الإرهاب لا دين له ولا وطن ولا جنس، فالمتورطون فيه موزعون على شبكة تغطي الأرض من قطبها الجنوبي إلى قطبها الشمالي، الإرهاب موجود ويمكن أن ينبت وينمو ويكبر في أي مكان إذا توافرت له الظروف المواتية، كالظلم والجهل والفقر والمرض، ومتى ما وجد الإرهاب يمكن له أن يتخفى أو يظهر متى شاء، فيضرب وسط أي مجتمع، والإرهاب نزعة ضالة ينجر إليها الشخص أو الجماعة سواء أكان مسلما أم مسيحيا أم يهوديا؟ وسواء أ ولد في أمريكا وأوروبا أم في آسيا وأفريقيا؟ وعلى الرغم من تعدد مصادره وتنوع مرجعياته، واختلاف أسبابه ومسبباته يبقى جوهره واحدا في الشكل والمضمون، سواء مارسه الأفراد أو الجماعات والأحزاب، أم مارسته الدول، ولعل إرهاب الدول اخطر من إرهاب الأفراد والجماعات، فنتائجه وخيمة جسيمة وأكثر خطورة، واشد ابتلاء على الإنسانية وأمامنا مجازر إسرائيل في أهالي غزة حين حرقت الزرع والضرع والسكن، واحتلال أمريكا لفيتنام وأفغانستان والعراق، ومهما بدا الإرهاب يتماها بالأديان والأفكار والمبادئ أو القضايا الإنسانية والقومية والوطنية حين يكشر أنيابه لا يفرق أيا تكون ضحاياه من الصغار أو الكبار فالإرهابي يأكل نفسه إن لم يجد ما يأكله.
والإرهاب اليوم أصبح ظاهرة عامة قارة لدى كل الأمم وفي كل المجتمعات المتأخرة والمتمدنة، المتخلفة والمتقدمة، المحافظة والمتحررة، فلا نكاد نستثني بلدا أو مجتمعا حتى يبتلى به، وعلى الرغم من أن الإرهاب أصبح من خلال تجاربه المتكررة مألوفا ومعروفا للقاصي والداني، ويمكن حده بتوظيف الطاقات الفكرية والبدنية والخيالية المنحرفة سلوكيا لابتزاز الآخرين بالعنف وقوة القهر والجبر أو اللطف بالترغيب والرضا بوسائل الاحتيال والخداع والإغراء وحملهم على الإذعان لإرادة الغير من دون وجه حق ظلما تأباه الشرائع السماوية ويعاقب عليه القانون الدولي وينكره العرف والذوق العام والقيم الأخلاقية الإنسانية. لكن الدول العظمى رأته عصيا على الفهم والاحتواء، فمن العسير الاهتداء إليه وتعريفه وتشخيصه من دون أن تكون بينه وبين الحق مشتبهات تدرأ الحدود، فأشاحت عن تعريفه وتوصيفه لغاية في النفس، ولكي لا تلتزم أو تُلزم يوما بما حددت، وأرادت أن يظل مفهومة غامضا فضفاضا ملتبسا فالدول العظمى وخلفها يسير المجتمع الدولي بلا حول ولا قوة لا تريد أن تكون صادقة مع نفسها فتوصّف الإرهاب، لمواربة يخفيها كل طرف خلف الأكمة، على الرغم من أن الإرهاب اليوم يتبنى لغة الرصاص والحديد والنار سلاحا للقتل والفتك علنا، وبات ضحاياه بالملايين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وصورهم تنقل مباشرة على الفضائيات وتتناقلها الإذاعات والصحف ووكالات الأنباء، لكن العالم لا يرى إلا ما يعنيه وما عداه لا عين رأت ولا أذن سمعت.
لقد تجاوز الإرهاب في عصرنا حدود الأفراد والجماعات والأحزاب، وصار يمارس على مستوى الدول حتى العظمى منها على حد سواء، تمارسه على الأرض عسكريا تقصف وتقتل وتنتهك الحرمات ولو بالخطأ، وتمارسه في المؤتمرات والندوات بالضغوط وأسلوب العصا والجزرة، وتمارسه على صعيد الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتصويت المشرعن، أخرها فيتو أمريكا ضد اعتبار الأراضي الفلسطينية أراضي محررة، وهكذا قنن الإرهاب وشرعن لصالح القوى المتحكمة في العالم التي جعلت من شعار مكافحة الإرهاب إرهابا مباحا تمارسه بتخويل أممي تحت غطاء القانون سمعه وبصره. وإذا كان القانون يجرم من لا يبلغ عن الجريمة ويسكت عنها فإن السكوت والصمت على ممارسة الإرهاب في العرف الدولي صار سياسة تمارسها الدول وفق هواها. وإن كان من يسكت على جرائم الإرهاب لا يقل خطورة عمن يمارسه فعلا، فلا نامت أعين الجبناء.
الإرهاب اليوم يمارس بكل صورة البشعة جهارا نهارا، ولاسيما في أسيا وأفريقيا، إسرائيل تقتل الآلاف قي غزة وتمارس إرهاب الدولة على دول الجوار، وإيران بمليشياتها المدعومة رسميا تمارس إرهاب الدولة في سوريا والعراق، وتمارس إرهابا إعلاميا وسياسيا على البحرين ودول الخليج، والأسد يمارس إرهاب الرئيس على شعبه والعالم لا يحرك ساكنا، ويسرنا أن نجد حلفا دوليا تشكل وتوحدت جهوده للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، ونريد من العالم الذي يحارب داعش مشكورا، ألا يسكت ويصمت عما يفعله الحوثيون في اليمن، وحزب الله اللبناني في سوريا، وعصائب أهل الحق وجيش المختار ولواء أبي العباس في العراق، رغم التقارير التي تؤكد ارتكاب هذه المليشيات جرائم حرب ضد الإنسانية مداهمات وحشية للآمنين اعتقال وقتل وتعذيب واغتصاب وتهجير وحرق منازل ونسف دور العلم والعبادة، وتجريف البساتين، أعمال ترفضها الشرائع السماوية والقوانين الدولية. تعيق تفاعل شرائح واسعة مع التحالف الدولي، ونريد له أن يقف مع كل المحبين للسلام والاستقرار ضد من يحمل السلاح خارج إطار القانون بلا تمييز.
“البلاد” البحرينية