غلاة الصهاينة ينقضون على متطرفيهم. هذا يعني أن الأشد تطرفاً واكثر عدوانيةً قد ضاقوا ذرعاً بمن هم دونهم تطرفاً وأكثر منهم تعقلاً في ابداء عدوانيتهم. طرد نتنياهو من حكومته ستبي ليفني ويائير ليبيد. استحقا ذلك لأن تطرفهما بات أقل مما يجب، أو هما يوشِّيانه بمسحة من قليل تعقُّل يعللانه بحرص وحصافة تستوجبه صهيونيتهما، الأمر الذي يقول نتنياهو أنه لم يعد عنده محتملاً. هذا يعني ببساطة أن من هما من امثال ليبرمان وبينيت باتا الآن الأكثر اعتدالاً في حكومته الراهنة،أو حكومة تصريف الأعمال بانتظار موعد الانتخابات المبكرة التي توافق مع المعارضة علىانعقادها في الشهر الثالث من عامنا المقترب. كما يعني أيضاً، أن نتنياهو ما كان ليقدم على ما اقدم عليه لولا اطمئنانه لفوزه المؤكد بتشكيل حكومة مابعد تشكُّل الكنيست القادم. سيكون له هذا إن لم تحدث المفاجأة ويفضل ناخبو الكيان عليه بينيت…سيكون له،إما متحالفاً مع تنويعات الحراديم، او مع سواهم من فتات متطرف العلمانيين الذين ليسوا بأقل تلمودية منهم،وجميعهم منتجطبيعي لكيان استعماري استيطاني لا ينحو لطبيعته إلا يميناً، وبالتالي يشكِّل كما هو حاله مفرخة دائمة لغلاته.
عدد نتنياهو الأسباب التي دفعته لأن يطرد ليفني وليبيد شر طردة. رد ذلك إلى ارتكابهما لخطايا ثلاث لم تعد تغتفر، اولاهما، كانت معارضتهما للإصرار على مواصلة الإعلانات عن خطوات تهويدية مستفزة في توقيتات يريانها غير مناسبة، لاسيما في ظل ماتشهده القدس من انتفاضة، يتردد صداها غلياناً شعبياً مكبوتاً في الضفة قد لاتفلح قبضة التنسيق الأمني الدايتوني في منع انفجاره، ويتجاوزها إلى المحتل في العام 1948 وغزة المحاصرة، وانعكاس ذلك على أمن الإحتلال. وثانيهما، اعتراضهما على الصيغة الفجة لقانون “القومية” الفاشي، لااعتراضاً على مضمونه بقدر الحرص على الصورة النمطية الزائفة للكيان الغاصب دولياً. وثالثهما، اجتماع ليفني بأبي مازن من وراء ظهره، أو بالأحرى بدون إذن مسبق منه…لم يك نتنياهو سيعدد ما عدده لولا ثقته بأن غالبية سامعيه ممن يتوجه لهم بخطابه في الكيان، هم إما يتفقون معه، أو لايعارضون ما انزله من عقاببمرتكبي هذا الذي لا يغتفر.
يوفِّر راهن المفرخة الصهيونية لنتنياهو وضعاً مريحاً، ذلك، بعد أن وفَّرت له الحالة الفلسطينية البائسة،والواقع العربي المنحدر،والتواطوء الدوليالفاضح،افضل البيئات الداخلية الحاضنة والحاضَّة على مزيد من فائض الغلو والزيادة في منسوب التطرف المجاني…ففي مثل هكذا حاله، وحيث لامن وازع يمنع، فليس هناك من رادع يردع، أو ما يستوجب تعقُّلاً مرده خشية، أو تتطلبه حصافة أو حرص، ولا ما يستدعي مداراةً لفجور عدواني سادر لأنه لايجد من يواجهه…ولنضرب مثلاً:
منذ أمد، حرص نتنياهو على سد كافة المسارب التسووية الموهومة التي جرت محاولات تسويقها، لكنما ظل التسوويون الفلسطينيون والعرب يراهنون على تسليك انسداداتها العصية آملين العودة لطاولة مفاوضاتها العبثية،وظل تهافتهم لبعث رميمهامرتعاً لمعهود النفاق الأوروبي الراقص طويلاً على معزوفة “حل الدولتين” بانتظار أن يخرج الحاوي الأميركي بشائره من تحت قبعته…كان هذا من نتنياهو قبل اقدامه على خطواته العقابية الأخيرة الوائدة لأي أمل في فتح تلك المسارب الصدئة المنسدَّة. وعليه، لم يجد المراهنون الخاسرون سبيلاً للتملص من الوفاء بتهديداتهم الاستدراجية للتفاوض بالتلويح باللجوء للأمم المتحدة سوى احالتها للجامعة العربية والتلطي تحت عبائتها المهلهلة، فكان مشروع القرار العربي الداعي لسقف زمني لإقامة الدولة الفلسطينية، لكن دونما الإتفاق على صيغته وموعد تقديمه، بمعنى انها قد احالت بدورها ما احيل اليها الى التشاور مع اولي الأمر في “المجتمع الدولي”، ليس عبر “لجنة الاتصال” إياها، بلباستبدالها ب”ميني لجنة” تقتصر على الكويت وموريتانيا وثالثهما الأمين العام للجامعة…
من هنا يأتي التحرك البريطاني الفرنسي الألماني لاجتراع مخرج ما عبر نص مختلف عن النص العربي أويفرغه من مضمونه، ويوفر على الأمريكان اللجوء للفيتو، أويتيح لهم الامتناع عن التصويت، ويفضي إلى ابتدع اخراجاً ما لجولة تفاوضية قادمة قد يحدد لها سقفاً زمنياً لكنها ستكون في نهاية المطاف مثيلةًلسابقاتها حالاً ومآلاً… بالمناسبة، رمزية الإعترافات الأوروبية بالدولة الإفتراضية، والغيرملزمة،أوالمؤجلة، أو المعلقة على التفاوض، أو ما ابتدعه البريطانيون للجم الخطوة السويدية،لاتبتعد عن مثل هذا السياق وفي تكامل تصفوي معه، والمدهش أنها تسوَّقالآن كمنجز أوسلوي باهر، والأدهش هو توعَّد رئيس السلطة بأنه إن لم يمرر طلبه في مجلس الأمن لعدم اكتمال النصاب او بالفيتو، فلسوف يوقِّع المعاهدات الدولية، وسيوقف التنسيق الأمني مع المحتلين، وسيطلب منهم تحمُّل مسؤلياتهم الإحتلالية…إنه هنا يكرر لازمةً سبق وأن رددها، وهو خير من يعلم أن راهن عضوية مجلس الأمن لاتتوفر له فيها اصواتاًتوفر لمناقشة طلبهنصاباً، وإن توفر فالفيتو الأميركي بالإنتظار، وأن ايقاف التنسيق الأمني، الذي يتم باشراف اميركي، يعني خروجه من الربقة الأوسلوية، ودعوته للمحتلين لاستلام المسؤلية يعني حله للسلطة الأوسلوية…فهل هو حقاً في وارد الإقدام على مثل هذا؟؟!!
…وعود على بدء، الأسباب التي عددها نتنياهو لطرده ستبي ليفني ويائير ليبيد كافية للجزم بأن لا من خيار امام الفلسطينيينإلا المقاومة.
* كاتب فلسطيني