في مثل هذه الأيام، أي في نهايات عام 2010 قبل أربع سنوات، انطلقت في تونس أحداث ما أطلق عليه اسم الربيع العربي، و كان من المفترض أن يكون ربيعاً بالفعل لولا أن دخل عليه خصمان لدودان حاولا بجهد خارق إفساده و تحويل مساره في معظم التجارب التي امتدت إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا والعراق مجدداً و لبنان، وتأثرت به بشكل حاد كل المنطقة العربية!!! و الخصمان اللدودان هما المطامع و المشاريع الخارجية و جماعات الإسلام السياسي و عمودها الفقري الإخوان المسلمون!!! و إذا كان التدخل الخارجي مفهوماً و نابعاً من المصالح العليا و شهوة السيطرة على العالم، فإن غير المفهوم و غير المبرر هو السلوك العدائي و التخريبي الواضح و المتعمد من قبل جماعات و منظومات الإسلام السياسي، كما رأينا في ليبيا و مصر وسوريا والعراق و بقية المنطقة بما فيها تونس الشقيقة و خاصة في السلوك الإرهابي لأنصار الشريعة و السلوك الإستحواذي لحركة النهضة.
ومن هنا تأتي الوقفة التاريخية الواعية للشعب التونسي وقواه السياسة التي تمكنت من اجتياز المرحلة الإنتقالية بكل مخاطرها، و وصلت إلى شاطئ السلامة عبر انتخابات برلمانية أولاً فاز فيها الشعب التونسي من خلال سلامتها و شفافيتها، و من ثم الانتخابات الرئاسية التي جرت بصورة مشرقة و عبور ملفت إلى تونس الديمقراطية الموحدة الواعدة بالأمال الكبيرة.
نتائج الانتخابات التي فاز فيها حزب نداء تونس بقيادة الباجي قائد السبسي المناضل السياسي المخضرم، قالت بكل وضوح أن الشعب التونسي يريد الاستقرار، و أن الشعب التونسي لا يريد حكم الأخوان المسلمين، برغم أن حركة النهضة بقيادة زعيمها راشد الغنوشي هي أرقى جزء من التنظيم الدولي لللإخوان المسلمين، و الأكثر وعياً و مرونة و خبرة في السياسة الدولية من كل مثيلاتها في المنطقة، إلا أن تجارب الأخوان المسلمين في فلسطين و مصر و ليبيا و اليمن و سوريا قد كرست انطباعات سلبية جداً لدى الرأي العام في المنطقة بأسرها، و فشلها في الفرص التي اتيحت لها أثبتت أن خلط الدين بالسياسة على هذا النحو العبثي الذي رأيناه في الأربع سنوات الأخيرة، و إسقاط الماضي على الحاضر، و خداع الجماهير بأقوال تعاكسها الأفعال، لم يعد طريقاً إلى النجاح، بل هو الطريق إلى الانكشاف و السقوط الكامل.
ألف تحية للشعب التونسي على نجاحاته الكبيرة، و وعيه العميق، و تشبثه بمكاسبه التي حققها في كل تجاربه السابقة، و مبروك لتونس التي لها في رقبة الشعب الفلسطيني دين لا ينسى، حين احتضنت قيادتنا و مناضلينا في أصعب الظروف، و فتحت القلوب و البيوت لقيادات و كوادر الثورة الفلسطينية، و أدت ما عليها من دور دون منة أو اجحاف أو ضيم، و نرجوا أن يكون هذا النجاح التونسي الباهر فاتحة خير، و بداية استعادة المبادرة في التجارب العربية الأخرى.
*قيادي في حركة “فتح”