لعلّه من حسن الطالع أن تتزامن احتفالات رأس السنة بانطلاق أول مدة رئاسية على رأس الجمهورية الثانية فاز بها بجدارة وتألّق السيد الباجي قايد السبسي. فقد يجد حاكم تونس الجديد وفريقه، الذين لا نشكّ أن أهم المسؤوليات في الدولة ستكون من نصيبهم، عبرة وفرصة في حلول السنة الجديدة لاستنباط ما تحتاجه تونس اليوم من تصورات و مشاريع لتجدّدها.
رئيس جديد وعهدة رئاسية جديدة وحكومة جديدة.. وسنة جديدة. لكن كل ذلك لا يكفي لتحقيق التجدّد المطلوب لأن السنوات الأربع التي مضت لئن، أهدت شعبنا الحرية والديمقراطية ومكّنت من تجديد النخبة السياسية فإنها تركت البلاد في وضع اقتصادي واجتماعي وثقافي أقل ما يمكن أن يقال فيه إنه كارثي.. فنسبة النموّ التي مثّلت لسنوات طويلة ميزة الاقتصاد التونسي تبدو اليوم بعيدة، وسياحتنا التي كانت مفخرة جنوب المتوسط كلّه ورمز استقرارنا وتفتحنا تمرّ بفترة عسيرة من العجز والتراجع، وفلاحتنا أضحت غير قادرة على إطعام الشعب فضلا عن تحقيق أمنه الغذائي. وصناعتنا التي نجحت في فرض وجودها في الأسواق الأوروبية صارت معطّلة ومهترئة. أما عن تعليمنا وما بلغه من تدنّ في المستوى فعن البحر حدّث ولا حرج، وأما ثقافتنا فقد وصلت قمما من الرداءة والتفاهة.. ولا فائدة للتذكير بما يعانيه المواطن من صعوبات معيشية كبيرة سواء منها ما تعلّق بغلاء الأسعار أو بوضعه النفسي المرتبك بسبب مخاطر الإرهاب والعنف التي تسيطر على أجواء البلاد.
إن تونس اليوم حقل شاسع من الأطلال والانقاض تنتظر فتح ورشات البناء في كل مجال ومكان. من أين نبدأ وبماذا نبدأ وخصوصا، خصوصا، كيف نعيد البناء؟
إن من حظ تونس أن يكون الباجي قايد السبسي هو أول رئيس للجمهورية الثانية لسببين اثنين على الأقل:
أولا لأنه رجل عقل وخبرة شهد ميلاد الدولة التونسية الحديثة وتابع مراحل بنائها وأسهم في نجاحاتها كما في إخفاقاتها.
ثانيا لأن بيده مفاتيح السلطة كلها وهو ما يزيد من مسؤوليته التاريخية.
نحن لا نريد من الباجي قايد السبسي أن يكون الرئيس المعجزة لأننا نعلم أن زمن «الرجل المحفوف بالعناية الإلهية» (L’homme providentiel) قد ولّى وانقضى. لكن ما نريده منه أولا وقبل كل شيء هو أن يتجنّب محاولة صنع الجديد بالقديم (faire du neuf avec du vieux)، فلا يعيد لنا تصورات واهية ومناهج قد عفا عنها الزمن ولا على أساس ايديولوجيات انتهى عهدها. فكارل ماركس قد مات ولم تعد الماركسية تصلح إلا لقراءة التاريخ، والليبرالية تحتضر.
نريد من الباجي قايد السبسي أن يشعل شرارة الأمل الكامنة في نفوس شبابنا، نريده أن يعيد الثقة الى النفوس، نريده أن يحدّد الوجهة، نريده أن يبعنا المستقبل كما باع الرئيس كينيدي حدودا جديدة لشعبه فبلغ سطح القمر، نريده أن يدفع التونسيين الى الإيمان بمصير جماعي.
لذلك سيكون أول انتظارنا من الرئيس المنتخب حكومة لا لإدارة الشؤون العامة ولكن لتصوّر مستقبل لتونس المتجدّدة.
*صحفي تونسي/”الشروق” التونسية