وضعت ليبيا تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة في مارس 2011 بعد أن اتهم المجتمع الدولي، بقيادة بعض الدول الغربية وأخرى إقليمية، النظام السابق بارتكاب جرائم ضد الشعب الليبي واستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين، إضافة إلى تهم أخرى مثل عدم تداول السلطة وحكم الفرد واﻻستخدام غير الرشيد للنفط، وهكذا وبمساعدة أساسية من حلف الناتو تم إسقاط النظام أواخر 2011، وبدأ الشعب الليبي يتطلع إلى تلك الأماني التي سوقتها وسائل الإعلام المختلفة وتحدث عنها قادة فبراير من ارتفاع دخل الفرد وتقليص حجم البطالة وتحرير اﻻقتصاد وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وارتفاع درجة الشفافية وتعميق مفهوم المحاسبة والمراقبة للفاسدين، ثم تحويل طرابلس إلى دبي البحر المتوسط.
ولقد حذرنا المجتمع الدولي في ذلك الوقت أن التغيير في ليبيا يقوده المتطرفون وأنه ﻻ مستقبل لكل هذه الأحلام الوردية لأنها تشبه قصص الأطفال الخيالية، بل الأكثر من ذلك أن المتطرفين سوف يستخدمون نفط ليبيا وموقعها الجغرافي المميز ويحولونها إلى قاعدة إقليمية وعالمية للإرهاب.
وكان الآخرون يرددون بأن النظام الديمقراطي سوف يعالج كل هذه المشاكل وسوف تشق ليبيا طريقها نحو اﻻزدهار، واستمرت المكابرة حتى قتل السفير الأميركي واختطاف مواطنين غربيين، ودعم متطرفي ليبيا لداعش والنصرة في سوريا، وحاول الغرب احتواء هؤلاء الوحوش وترويضهم.
استغل المتطرفون هذه المرونة الدولية، ونجحوا في عرقلة إعادة الجيش والشرطة والقضاء للعمل، وزوروا الانتخابات، وكانت علاقتهم بالغرب تمر بشهر عسل لأنهم حققوا ما لم يحلموا به، والأكثر من ذلك أنهم استغلوا سجناء النظام السابق وجندوا الكثير منهم وبدأوا في ممارسة العنف لكي ينصاع الخصوم لشروطهم وقاموا بقتل المئات من ضباط الجيش والشرطة والقضاء وحتى الناشطين الحقوقيين والسياسيين.
كل هذه الجرائم كان يغض عنها البصر من طرف الأمم المتحدة والغرب، حتى أن الأمم المتحدة أعلنت أنه ﻻ يوجد ﻻجئون ليبيون في الوقت الذي فاق فيه عددهم عدد اللاجئين السوريين مقارنة بعدد السكان، حيث أن ثلث سكان ليبيا ﻻجئون خارج بلادهم.
والأمرّ من ذلك أن الموقف الأميركي اتخذ موقفا داعما لتلك الجماعات المتطرفة ولم يتخذ موقفا واضحا من المؤتمر الوطني المنتهية وﻻيته، حيث أكدت السفيرة الأميركية أنهم “ملزمون بالتعامل مع القوى الموجودة على الأرض” وهذا التبرير يجب أن يطبق على داعش التي تملك ثلث العراق ونصف سوريا، ثم استخدمت السفيرة الأميركية ذات منطق الإرهابيين عندما قالت إن ما يقوم به الثوار يأتي تحت مبدأ الضرورة، وهو ذات المبرر لممارسة التوحش في سوريا والعراق.
إن السياسة المعلنة للدول الغربية والمجتمع الدولي هي تداول السلطة أو الديمقراطية ومكافحة الإرهاب. ليبيا مستثناة من هذه المعايير، فالوﻻيات المتحدة تحشد قواتها العسكرية وتؤسس لتحالف دولي لضرب الإرهاب في العراق وسوريا، وتتغاضى عما يقومون به في ليبيا، وحتى وضع “أنصار الشريعة” على قائمة الإرهاب مؤخرا جاء خجوﻻ وضبابيا، لأنه يجب أن توضع كل المنظمات الإرهابية في ليبيا بما فيها الميليشيات القبلية والمناطقية في قائمة الإرهاب ﻻ أن تحصرها في جماعة محددة.
وإذا ما تمكنت داعش من السيطرة على بعض آبار النفط محدودة الإنتاج، فإن الإرهابيين في ليبيا استولوا على 270 مليارا من الأرصدة الليبية في الخارج، وعلى دخل ليبيا لمدة ثلاث سنوات وهو ما يعادل 180 مليار دوﻻر، ويتحكمون في تصدير 1.5 برميل نفط يوميا ويملكون مخزونا نفطيا يتجاوز 40 مليار برميل، كما استولوا على ترسانة ليبيا الضخمة، وبعد هذا يتحدث الغرب عن إمكانية احتوائهم في حين يعلنون فشلهم في احتواء داعش التي ﻻ تملك عشر هذه المقومات. التناقض الأكبر أن الدول التي تشارك في ضرب داعش في سوريا والعراق هي التي تتبنى حماية “دامش” في ليبيا بالغطاء السياسي والإعلامي.
أما عن تداول السلطة فإن الأمر أكثر مأساوية، حيت يعرف العالم أن ثلث الشعب الليبي مهجر في الخارج، وبقيته يقع تحت إرهاب المتطرفين الذين حولوا حتى البيوت الخاصة إلى سجون في ظل غياب الشرطة والقانون، إضافة إلى تلاعبهم باﻻنتخابات ما قبل الماضية، إلى درجة أنهم تطاولوا على رفض شرعية البرلمان المنتخب في طبرق وإرجاع الجسم الميت المنتهية وﻻيته وهو المؤتمر الوطني، ومازال العالم والدول الغربية يقفان موقف المتفرج مما يجري في ليبيا بل ويقوم البعض بدعم الإرهابيين من وراء الستار. هذه هي ازدواجية المعايير للمجتمع الدولي تجاه ليبيا، كما هي تجاه قضايا دولية أخرى كثيرة.
*كاتب ليبي/”العرب”