يقول الكاتب الاسرائيلي في هآرتس – روغل ألفر (النشيط اليميني، يهودا غليك، قال قبل أن تتم محاولة اغتياله بالقدس بساعات بأنه “يترك هاتفه مشغلا، وفي حال قالوا إن هناك موافقة على بناء الهيكل، فإنه سيترك كل شيء ويذهب إلى هناك”. يجب الإيضاح هنا أنه بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي اليوم فإن غليك ليس غريبا أو متخلفا، وليس متطرفا. بل هو يريد في نهاية المطاف بناء “الهيكل”، ويجب تقديره على ذلك. إذا كان هناك إله يُثيبه على هذه الأفعال الجيدة ويوجه العالم، وأن الشعب اليهودي هو شعب الله المختار، وهو الذي أمرنا بالتوراة، وأن المخلص سيأتي وسنحيا جميعا إلى الأبد في العالم الآخر، كما تؤمن الأغلبية اليهودية في (إسرائيل) – فإن هذا يدفعنا إلى بناء “الهيكل”).
وهو في إشارته الحادة للرواية العنصرية و للتطرف اليهودي ما يرفضه، و يربطه بما يحصل بالضبط من المتطرفين المسلمين فلا فرق إذ أن كلاهما يؤمن بنفس المباديء وعلى الطرف النقيض حيث يقول (لا توجد بينهم وبين الشهيد الذي يفجر نفسه في عملية “انتحارية” من اجل الجلوس مع 72 حورية في الجنة، اختلافات في الرأي).
ويقول الكاتب اليساري القريب من المشكلة الفلسطينية “جدعون ليفي” مبتعدا عن الادعاءات التوراتية الخادعة ذات العمق المتطرف (من أجل قول الحقيقة عن القدس يجب أن تأتي قيادة شجاعة، لكن هذه القيادة غير موجودة. والحقيقة هي أنه لا توجد دولة في العالم تعتبرها عاصمة (إسرائيل)، الاحتلال قام بتدميرها، وهي مقسمة وممزقة وقداستها تخص المؤمنين فقط ولا توجد أي علاقة بينها وبين السيادة، وتقسيمها إلى عاصمتين أو تحويلها إلى عاصمة الدولة الواحدة هو كارثة أقل قليلا من استمرار احتلالها).
وكي لا نذهب بعيدا في التوصيف حتى الإسرائيلي منه لذاتهم، نقتبس من أقوال الاسرائيليين المتطرفين هذه المرة ما يرونه حيث كتب “آريه ألداد” في صحيفة (اسرائيل اليوم) المقربة من رأس التطرف والخرافات التوراتية “نتنياهو” مدعيا علاقة ما لليهود بموقع المسجد الأقصى كاذبا بالطبع، إذ يقول متعجبا (عندما يرى العرب أن اليهود يتنازلون عن سيادتهم في المكان الأكثر قداسة للشعب اليهودي، فإن هذا مؤشر إلى أننا غير مرتبطين فعليا بـ”أرض (إسرائيل)”، وسيكون بالإمكان طردنا من هنا، كما تم طرد الصليبيين).
مضيفا بعناد الفكرة الكاذبة المهيمنة: (فقط إذا قلنا لأنفسنا ولكل العالم إن هذا المكان هو الأقدس للشعب اليهودي، وإننا لن نتنازل عنه خوفا من “الإرهاب” العربي – فقد يوجد لنا أمل بالانتصار(، وغني عن القول أنه لم يكن بالتاريخ قط شيء اسمه “الشعب” اليهودي أو “الأرض” أو”الوطن” اليهودي (راجع العالمين اليهوديين، أرثر كوستلرفي كتابه:القبيلة ال13، ثم “شلومو ساند” في: خرافة أرض إسرائيل واختراع الشعب اليهودي).
ونحن نقول إذا لم نواجه أنفسنا أولا كفلسطينيين وعرب ومسلمين، ونشذب رواياتنا التاريخية الخرافية (وفيها أيضا المتطرفة ضد البشر من أتباع الديانة اليهودية) المتقاطعة ظُلما في تسلسل لتاريخ معهم وعنهم، أي تلك الروايات التوراتية المكذوبة عن القدس وما يسمونه “شعب” (إسرائيل)، وعن المعبد أوالهيكل والتواجد لهم في أرضنا العربية فلسطين ، فماذا تتوقعون أن تكون النتيجة؟.
بالطبع ستسود رواية الخرافات بالنبي المخلص (ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم) وخرافات أن للإسرائيليين (يهود دولة “إسرائيل” اليوم ذوي الأصول الخزرية الروسية والأكرانية والأوربية الذين اقتبسوا اسمهم من اسم قبيلة إسرائيل اليمنية المنقرضة) “أرض” وأنهم كانوا “شعبا”؟! وأن مكان الأقصى المبارك أو حوله أو على بعد 20 كيلو أو 200 كيلومتر كان الهيكل! الذي في الحقيقة لم يكن في كل المحيط أبدا.
إن الصراع السياسي والإعلامي والقانوني بل والعسكري أو الميداني ليس كافيا لتفنيد رواية صاغتها أطماع ويَد الامبريالية الاستعمارية بإتقان بالتعاون مع عقلية الظلام والتطرف والعنصرية الصهيونية منذ القرن ال19 لتجعل من خرافات التاريخ القريب والبعيد تشتعل اليوم لدى خفاف العقول الراكضون وراء الأساطير، وكأنها حقائق!
نحن أول من نقتنع بالأساطير ونتجه للجدال فقط في الجزئيات ؟!مثل: نعم كانوا هنا (في فلسطين) ولكن ليس طويلا؟! نعم حصلت لهم إمارات أو ممالك! ولكن ليس هكذا؟! والحقيقة الجلية الآن بالعلم أنهم ما كانوا هم ولا كان أي من الحاليين المختلفين أو السابقين المدونة قصصهم بالكتب في هذه الأرض العربية الإسلامية مطلقا.
إن الصراع العربي-الإسرائيلي يسفر يوما بيوم عن حجم وحقيقة المشروع الاحتلالي-الاستعماري الموجه ليس فقط لفلسطين و ليس فقط لمقدرات الأمة وقلبها ومقدساتها، وإنما لعقلها بما يبعدها كليا عن الحصن الحصين في إيمانها بحقها وعن عقلها الذي تقفله مرتاحة وتستجيب للأحداث دون أن تكلف عناء نفسها أن تنتفض متوحدة.
* مفكر وكاتب وأديب