يدرك من يراقب سير أعمال العنف والاشتباكات بين الجيش الليبي والميليشيات المسلحة في مختلف المناطق، أنها وصلت إلى مرحلة كسر العظم أو الوجود أو اللاوجود، مع الحرائق الكبيرة التي استهدفت منطقة الهلال النفطي وخاصة مرفأ السدرة، واحتراق أكثر من سبعة خزانات كبيرة لأكثر من أسبوع وسببت خسائر مادية كبيرة، جراء قصف الميليشيات لها، وقبل ذلك استهداف المطارات الليبية، وتم تعطيلها وتدمير طائرات مدنية دفع ثمنها الشعب من عرق جبينه، إضافة إلى نسف مشاريع أخرى تشكل عصب اقتصاد البلاد.
هذه الأحداث المؤسفة التي تحاول الميليشيات الإرهابية من خلالها إنهاء وجود ليبيا الموحدة وتقسيمها إلى دويلات متناحرة وتهجير المدنيين وتشتيت شملهم وضرب اقتصاد البلاد، الأمر الذي يستدعي حالة التعبئة الشاملة من قبل الجيش الليبي وبدعم عربي ودولي كاملين للحكومة الشرعية لمواجهة هذه الجماعات الإرهابية الخارجة عن القوانين الإنسانية في مدن ليبيا كافة، وعلى القبائل الليبية أن ترفع الغطاء الاجتماعي وتتبرأ ممن يتورط في هذه الأعمال الإرهابية، وتقف إلى جانب الحكومة الشرعية.
وتتجلى الخطورة الكبرى أيضاً على مستقبل ليبيا في ظهور تنظيم “داعش” الإرهابي وسيطرته على مدينة درنة ومناطق أخرى وشنه هجمات واختطاف مدنيين وعناصر من الجيش الليبي وإعدامهم بطريقة وحشية، على غرار المجازر الدموية البشعة التي ترتكبها ميليشيات ما يسمى “فجر ليبيا”، في بنغازي وسرت من ذبح وحرق لمنتسبي الجيش والمواطنين المساندين له.
الدول العربية والمجتمع الدولي مطالب اليوم برفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي، وتوفير الدعم الكامل له في الحرب ضد الإرهاب، وتفعيل قرارات مجلس الأمن الصادرة بحق كل من يعرقل العملية السياسية والمسار الديمقراطي في ليبيا، ومن يمارس الإرهاب ويدعمه ويتستر عليه.
يبدو من تطور الأحداث في ليبيا إلى مستويات خطيرة وتحركات دوائر القرار الغربية أن التدخل العسكري الغربي، وخاصة الفرنسي، بات وشيكاً، لشن هجمات تستهدف الجنوب الليبي، الأمر الذي يفسر حرص وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دريان على زيارة قاعدة عسكرية منسية قيد التأهيل لتوجيه رسالة قوية تبرز الاهتمام الفرنسي والقلق من الوضع في كل أنحاء ليبيا، وخصوصاً في الجنوب الذي تقول عنه باريس إنه أصبح “قاعدة خلفية للإرهاب” وباباً له على المتوسط وإرسال إشارات لجميع المعنيين بهذا الوضع مفادها أن باريس جاهزة لتحمل كل مسؤولياتها، الأمر الذي يعني ضمناً التدخل العسكري، خاصة أن لهذه القاعدة أهمية استثنائية، إذ إنها تشكل جزءاً من عملية “بركان” الفرنسية الخاصة بإعادة انتشار قواتها الموجودة في بلدان الساحل وتوجيهها لهدف رئيسي هو الحرب ضد المنظمات الإرهابية الناشطة في بلدان الساحل وفي الشريط الممتد من موريتانيا وحتى دارفور.
الليبيون مطالبون اليوم بتصويب مسار ثورة فبراير،2011 الأمر الذي يبدو أنه لن يكون سهلاً، قبل حسم الأمور لصالح إقامة دولة ديمقراطية تحت مظلة الحرية والكرامة والعدل، وخاصة مع غنى ليبيا بالثروات النفطية الأمر الذي يحقق الرفاهية لشعبها إذا تم استثمارها بالشكل الصحيح والأمثل، بدلاً من أن يكون عبئاً تستخدمه الميليشيات الإرهابية في تفقيره وفنائه وتهجيره وتشريده إلى دول الجوار والعالم.
“الخليج” الاماراتية