يُعتبر القرار الذي اتخذه قائد المسيرة الوطنية رئيس دولة فلسطين السيد الرئيس محمود عباس ابو مازن “حفظه الله” بالانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية وباقي المنظمات الأممية والدولية الأخرى يُعتبر بمثابة ضربة قاسية ولطمة كبرى للسياسة التعسفية والمتعنتة لأمريكا وربيبتها إسرائيل لرفضها الدائم إعادة الحق المشروع للشعب الفلسطيني المُمثل في إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
القرار الفلسطيني التاريخي في مواجهة التعسف الظالم للإدارة الأمريكية ومن خلفها إسرائيل كان مدروساً وفقا لخطة دبلوماسية وسياسية مُتفق عليها مسبقاً للقيادة الفلسطينية التي تعمل بنظام خطوة يتلوها خطوة أخرى، وبالأمس كان ذلك القرار رداً على إفشال أمريكا لمشروع القرار الفلسطيني المُقدم لدى مجلس الأمن بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي خلال فترة زمنية محددة تنتهي بقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.
المشروع الفلسطيني العادل بإنهاء أخر احتلال على وجه الأرض اصطدم كالعادة بالعنجهية والغطرسة الأمريكية والاسرائيلية واللتان بدورهما مارستا ضغوطا هائلة على الدول الأخرى من أجل منعها من التصويت لصالح دولة فلسطين وحقها في الوجود لإنهاء أخر احتلال ظالم على وجه الأرض.
القيادة الفلسطينية الوطنية والمُخلصة لشعبها استنفذت سابقا جميع السُبل المُتاحة من خلال المفاوضات لإعادة الحق الفلسطيني الثابت للشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، ولا زالت تترك الباب مفتوحا من أجل الوصول لحل عادل لقضية فلسطين وانهاء الاحتلال، ولكن كانت دوما تصطدم بالتعسف والتعنت الاسرائيلي المدعوم من العرّاب الأمريكي الذي لم يكن نزيهاً على الإطلاق وإنما كان مُنحازاً مع الباطل الاسرائيلي الغاشم ضد الحق الفلسطيني الراسخ على هذه الأرض منذ اّلاف السنين.
المشروع الفلسطيني بإنهاء الاحتلال والذي تم تقديمه سابقا وتم رفضه في مجلس الأمن، وذلك الرفض كان متوقعاً سواء حصلنا على تصويت 9 دول أو أكثر لأنه كان سيصطدم بالفيتو الأمريكي المؤكد.. لذلك كانت القيادة جاهزة مُسبقاً لجميع الاحتمالات، وكان القرار بالتوقيع للانضمام للمنظمات الدولية ومنها محكمة الجنايات الدولية كخطوة مدروسة بعناية وليست رد فعل لرفض المشروع الفلسطيني.
ولكن يعتبر هذا التوقيت مثالياً للانضمام الى تلك الاتفاقيات الدولية حتى تبقى الكرة دائما في الملعب الاسرائيلي الذي يحاصره الهجوم الفلسطيني المتواصل حتى انتزاع حق الشعب الفلسطيني من ذلك الغاصب المحتل. الفشل لم يكن فلسطينياً على الاطلاق لأن فلسطين وقيادتها تسعى بكل جهد ممكن لإحلال السلام على أرض السلام، ولذلك فإن الفشل أولا وأخيرا يعود لإسرائيل وأمريكا ثم إلى مجلس الأمن الدولي الذي أفشل مساعي السلام الفلسطينية.
رغم ذلك فإن القيادة الفلسطينية الباسلة ستواصل من جديد تقديم مشروعها لإنهاء الاحتلال لقناعتها التامة بأن المهم والأهم هو مواصلة النضال نحو الحرية،ولذلك يجب على الكل الفلسطيني الالتفاف خلف القيادة الفلسطينية الشُجاعة لتحريضها الدائم على مواصلة المُضي قُـدما نحو فلسطين والقدس، ومواصلة تكرار المحاولات الدائمة لاستصدار القرار يتلوه القرار حتى نُحكم الطوق تماما حول رقبة السجّان الاسرائيلي ونجعله يعترف عـنوةً بإرجاع حقوق شعبنا الفلسطيني.
القيادة الفلسطينية الشُجاعة بقيادة السيد الرئيس ابو مازن حفظه الله ورعاه لمواصلة الدرب نحو الحرية والاستقلال حققت سابقا نصراً مؤزرا وهاما عندما انتزعت لفلسطين دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة وأعادت فلسطين للجغرافيا العالمية من جديد، وذلك النصر الهام هو الذي أسس للانتصارات القادمة وكان منها الانضمام للعديد من المؤسسات والمعاهدات الدولية.
وتعتبر خطوة الأمس بالانضمام لمحكمة الجنايات الدولية هي احدى نتائج ذلك النصر الذي انتزعه الرئيس “ابو مازن” لفلسطين من بين براثن العدو الإسرائيلي، ولذلك فإن السياسة الحكيمة والمدروسة للسيد الرئيس ستقودنا لا محالة إلى تحقيق الحلم الفلسطيني بإقامة دولة فلسطين عاجلا أو أجلا إن شاء الله.
القرار التاريخي تم إقراره في يوم تاريخي وعـظيم للثورة الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فـتـح” لأنه جاء عشية ذكرى اليوبيل الذهبي الـخمسين لانطلاقة المارد الفتحــاوي الذي قاد ثورة التحرير الأولى منذ عام 1965 م وحتى هذه اللحظة التاريخية التي وقع فيها السيد الرئيس قرار الانضمام للجنائية الدولية، ولهذا فأن القرار يستمد روح القوة والعنفوان الثوري لقائد كبير ورث الأمانة والمسيرة من أخيه الأكبر الشهيد الأسطورة ياسر عرفات رحمه الله.
لذلك كان القرار عـظيما وتاريخياً لأنه بكل بساطة يحمل مفاهيم العـزة والكرامة والشموخ والكبرياء الوطني، وبكل تأكيد فإن ذلك القرار لا يصدر إلا من قائد عظيم يتمتع بكل تلك الصفات النبيلة. القرار الهام والتاريخي بالانضمام لمحكمة الجنايات الدولية والمؤسسات الأخرى لمحاكمة العدو الاسرائيلي المحتل على جرائمه التي يندى لها جبين الانسانية والتي اقترفها بحق أبناء الشعب الفلسطيني هو قـرار جرئ وشُجاع وأقل ما يوصف به بأنه قرار وطني تاريخي.
ذلك القرار الشُجاع الذي وصفه الأعداء “بالخيار النووي لأبو مازن” يعتبر بمثابة نقلة نوعية واستراتيجية في ادارة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، حيث قامت القيادة الفلسطينية بنقل الصراع وإعادته الى داخل أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي،أي تدويله دوليا، ولذلك كانت هذه الخطوة مدروسة بعناية من قيادتنا الوطنية الشُجاعة التي لا زالت تملك العديد من أسلحتها الهامة لاستخدامها وقت الحاجة وحسب ما يُستجد من أمـور.
إعادة الصراع الى مجلس الأمن والمؤسسات الدولية من خلال خوض القيادة الفلسطينية لحرب سياسية ودبلوماسية ضارية مع العدو الاسرائيلي، وذلك الصراع بطبيعة الحال يكون مدعوما بمقاومة شعبية جبّاره على أرض فلسطين كما تفعل القيادة الفلسطينية بنفسها عندما تقود المقاومة الشعبية وما استشهاد القائد زياد ابو عين مؤخراً إلا دليلاً على ذلك.
وتلك الحرب الدبلوماسية والسياسية لا تقل ضراوةً أو شراسة عن سائر المعاركة الحربية إن لم تكن أعظم منها على الاطلاق لأن الفيصل في ذلك هو النتائج العملية، والعبرة بالخواتيم دائما. القيادة الفلسطينية بفضل جهود السيد الرئيس ابو مازن وتوجيهاته قامت بتعرية الغاصب الاسرائيلي المحتل أمام العالم أجمع، واستطاعت بفضل جهودها الحثيثة إقناع العالم بأكمله بعدالة قضية الشعب الفلسطيني وحقه في اقامة دولة فلسطين الحبيبة وعاصمتها القدس الشريف.
ويعتبر اعتراف البرلمانات الأوروبية بدولة فلسطين ومطالبتها لحكوماتها بالاعتراف بدولة فلسطين تتويجاً و نجاحا ساحقا للقيادة الفلسطينية وحركة فتح على وجه الخصوص بقيادة السيد الرئيس ابو مازن، واثباتاً لصحة النهج الذي يسير عليه نحو الحرية والقدس.
كذلك فإن تلك الاعترافات بدولة فلسطين تعتبر من ناحية أخرى ضربة موجعة وقاصمة للعدو الاسرائيلي لأن الخناق الدولي وخصوصا الأوروبي بدأ يزداد عليه وبصورة غير مسبوقة من قبل نضراً لجهود السيد الرئيس وقيادته الحكيمة التي أحدثت تحـولا كبيرا جداً في السياسة الأوروبية لصالح وجوب قيام دولة فلسطين وإنهاء الاحتلال الأخير في العالم.
كل ذلك النجاح الحقيقي لم يأتِ من فراغ وإنما تم وفقا لجهود حثيثة سواء سياسية او دبلوماسية رفيعة المستوى وتلك الجهود جميعا تمت من خلال توجيهات السيد الرئيس ابو مازن قائد مسيرتنا الوطنية المظفرة نحو قدس الأقداس، ولذلك يحق لنا الافتخـار والشموخ برئيسنا وقائد مسيرتنا الوطنية لأنه على درب العظماء يسير وبنورهم يهتدي ويحارب.
القيادة الأمريكية على لسان وزير خارجيتها “كيري” الذي هدّد الرئيس ابو مازن حفظه الله مباشرة وقال له “خط ٌ أحمر” وطالبه بعدم الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية وأضاف مهدداً ” ستخسر سلطتك وستخسر حل الدولتين وستخسر نفسك”، وهددوه بقطع الأموال وغير ذلك. ذاك هو التهديد الأمريكي الفاضح للعدالة الدولية والانسانية جمعاء ويتم توجيهه لأبن فلسطين البار لأن يطالب بحق شعبه في الوجود والعيش بسلام على هذه الأرض فقط.
ابو مازن قال ردا على التهديد الأمريكي المباشر لا ثم لا وألف لا , لا للظلم والتعسف والعنجهية المتغطرسة للاحتلال الغاشم،وأستمر في المُضي قُـدما لأجل دولة فلسطين و القدس الشريف، وقام بالتوقيع على الانضمام للمعاهدات والاتفاقيات الأممية وعلى رأسها الانضمام للجنائية الدولية لمحاكمة الغاصب المحتل على جرائمه بحق أبناء فلسطين وأرضها.
عـظـمة القرار تكمن في قوة الرد على تهديد الأعـداء (أمريكا واسرائيل) المدعومين من جبابرة الأرض والذين يفوقونك قوة وتبجحا وعنجهية. وأنت صاحب الحـق تعتبر الطرف الأضعف في المعادلة، ولكنك تمتلك الإرادة والعزيمة و قــوة الحــق والايمان بعدالة شعبك وحقه في الوجــود لأنك تقف بقدميك الراسخة على هذه الأرض منذ ألاّف السنين. ومن ذلك الإيمان فإن الرئيس ابو مازن تحـدّى أمريكا وإسرائيل رغم معرفته التامة بتهديداتهم التي بلغت حياته الخاصة ولكنه لم يخشاهم وكان التحـدي هو العـنوان.
القرار والتحـدي كان من أجل فلسطين لأن فلسطين تسكن في قلبه وتسري في دمائه الوطنية الطاهرة، ولأنه العاشق والمدافع الأول عن فلسطين كان ذلك القرار الوطني الهام جداً والذي بطبيعة الحال لا يصدر إلا من قائد عظيم وتاريخي أمثال سيدي الرئيس ابو مازن.
القرار الهام سقط على أمريكا وإسرائيل كالصاعقة من السماء الى الأرض ولهذا وصفه الأعـداء بأنه “خـيّـار ابو مـازن الـنـووي”.
لتقتنعوا جميعا بعـظمة السيد الرئيس “ابو مازن” وكبرياءه الوطني وشموخه الفلسطيني، وحتى لا تلتفتوا للخُزعبلات التي يطلقها المتآمرون والخونة ضد الرئيس لأنه يحارب اسرائيل، لتقتنعوا بعظمة ابو مازن فما عليكم سوى التمعّـن في رد الرئيس العملي وبما لا يدع مجالا للشك بوطنية ابو مازن وإخلاصه التام لفلسطين.
الرد العملي الفعّال للرئيس هو القرار بالانضمام للمؤسسات الدولية من أجل انتزاع الحق الفلسطيني بقوة الحق الأبدية للشعب الفلسطيني على هذه الأرض رغم معرفة سيادته الكاملة بخطورة ذلك القرار على حياته الشخصية ومواجهته لنفس مصير ياسر عرفات من قبله كما اخبره “كيري” اللعين. ولكن سيادته اختار فلسطين وحرية شعبه على حياته الخاصة التي يقدمها طواعيةً قرباناً من أجل فلسطين وحريتها وهو بذلك يُسطر أروع ملاحم الفِـداء والتحـدي.
ولذلك أجزم بكل الديانات السماوية التي تؤمنون بها بأن السيد الرئيس “ابو مازن” هو قائد وطني خالص وبامتياز، ويعمل فقط لأجل فلسطين حُـرة عـربيه لأنها تسكن في قلبه وتسري في عروق دمائه الوطنية الطاهرة.
وأقول هذه الجزئية الصغيرة لأقـزام ونكرات هذه الأمة الذين يتناغمون مع الاحتلال الاسرائيلي في هجومهم الغير مبرر نهائيا على السيد الرئيس لعلّ وعسىّ أن يعودوا لرشدهم ويختاروا مصلحة فلسطين على مصالحهم الخاصة، كما أطلب منهم العودة إلى حضن الوطن والأم فلسطين والوقوف بجانب ابنها البار محمود عباس ابو مازن حفظه الله كي يواصل المسيرة الوطنية نحو اقامة دولة فلسطين الحبيبة.
لأجل ذلك تأتي وتنبع عـظمة القرار و أهميته التاريخية في مسيرة التحرر الوطني من الاحتلال الاسرائيلي البغيض لأنه يؤسس لمرحلة نضالية جديدة من الاشتباك مع العدو الصهيوني، وهذه المرحلة وبكل تأكيد ستؤتى اُكلها بقيام دولة فلسطين المستقلة.
ولهذا فإن ذلك القرار وبكل وضوح وشفافية أؤكد بأنه : قـرار تاريخي في يوم تاريخي لا يصدر إلا من قائد تاريخي بحجم رئيس دولة فلسطين السيد الرئيس محمود عباس ابو مازن حفظه الله ورعاه وسدّد خُطاه من أجل استعادة حقوق دولة فلسطين الحبيبة وأبناء شعبها البطل.
أخيراً أتوجه إلى كل أحرار العالم وإلى أبناء فلسطين الحبيبة بالوقوف خلف القيادة الفلسطينية الباسلة بقيادة السيد الرئيس ابو مازن لأنه يحـارب الأعداء بصدره العاري ومتسلحا بالإيمان وقوة الحق الفلسطيني ويقود قافلة التحرير نحو القدس من أجل الحـرية والكرامة والشموخ والكبرياء الفلسطيني. سيدي الرئيس.. دمت ذُخـراً لفلسطين.
* كاتب ومحلل سياسي