباشر مهمتها وتخضع للتحوير قبل أن تحصل على الموافقة.
السيد الحبيب الصيد رئيس هذه الحكومة التي تعيش ولادة عسيرة يبدو رجلا محظوظا إذا ما استحضرنا رصيده السياسي والنضالي، فالرجل وإن تمتّع بسمعة طيبة لدى عدد كبير من الفاعلين السياسيين وباحترام كل من عمل معه ضمن المسؤوليات الهامة ـ والقليلة ـ التي تحملها فهو يبقى محدود التجربة قليل الخبرة والدراية بالشأن السياسي العام ولم تعرف عنه نضالات ولم تذكر له مواقف على الساحة الوطنية.
كما أنه لم يتقدم إلى استشارة الشعب ولم يقع انتخابه قاعديا حتى تكون له الشرعية التي تؤهله للوظيفة التي دعاه إليها رئيس الجمهورية كما يفترض أن يكون الأمر في الديمقراطيات الحديثة لا سيما منها ذات المنحى البرلماني كالذي اختارت بلادنا أن تتبعه بعد الثورة.
شرعية السيد الحبيب الصيد الوحيدة يقتبسها من قرار رئيس الجمهورية المنتخب شعبيا والذي لا شك أنه رأى في السيد الحبيب الصيد من المزايا ما يؤهله أن يكون رجل المرحلة المقبلة.
لكن يبدو أن شرعية رئيس الجمهورية وإن كانت ضرورية فهي لم تكن كافية لتعطي إلى السيد الحبيب الصيد الاعتبار والنفوذ اللازمين للنجاح في تشكيل حكومته التي راكمت أخطاء التردّد والتقلّب ساعات قليلة بعد الإعلان عنها وأياما فقط قبل تقدمها للتزكية إلى مجلس نواب الشعب.
والحقيقة فإن الحبيب الصيد لئن يتحمل القسط الأكبر من هذه الأخطاء التي حكمت على حكومته بولادة قيصرية فإن المسؤولية الأولى يتحمّلها زعماء «النداء» الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية والذين لم يكونوا واضحين بما يكفي ولا حاسمين في اختيارهم لتشكيل الحكومة وتركوا جوّا من الضبابية والغموض يلف عملية تشكيل الحكومة ولم يظهر بوضوح ما إذا كان المراد تكوين حكومة ائتلاف سياسي أم حكومة تحالف حزبي أم حكومة تكنوقراط مرة أخرى؟
وفي هذا الوضع جاءت أخطاء الحبيب الصيد وتوالت وكان أوّلها التمادي على طريق مرتبك يُميّزه عدم الوضوح وقلّة التوضيح حتى خلنا أن الحكومة قادرة على أن تستوعب كل أحد ولا أحد.
ثم كان الخطأ الثاني لرئيس الحكومة هو تسرّعه في الإعلان عن حكومته دون التثبت حتى من رغبة كامل أعضائها في الانضمام والمشاركة الفعلية.
وكان الخطأ الموالي ولعله الأخطر هو غياب التفسير والشرح والتعليل. لماذا اختيار هذا الوزير أو ذاك ولماذا تشريك هذا الحزب دون ذاك وما هو هدف الفريق الحكومي انطلاقا من هذه الاختيارات؟
لقد أخطأ السيد الحبيب الصيد حين اعتقد أنه يمكن أن يشكّل حكومته في السرية ودون الإعلان والإفصاح عن نواياه وأهدافه والحال أنه مطالب كمسؤول أول عن السلطة التنفيذية أن ينتهج بيداغوجية التوضيح والإقناع، ولكن رب ضارة نافعة فقد يكون تأجيل موعد المصادقة على هذه الحكومة فرصة يستثمرها السيد رئيس الحكومة لمراجعة طرق اختياره واتصاله.
*صحفي تونسي/”الشروق”