لن تكون للصراعات التي تحدث في أعلى هرم السلطة هذه الأيام، أيُّ فائدة للبلد إلا إذا اقتنعت السلطة بمختلف أجنحتها، بأن حلّها الوحيد يكمن في رفع الوصاية عن الشعب، وتعيين من يحكمه رغماً عنه، ونبذ ذهنية احتكار الحكم والخلود فيه، والسير نحو إقرار الديمقراطية الحقيقية في البلد.
قادة الجيش والأمن مخطئون باحتفاظهم بـ”حق” تعيين الرؤساء منذ 1962 إلى الآن، والاكتفاء بدعوة الشعب في كل مرة إلى تزكية من يختارونه له، وإذا كان ذلك مبرَّرا في السنوات الأولى للاستقلال بالحفاظ على وحدة الدولة الفتية وتماسكها، فأي عذر نلتمسه لهم الآن بعد مرور نصف قرن على الاستقلال؟
أما الرئيس بوتفليقة، فقد وقع في خطأ جسيم حينما قام في 2008 بتعديل دستور زروال، الذي يحدِّد عدد العهدات الرئاسية باثنتين فقط، وهذا ليتمكّن من الترشح لعهدة ثالثة وربما رابعة، وقد كانت تكفيه ولايتان رئاسيتان، ثم يترك بعدها المجال لرئيس آخر، والجزائر لم تعقم عن إنجاب رؤساء في مستواه أو أفضل منه.
إذن ما الفرق عملياً بين ممارسة الوصاية على الشعب من خلال تعيين الرؤساء له بدل تركه يختار من يشاء بكل حرِّية وشفافية، وبين احتكار الرئاسة مدى الحياة والرغبة في الترشح لولاية رئاسية رابعة حتى في ظل ظروف صحية صعبة؟
هذا السؤال موجّهٌ بالدرجة الأولى إلى سعداني، الذي يتحدث عما يسمّيه عرقلة الجنرال توفيق، لـ”الدولة المدنية”، وهو في نفس الوقت يدافع عن خلود الرئيس بوتفليقة، في الحكم حتى وهو مقعَدٌ على الكرسي، عوض أن يدعو إلى إقرار الديمقراطية الحقيقية وتداول الحكم.
لقد تعرّض آخرُ استحقاقين انتخابيين إلى تزوير فاضح لصالح جبهة التحرير، وعصف ذلك بكل أمل في إنجاح “الإصلاحات” التي وعد الرئيسُ بوتفليقة، الشعبَ بها في مارس 2011، ولكن سعداني الذي كان أحد قادة الجبهة سكت عن ذلك لأنه في صالحها، ولو كان حريصاً على “الدولة المدنية” لرفض تلك الجريمة الشنعاء بحق الديمقراطية، والتي قضت تماماً على آمال ملايين الجزائريين في إمكانية حدوث تغيير حقيقي بطريقة سلمية وديمقراطية حضارية، ولرفض توجيه أصوات الأسلاك النظامية لصالح حزبه، ولذلك يُعدّ حديثه الآن عن “الدولة المدنية” حقا يُراد به باطل، ولو تحدث عنها آيت أحمد وجاب الله وطالب الإبراهيمي وغيرُهم لصدَّقناهم، أما رئيس الحزب ــ الغطاء للسلطة الفعلية ــ فهو آخرُ من يحقّ له الحديث عن الموضوع.
صحيحٌ أن البلاد ليست بحاجة إلى التسيير الأمني للسياسة والأحزاب والانتخابات والاقتصاد والإعلام والجمعيات، والهيمنة على المجتمع ككل ومراقبته، ولكنها ليست بحاجة أيضاً إلى رؤساء يريدون احتكار الحكم مدى الحياة، ويقومون بإضعاف المعارضة ومختلف مؤسَّسات الدولة ليحكموا وحدهم، وكل من عارضهم وجب إزالتُه من الطريق بأيِّ وسيلة، حتى ولو وضع ذلك البلادَ على كفّ عفريت.
ينبغي أن يقتنع النظام، بمختلف أجنحته، بالكفّ عن الممارسات الاستبدادية الفاسدة القائمة منذ نصف قرن، والسماح بالذهاب إلى ديمقراطية حقيقية تعود فيها الكلمة إلى الشعب وحده في كل استحقاق انتخابي، إلى أن تترسّخ الممارسة الديمقراطية، ويصبح تداولُ الحكم بين السلطة والمعارضة أمراً عادياً.
يجب أن يقتنع النظامُ الحاكم منذ نصف قرن، بأن الانفتاح على الديمقراطية الحقيقية، وقبول تداول الحكم ضرورة حتمية لا بدّ منها، وهي أفضل آلية لحل الصراعات حول السلطة بطرق حضارية، والحفاظ على أمن البلد وتماسكه واستقراره، وقد سبقنا الغربُ إلى هذه الآلية فنجح، ويجب أن ننتهج نفس الأسلوب، عوض أن نتشبّث بنفس السياسات الاستبدادية القائمة منذ نصف قرن، ونعرّض البلد إلى مخاطر كبيرة قد لا تُحمد عقباها.
“الشروق” الجزائرية
اقرأ أيضا
الأيام المشتركة “CoDays”.. خبراء يناقشون بالرباط تطور برامج رعاية مرضى السرطان
احتضنت مدينة الرباط، النسخة الثالثة من الأيام المشتركة CoDays، وهي التظاهرة العلمية السنوية المخصصة للأنكولوجيا، …
الرباط.. خبراء يناقشون دور الذكاء الاصطناعي كحليف جديد لمدراء المشاريع
أكد خبراء من معهد إدارة المشاريع، بالرباط، على أهمية الذكاء الاصطناعي بالنسبة لمدراء المشاريع، وذلك …
الكويت تكرم معهد محمد السادس كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي
جرى تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية التابع لجامعة القرويين، كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي، وذلك تقديرا لجهود هذا المعهد المتميزة في خدمة كتاب الله تعالى نشرا وتعليما.