أول ما يتبادر إلى ذهن أي عربي عند ذكر ليبيا، هو مشهد الحرائق وألسنة النيران التي اندلعت في خزانات النفط وأتت على ما فيها، في صورة تعبيرية عن الحريق الذي يجتاح ليبيا منذ سنوات، وتمتد ألسنته إلى مختلف جوانب الحياة في الدولة العربية المهددة بالفشل والتفتيت والانقسام على الذات، وسطوة ميليشيات متعددة الأنواع والتوجهات على مناطق من البلاد، ومحاولتها بناء كيانات خاصة بها على أجزاء منها.
السلطات الليبية طالبت خلال الاجتماع الاستثنائي لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين الذي عقد الاثنين الماضي، المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته وتسليح الجيش الوطني، وحث مندوبها لدى الجامعة عاشور بو راشد المجتمع الدولي على تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، وأن يقوم من دون إبطاء أو مماطلة بتسليح الجيش الليبي حتى يتمكن من إنجاز مهمته، وطالب بإصدار قوائم بأسماء من أجرموا في حق ليبيا، وعرقلوا عملية الوصول إلى حل سلمي للأزمة بالحوار لمحاكمتهم.
مطالب واقعية في ظل ما تشهده ليبيا من احتراب وتدمير، وتغلغل لقوى الإرهاب والميليشيات التي لا تعرف لها إيديولوجيا أو توجهات واضحة، سوى أنها تجني مكاسب جانبية من خلال الفوضى العارمة التي تساهم في توسيع رقعتها وتصعيد حدتها إلى مستويات غير مسبوقة.
لكن هذه المطالب لن تكون سهلة التحقق إذا وضعنا في الاعتبار أن أطرافاً في المجتمع الدولي ما زالت ترى مصلحة لها في استمرار وتمدد الحريق الليبي، وأن أطرافاً أخرى آثرت الصمت والابتعاد إقراراً بالعجز عن مواجهة هذا التهديد المتصاعد من الشواطئ الجنوبية للمتوسط، التي باتت مصدر القلق والتخوف الأول للجيران الشماليين، الذين يواجهون تصديراً متصاعداً لأزمات جيرانهم على شكل مهاجرين سريين يعبرون المتوسط بحثاً عن الأمن.
لا يفتأ الجيران الأوروبيون يؤكدون في كل مناسبة أن أمن دول الضفة الأخرى للمتوسط من أمن دولهم المحاذية لها، لكنهم في المقابل، لا يتخذون من القرارات ما يترجم هذه التأكيدات، وذاك القلق من التهديد المتصاعد، ويكتفون باتخاذ موقف المتفرج أو المراقب في أفضل الأحوال، لتطورات الحرب الطاحنة في ليبيا، منتظرين أن تحل الأزمة نفسها، وهذا ما لن يكون في المدى المنظور على الأقل .
الحل في ليبيا لم يعد مقتصراً على المستوى الداخلي، والدعوات إلى حل سلمي للأزمة قائم على الحوار بين الأطراف جميعها لا تبدو أمراً منطقياً، في ظل واقع أن معظم الأطراف المتصارعة غير مستعدة للاستماع لهذه النداءات، ولا تؤمن بمبدأ الحوار، ولا تضع في حساباتها عنصري الاختلاف والتعدد، لأنها ذات أجندات خاصة، وتتبنى توجهات إقصائية، قائمة على تصفية الخصوم، لا الحوار معهم.
المطلوب في الوقت الراهن أن يبحث المجتمعان العربي والدولي عن الطرف الأصلح المتبني لمبادئ الحوار والحل السلمي للمضي معه ودعمه في عملية تحرير ليبيا من قوى الظلام والتطرف الهادفة إلى إحراق البلاد وإفشال أي مشروع لبناء الدولة فيها، وهذا سيتطلب بالضرورة دعماً على مختلف المستويات، العسكرية والسياسية والاقتصادية، وتوافقاً دولياً على مساعدة الليبيين الساعين إلى إنقاذ بلادهم في هذه العملية، بما لا يمس مستقبلاً سيادة ليبيا وقرارها الوطني، وبما يجنب جيرانها العرب والأوروبيين خطر امتداد النيران إلى حدودهم.
“الخليج” الاماراتية