رحل بصمت وهدوء، وبكامل السكينة المهذبة المناضل الأردني أحمد فهد الفاعوري أبو الليث، الذي قضى سنوات عمره مناضلاً في صفوف الثورة الفلسطينية، بعد أن إنحاز لها بلا تردد، بل وبعزيمة قوية وقرار مسبق، سجله مع زملاء له، غادروا عمان في بداية السبعينات من الإذاعة الأردنية، إلى إذاعة الثورة الفلسطينية مع طاهر العدوان الذي أصبح وزيراً للإعلام، وفايز محمود الأديب والكاتب الكبير الراحل، وحازم مبيضين الكاتب في صحيفة الرأي الأردنية، ووحده من بينهم بقي أحمد فهد الفاعوري وفياً لتراثه ورفض العمل في أي من المؤسسات الإعلامية، بعد أن تم إحالته على التقاعد من صفوف الثورة، والإذاعة الفلسطينية، ومكتب العلاقات العربية في منظمة التحرير.
أحمد فهد الفاعوري، إبن السلط، ومنطقته البلقاء، كان يقول، منذ كنت طفلاً تربينا أن بيوت البلقاء المطلة على فلسطين هي الأجمل، ولأنني من أسرة فقيرة لم أكن أتمتع بهذا الجمال، وكبرت وأنا أحلم بالنظر إلى الغرب نحو فلسطين وإلى القدس، ولذلك حملت بداخلي هذا الإنحياز لفلسطين، لأنها الأجمل، ولم يكن لدي سوى خيار واحد الإلتحاق بصفوف الثورة الفلسطينية لعلها تمنحني الأمل برؤية فلسطين، ومحررة، وحلمت وقررت أن أكون شريكاً ومساهماً في مسيرة تحريرها.
حلم أحمد الفاعوري، ما زال حلماً، لكل أردني مثلما هو لكل فلسطيني، وربما لكل عربي ومسلم ولكل مسيحي، فالتراث الذي تمثله فلسطين في وعينا تجعل منها حلماً أبدياً متجدداً، لن يتوقف، إلا بتوقف الظلم والتشرد وإنهاء المعاناة وعودة فلسطين إلى ما يجب أن تكون وطناً مستقراً لأهلها وعشاقها، ليس للفلسطينيين وحسب، وطنهم الذي لا وطن لهم سواه، ولكنها مركز الإهتمام الإنساني لبني البشر، بكل ما تحمل من تراث.
رحل أحمد الفاعوري، ولكنه وبكل مرارة لم يجد الإنصاف الذي يستحقه والمعاناة التي كابدها، والتضحيات التي قدمها، فقد بقي وفياً لفلسطين وأهل فلسطين ومشروع فلسطين حتى رحيله بلا إنقطاع، فمن ذا الذي ينصفه ؟؟ المؤسسة التي عمل بها أم المنظمة التي إنحاز لها ؟ أم المشروع الذي راهن عليه ؟؟ وكم من هؤلاء وأولئك الذين قضوا من أجل فلسطين، صامتين ؟؟.
إنها معضلة الوفاء، أو التقصير من المؤسسة الفلسطينية لكل من عمل وساهم وشارك ودفع ثمن إنحيازه لفلسطين في وقت مبكر، حتى ولو كان ذلك من دوافع قومية، يمليها الواجب على هؤلاء نحو فلسطين، ولكن ألا يستحق هؤلاء من موقع الواجب أيضاً أن يكرموا بما يستحقوا وبما قدموا بدوافع قومية ؟؟.
حينما شكلنا قائمة المواطنة الإنتخابية لخوض إنتخابات مجلس النواب الأردني عام 2013، كنت رئيساً لها، ووضعت إسمي في أسفل القائمة لتقديم نموذجاً للتضحية والتفاني ونكران الذات، أصر أن يكون هو في أخر القائمة، وتراجع حينما أقنعته أن يكون في وسط القائمة للإستدلال على فحواها، لأن فكرتها تتوسل العدالة والمساواة والأخوة والشراكة بين كل الأردنيين، وهكذا كان، دلالة ناصعة على نكرانه لذاته ووفائه لكل ما كان يؤمن به كقومي وكأردني وكفلسطيني.
أحمد الفاعوري الإعلامي الفلسطيني، الذي كان يصدح من خلال برنامجه ” إبن الشعب و” إبن الثورة ” من إذاعة فتح، إذاعة الثورة الفلسطينية، حينما كان يعز الإنتماء والإنحياز، يستحق وسام التقدير والرفعة من الذين ما زالوا يذكرون أحمد الفاعوري أبو الليث الذي قضى أعز سنين حياته شجاعاً في صفوف الثورة الفلسطينية من موقعه كعربي أردني، كان ولا يزال وسيبقى وفياً للأردن، كما كان وفياً لفلسطين.
* كاتب أردني/”الأيام” الفلسطينية